الاكتئاب مشكلة عصرية أساسها عامل الوراثة
هناك ما يشير إلى أن الناس في الحياة المعاصرة يعانون من الاكتئاب بصورة أكبر مما كان الناس يعانون منه في الماضي، وفي المجتمعات السابقة، إلى حد وصفوا هذا العصر بعصر الاكتئاب، وليس الاكتئاب هو مجرد هذا الحزن المؤقت على وفاة عزيز، أو ذلك الهبوط في المزاج الذي يتملكنا بين الحين والآخر، وليس هو مجرد إحساس بوحدة تنقشع بزيارة صديق أو مبادلة الحديث مع أحد الرفاق أو الزملاء، عندما يذكر الاكتئاب تذكر معه الكثير من خصائص الاضطراب النفسي بما فيها المزاج العكر والتشاؤم، والشعور بالإحباط، والعجز وبطء عمليات التفكير وبطء التذكر، وانتقاء الذكريات الحزينة والمهينة.
بعبارة أخرى، يعبر الاكتئاب عن كل تلك الآلام النفسية والجسمية والمنغصات التي تمضي عليها الأيام والمشهور، والمعروف أن للاكتئاب مثله مثل كثير من الاضطرابات النفسية الأخرى ثلاثة مصادر هي:
1- العوامل البيولوجية، وهي تشمل كل ما يتعلق بالاستعدادات العضوية، والتي من أهمها:
* الوراثة.
* الجوانب المتعلقة ببناء الجهاز العصبي ووظائفه (والذي يمثل المخ أحد أعمدته الرئيسية)
* فضلاً عن الجانب المتعلق بالمتغيرات الكيميائية الحيوية، وما يرتبط بها من عناصر التحكم في وظائف المخ والبدن، أي العقاقير، والتوازن أو عدم التوازن الهرموني.
2- ما يتعلق بالتعلم الاجتماعي، وما يؤدي إليه من اكتساب أنماط شخصية خاصة، فبفضل التعلم وأنماط الشخصية تكتسب الاستعدادات العضوية مذاقها المرضي أو الصحي.
3- مجموعة الثالثة من العوامل تتعلق بالأزمات البيئية كالكوارث، والأمراض المستعصية، والطلاق والهجرة، والانفصال عن الأحبة بالموت مثلاً تعتبر ذات أهمية بالغة في زيادة الاكتئاب، وبالرغم من أن كل مصدر من المصادر الثلاثة السابقة كفيل وحده بإحداث الاضطراب والتوتر والمرض، فإن الاكتئاب يحدث عادة بسبب التقاء هذه العناصر مجتمعة، أو أثني منها على الأقل.
وفي الجدليات الحديثة فالأقرب إلى الصواب هو ما قاله (سيلفانو أرييتي) يبدو أنه من الثابت أن التهيئة الوراثية لازمة لحدوث الفصام. لكن العامل الوراثي وحده لا يسبب الفصام.
وتم الكشف حديثاً عن العلاقة بين مورثة معينة ومرض الاكتئاب، فإن التحول العادي الشائع في مورثة واحدة هو الخط الفاصل بين تحمل ومكافحة ضغوطات الحياة أو السقوط في بئر الاكتئاب وقد يساعد هذا الاكتشاف الذي جاء في دراسة حديثة في إطلاق جرس إنذار مبكر بشأن التعرض للأمراض العقلية والنفسية.
وتقول منظمة الصحة الدولية أن هناك نحو 120 مليون شخص في العالم مصابون بالاكتئاب أو الحزن المستمر وتزودهم أفكار سيئة عن الموت، وكلها من أعراض الاكتئاب المرضي.
ويعتبر الاكتئاب حالياً هو السبب الرابع عالمياً في أعباء المرض ويعني هذا التعبير الفترة الزمنية التي يقضيها المريض في المعاناة من مرض ما.
ويقول تيري موفيث أستاذ علم النفس بكلية كينغ للطب بلندن وجامعة وسكونسن ماديسون إذا استمرت الاتجاهات الحالية فسوف يكون الاكتئاب هو السبب الأول في أعباء المرض على مستوى العالم بحلول عام 2020 وسيكون السبب الثاني في الدول المتقدمة بعد أمراض القلب.
وقد ركزت دراسة على 847 شخصاً أعمارهم 30 سنة في دوندن بنيوزيلاندا واستمرت مدى الحياة على مورثة تسمى 5 ب تصدر مادة السرتونين.
مادة السرتونين في إحدى المواد في المخ التي تشير إلى الحالة المزاجية، والمورثة تكون في شكلين، طويلة أو قصيرة، وكل شخص يرث نسخة من واحد الأبوين من هذه المورثة، لذلك يكون لدى كل شخص نسختان من المورثة الطويلة ونسختان من القصيرة، أو نسخة واحدة من كل منهما.
ويقول الأستاذ موفيث في البحث الذي نشرته مجلة ساينس أن الفريق تحدث إلى مجتمع البحث المتطوع على خمس سنوات بشأن التوتر والضغوطات بما فيها ما يخفي الوظيفة والمال والمرض العضوي وسوء المعاملة وانهيار العلاقات، كما قاس الباحثون علامات الاكتئاب عند هؤلاء.
