شبكة النبأ: رغم التغيرات التي يمر بها المجتمع العراقي التي بدورها غيرت المواطن، جعلته في دوامة لا تنتهي بسهولة، ظهرت مشكلات كثيرة ولدت منها معاناة أكثر، منها ظاهرة الأرق، رغم ضجيج البيئة الذي يؤدي إلى التثاؤب، النعاس، النوم.
لابد أن كلاً منّا مرَّ بتجربة القلق غير المحببة عددا من المرات. الا أن هناك الكثيرين ممن يعانون من عوارضه معظم لياليهم. الكثيرون من هؤلاء يتعاطون المنومات بحيث أصبحت هذه جزءا من نظام معاشهم اليومي. هؤلاء الناس مصابون بالأرق المزمن. قد أصبحوا موضوع دراسات وبحوث كثيرة!
ما هو الأرق؟
من الخطأ الشائع أن نقول ان القلق هو عدم التمكن من النوم كليا، فلا تجوز الحياة من دون نوم. اذا قال أحد أصحابنا انه لم ينم لحظة واحدة، فما يعنيه بالأصح هو أنه يشعر وكأنه لم ينم أطلاقا. الذين يشكون الأرق يزعجهم بالا حرى البقاء مدة طويلة في الفراش قبل أن يتمكنوا من النوم، أو الاستيقاظ في الصباح الباكر من دون أن يستطيعوا العودة للإغفاء، أو عدم القدرة على النوم العميق بحيث يهبون من سباتهم لأقل حدث أو صوت، يعانون الأمرين قبل أن يعودوا لنومهم مرة ثانية.
آلية القلق:
قبل هذا يجب أن نتفهم عملية النوم الطبيعية. النوم هو عملية ضرورية يقوم بها الدماغ بقطع معظم اتصالاته العصبية مؤقتا لإعطاء خلايا الجسم فرصة للاستجمام من عناء العمل اليومي المتواصل مثل شبكة اتصالات أجهزة الموبايل عندما لا تكون هناك تغطية. الا أن تفسير آلية النوم ما تزال تعجز الباحثين، كل ما نستطيع تسجيله عنها هو بعض الظواهر الخارجية كفعالية الدماغ الكهربائية أثناء النوم، تغيرها بواسطة المؤثرات الخارجية.
يدلنا الأطباء على مخططات الدماغ الكهربائية أن هناك أنواعا أو درجات من النوم يمر فيها كل شخص عادي أثناء سباته. فالنوم العميق يتمثل على هيئة موجات بطيئة delta waves هي التي تظهر في الشخص المتعب بعد نوبة مباشرة.
الا أن هذه سرعان ما تتغير أثناء النوم في ظرف ساعة ونصف لساعتين لنوع آخر من الموجات تترافق مع حركة لا شعورية في العينين rem تمثل(عتبة)أخرى من السبات، تتميز بظهور الأحلام فيها..ثم تتغير هذه(العتبة الكهربائية)لمرحلة انتقالية، من ثم لمرحلة (الدلتا)مرة أخرى.
مع أن أهمية هذه المراحل أو الدرجات لم تصل الى نهاية المعرفة، الا أنه أصبح من الواضح لكي يكون النوم طبيعيا مجلبا للراحة الجسمية والنفسية، يجب أن يحوي على سائر هذه الدرجات بترتيب ونسب معينة.
الأسباب:
من البحوث الطبية تبين أن الذين يشكون الأرق المزمن ينامون عادة فترات طبيعية في طولها، أو أطول من المعدل، الا أنها تخلو من النظام والتتابع الطبيعي لهذه المراحل في الموجات الكهربائية الدماغية أثناء النوم، لذلك يتصف نومهم بالسطحية، الاستيقاظ بين الفينة والأخرى، انعدام الراحة الجسمية والنفسية التي تتبع النوم الطبيعي. بما أنهم لا يذكرون أجمالا ساعات نومهم، فهم يعتقدون أن أوقات الاستيقاظ تشكل سلسلة متصلة من المحاولات الفاشلة للسبات.
الأسباب الظاهرة كثيرة، منها جسمية مرضية، كما يحدث للمرضى بعد العمليات الجراحية الكبيرة، أو في الآفات المترافقة بارتفاع درجات الحرارة، أو هي نتيجة اضطراب في هرمونات الجسم واستقلاباته كما يحدث في سني المراهقة واليأس .. لكن معظم الأسباب نفسية، تتعلق بمشكلة إنسانية.
لعل المنومات التي نتناولها لعلاج هذه الحالة هي بحد ذاتها أحد الأسباب الشائعة لحالات الأرق المزمن.