وأتضح أن الذين ورثوا النسخة القصيرة من المورثة 5ب تزداد احتمالات إصابتهم بالاكتئاب عندما تسوء الأمور معهم مقارنة بالذين ورثوا النسخة الطويلة وأصيب 33% من الذين لديهم على الأقل نسخة واحدة من المورثة القصيرة بالاكتئاب بعد مواجهة أحداث مثيرة للضغوط والتوتر، وأصيب 43% من الذين لديهم نسختان من المورثة القصيرة بالاكتئاب أيضاً بعد مواجهة ظروف قاسية خلال حياتهم.
أما الذين واجهوا ظروفاً قاسية ولديهم نسخة من المورثة الطويلة فقد أصيب 17% منهم بالاكتئاب، ويقول الأستاذ موفيث نحن لا نتحدث عن مورثة تسبب مرضاً، بل نعتقد أن هذه المورثة تساعد فيما إذا كان بعض الناس يستطيعون مواجهة الآثار النفسية السلبية أو عدم قدرتهم على مواجهة ضغوطات الحياة.
وليس من المحتمل أن تكون مورثة 5 ششب هي الوحيدة المرتبطة بالاكتئاب، فقد يكون هناك مورثات أخرى لم نتعرف عليها بعد، توضح سبب ارتفاع نسبة السيدات اللائي يحتمل أن يصبن بالاكتئاب مقارنة بالرجال.
والبحث يذكر بأن العمليات البيولوجية ليست حتمية التأثير، لأن بعض الذين لديهم الشكل القصير من المورثة خرجوا من ظروف حياتية صعبة دون الإصابة بالاكتئاب والعكس بالعكس. لكن البحث يعزز فكرة أن الصحة الإنسانية أو الناتج الإنساني يعتمد على مجموعة مورثات وبيئة وتاريخ شخصي كما يقول الباحثون.
وقام الفريق ذاته في العام الماضي بتحديد عامل وراثي آخر يبدو أنه يجعل بعض الرجال يتحملون إساءة المعاملة أو الظروف القاسية في الطفولة.
والحقيقة أن السجية البشرية يمكن أن تستخدم في تفسير الطبيعة، ويقول الأستاذ موفيث مجرد أن يعرف الناس أن دراسة عوامل الخطر البيئية هي أداة بحثية قوية لا بد أن يسجلوا نجاحاً أكبر في إيجاد علاقات لم تكن معروفة بين المورثات وكل أنواع الأمراض.
ويأمل الباحثون في أن يؤكد آخرون النتائج التي توصلوا إليها يقولون أن هذا الاكتشاف قد يدفع الجهود الأمنية إلى تطوير اختيارات جديدة لتشخيص احتمالات التعرض للاكتئاب أو الإصابة به.
وأكدت دراسة حديثة أن الاكتئاب يسبب أمراضاً عضوية أيضاً
كشف فريق بحثي في جامعة ونيستون – ميسون الأمريكية أن الاكتئاب لا يجعل الإنسان سلبياً من الناحية الذهنية، بل أنه يمكن أن يجعل البشر أكثر عرضة للإصابة بأمراض جسدية أيضاً.
وقد نشرت نتائج البحث خلال الأسبوع الحالي على الموقع الإلكتروني للأكاديمية الوطنية للعلوم، وفقاً لوكالة الأسوشيتدبرس.
وقد بحث العلماء العلاقة بين الحالة النفسية للبشر، ومدى استجابة جهازهم المناعي، حيث طلبوا من 52 متطوعاً – رجالاً ونساءً – الكتابة عن أسوا أوقاتهم حياتهم وأفضلها، وبعد هذا قام الباحثون بقياس نشاطهم العقلي إلكترونيا. ولاحظ العلماء أن زيادة النشاط في مقدمة الفص الأمامي للمخ كان مرتبطاً باستجابة عاطفية أقوى، وحدوث حالة اكتئاب.
وقد خضع أشخاص تم حقنهم بمصل مضاد للأنفلونزا لاختيارات متتالية بعد مرور أسبوعين وأربعة أسابيع وستة أشهر على الترتيب، وذلك لتحديد مدى استجابتهم للمصل.
وتبين من نتائج الاختبارات أن الأفراد الذين أظهروا نشاطاً أكبر في مقدمة الفص الأمامي للمخ، كانت لديهم كميات أقل من الأجسام المضادة للمرض في الدم، مما يعني أن جهازهم المناعي استجاب للمصل بصورة أقل.
وفي مجال العلاج: فقد تنوع الفنيات العلاجية ففريق يولي اهتمامه ونشاطه لتعديل السلوك، وفريق آخر لتعديل الفكر، وطائفة ثالثة لتعديل المهارات الاجتماعية، وفريق آخر لتعديل الاضطرابات الانفعالية، وهذا التطور في العلاجات السلوكية المعاصرة خاصة في الولايات المتحدة وغيرها كبريطانيا يخفي الكثير تحت عباءته من تخصصات في مختلف هذه المحاور، بما فيها العلاج المعرفي، والعلاج الإجرائي، والعلاج عن طريق تدريب المهارات الاجتماعية، والتعدد والتنوع في فنيات كل هذه الاتجاهات، لكن العلاج الروحي المؤثر في الأبعاد المختلفة هو الأقوى والأنجح ففي الإسلام برنامج لتربية الإنسان من جميع النواحي النفسية والعقلية والروحية والجسمية وبذلك ينتظم سلوك الأفراد وأفكارهم ويطمئن نفوسهم، خصوصاً الارتياح النفسي التام في ظل الإيمان بالله تعالى.