كيف نعالجه:
1ـ أهم ما يجب عمله هو التوصل للسبب الأساسي العضوي أو النفساني لهذه العلة.
فمن السهل أن نركز على شكوى الأرق بالذات، من السهل أن يصف الطبيب المنومات والمهدئات ليرضى مريضه..الا أن هذا لا يحل المشكلة الأساسية المسببة، انما يعرض المصاب لمضاعفات الحبوب المنومة التي يضعف تأثيرها مع الزمن، التي مهما بلغت من الأمان تهدد من يتناولها بالسمية ان هي أخذت بكثرة.
فإذا كان السبب عضويا تكون المعالجة بشفاء الآفة المرضية كمعالجة أسباب الحمى مثلا. الا أن معظم الأسباب نفسية. هنا يحسن بالمصاب مصارحة نفسه أو طبيبه بما يقلق باله وإيجاد الحل المناسب لمشكلته.
قد يكون السبب الأساسي غيرة الزوجة على زوجها، أو تخوف الأب من سلوك ابنته، أو شك الشاب على قدرته في منافسة زميله بالعمل. أكثرنا يعاني من مثل هذه الأمور، من السهل أن نبقيها في اللاشعور وأن لا نصارح أنفسنا بها.
2ـ أن أبسط وسيلة لمجابهة مشكلة الأرق، أعمها فائدة بالإضافة لما تقدم هو إجهاد الجسم جسمانيا.
فقليل من الرياضة اليومية ضروري لكل امرئ لا تتيح له مهنته تمرين جسمه وعضلاته. اذا كنت من غير محبذي الرياضة، فامشي نصف ساعة قبل موعد العشاء مثلا، أو سر بعض المسافة بين مركز عملك وبيتك كل يوم، أو تعود على صعود السلالم دون مساعدة.. كل هذه الإجراءات تفيد في جعل نومك أهنأ وأهدأ. الا أنه يستحسن الا تتعب نفسك وتقوم بهذه التمارين قبيل النوم مباشرة.
3ـ لكل أمريء تواتر فيزيولوجي يومي داخلي يختلف قليلا عن غيره، يمكن كشفه بقياس تغيرات درجة حرارة الجسم خلال اليوم. هذا (التوتر) الشخصي يجعلك مستعدا للنوم في وقت معين من الليل أو النهار يختلف عن غيرك كما يجعلك بحاجة لعدد معين من ساعات النوم. اتبع هذا (النظام الداخلي) الخاص بك، لا تنم الا عندما تشعر بحاجة للنوم.
ان كثيرا من المصابين بالأرق يحاولون النوم أبكر من اللزوم متبعين بذلك ساعة الحائط أو اليد بدل(ساعاتهم الداخلية)الطبيعية.
4ـ جرب أن تنظم أوقات عملك ونومك بحيث تأوي لسريرك في ساعة معينة كل ليلة وبالطريقة ذاتها.
هذه الإجراءات تؤدي اذا مارسها المرء كل يوم بنفس الترتيب للنعاس والرغبة في النوم.
فمن الناس من يستفيد من حمام دافىء أو بارد قبل الذهاب للسرير، منهم من تعود قراءة الكتب والمجلات، منهم من يأكل وجبة خفيفة اضافية..اذا أحببت أنت أن تجرب أحدى هذه الطرق، فليكن حمامك فاترا غير حار ولا بارد، لتكن قراءتك غير مثيرة للأعصاب، لتكن وجبتك الطعامية خالية من السكريات والدهون عالية النسبة، ابتعد عن المأكولات المسببة للغازات وسوء الهضم.
5ـ اذا اضطجعت في السرير بعد كل ذلك، تطلب النوم فلا تجده، لا تبق هكذا بلا حراك تتطلع في الظلام.
أشغل وقتك بأمور نافعة وهادئة.. كقراءة أحد الكتب التي كنت تود قراءتها، أو ترتيب مكتب، كتابة رسائل، متابعة الفضائيات والأنترنت. اذا شعرت أن تفكيرك مضطرب نتيجة مشاكل كثيرة تعانيها، فلا بأس أن تختار احداها، تفكر مليا فيما يمكن عمله تجاهها. اذا كان يومك التالي مليئا بالواجبات التي لا تجد الوقت الكافي لانجازها، فلا بأس أن تصنفها على وريقة، ترتب برنامجا للغد، أو الأسبوع أو الشهر القادم..المهم أن تقوم بعمل نافع وغير مثير.
6ـ اذا باءت كل محاولاتك بالفشل، فأنت على الأغلب تنام فترات أطول مما يحتاجها جسمك!.