التغلب على الصدمة والألم والتحرر من دورات العنف والانتقام أسلوب مبتكر في المعالجة والشفاء للأفراد والمجتمعات

الناقل : SunSet | المصدر : www.annabaa.org

 

شبكة النبأ: في يوم من أيام الأحد من شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2007 شهد ديفيد وركس، من سكان ولاية كولورادو جريمة قتل ابنتيه. 

وقد تعرض وركس نفسه لإطلاق النار والإصابة عندما قام مسلح بإطلاق النار على المصلّين أثناء مغادرتهم الكنيسة، وأصبح لزاما عليه منذ ذلك الحين أن يواجه آثار الكارثة ويحاول التغلب عليها طيلة حياته. غير أن ما تلقّاه من توجيه وتدريب على رد الفعل وكيفية مواجهة الصدمة والشفاء منها ساعده على تجاوز مرحلة رد الفعل الطبيعي كالرغبة في الانتقام والشعور بالذنب لبقائه على قيد الحياة.

فقد تعلّم وركس في مركز العدالة وبناء الطمأنينة والسلام، في جامعة إيسترن منونانيت في مدينة هاريسونبيرغ بولاية فرجينيا ودرس برنامجا نموذجيا يستخدم في استراتيجية الوعي بالصدمات والقدرة على التكيف والتخطيط لردود الفعل العادية تجاه الضرر الجسدي والنفسي. ويبين البرنامج طرق الخلاص من حلقتي الضحية والمعتدي اللتين يقع كثير من الناس في شركهما وتؤديان بهم إلى إلحاق الأذى بأنفسهم أو الإضرار بغيرهم.

فقد صرحت إيلين زوك بارج، مديرة برنامج استراتيجيات الوعي بالصدمات والتكيّف، لموقع أميركا دوت غوف بقولها إن "العنف يسبب الصدمة، والصدمة التي لا تشفى تسبب مزيدا من العنف. وقالت إن ذلك باختصار يعني أن "إيذاء الناس يؤذي الناس.

ولذا وضع أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة إيسترن منونايت وموظفوها مخططا وصفته بارج بـ"نموذج الحلزون." وقد أطلق عليه هذا الإسم نظرا للشبه بين مخطط النموذج وقوقعة الحلزون "ولأن عمله بطيء وطويل، وقد لا يخلو من الفوضى وآثارها أحيانا." ويعرض البرنامج النموذجي ثلاثة سبل للرد ومواجهة الصدمات التي يسببها العنف البشري والكوارث الطبيعية وغيرها من الحوادث المدمرة.

فحلقة، أو دورة الضحية تبين بعض ردود الفعل تجاه الصدمة، ومنها الحزن والهلع والغضب والتغيرات النفسية السيكولوجية. وتقول بارج إنه "عندما يصاب المرء بصدمة، وبما أن العقل مركّب بشكل يكون مهيئا كي يتولى الجزء الأسفل من المخ السيطرة تلقائيا" ويعمل على توليد "طاقة صدمة" من المواد الكيميائية والهرمونات التي يفرزها.

وتضيف بارج أن "هذه الطاقة الصدمية تشكل الجزء من المكافحة والهروب وتجميد رد الفعل الذي يساعد على حماية الشخص." ويبدأ برنامج نموذج الحلزون بالتركيز على هذه التأثيرات، ثم تبدأ عملية الشفاء باكتشاف وسائل التنفيس وإطلاق تلك الطاقة والتخلص منها.

وتشرح بارج رأي الخبير في نظريات الصدمات بيتر ليفاين الذي لاحظ أن الظبي البرّي (الذي يشبه حيوان الأيل) عندما لا يقدر على الركض وسبق مطارده الحيوان المفترس، ولكنه لسبب ما أو لآخر ينجو من الافتراس وتقول "إن ما يفعله الظبي عندئذ هو أنه ينهض واقفا وينفض نفسه ويصهل ويقفز ثم يطفر متوثبا ويركض كي ينضم مجددا إلى قطيعه."

وبالمثل، فإن جسد الإنسان ينتفض ويعرق بعد الأزمة "ويود المصاب لو يصرخ ويبكي" لكن الناس يشجعون الضحايا من البشر على الهدوء وضبط النفس، وهو على النقيض والعكس مما يريد الجسد أن يفعله.

فالطاقة الحبيسة المحصورة، تقول بارج "هي التي تسبب الكوابيس المستمرة والإفراط في اليقظة. وإذا كان بالامكان التشبه بالحيوانات البرية وفعل ما تفعل فعلا والتخلص من طاقة الصدمة تلك فإن المرء يصبح عندئذ في وضع صحي أفضل" وأكثر عافية وسلامة. وتضيف قائلة إنه سواء أكان الجواب بكاء أو انتفاضا أو رقصا أو رياضة أو أي نوع من ضروب النشاط "فالناس بحاجة إلى أن يمنحوا أنفسهم الفرصة ويسمحوا لها أن تفعل ما هم بحاجة إلى فعله."

يقول العالم الكهنوتي الكاثوليكي الأب ريتشارد رور إن الصدمات التي لم تعالج ولم تشف يمكن أن تدفع أصحابها على إيذاء أنفسهم أو الآخرين وتدخلهم في حلقة العدوان. ويضيف قوله "إن الألم الذي لا يتحول ينتقل."

وتشرح بارج قائلة إنه إذا استمر المرء "في إيذاء نفسه أو في إيذاء الآخرين، فإنه يصبح عندئذ معتديا ويزيد من عدد الضحايا المتألمين وتستمر هذه الحلقة في الدوران إلى ما لا نهاية إذا لم يدركوا ويتبينوا ما يجري. ويمكن أن يحدث هذا على المستوى الفردي أو على المستوى الأسري أو على المستوى القومي."

أما كسر الحلقة والخروج من الدورتين بالنسبة للبرنامج النموذجي فتقول بارج إنه "العثور على الأمان والتحرر واختيار سبيل الحياة." وسبيل التحرر والانطلاق شأنه شأن الرد ومواجهة الصدمات يختلف من شخص إلى آخر. وترى بارج أن الإقرار بالألم وإظهاره، بما في ذلك الحزن والتأسي خطوة هامة، أما بالنسبة للبعض "فقد يكون العفو والمسامحة السبب في الانطلاق والتحرر" والعودة إلى الانسجام.

 

العافية والبناء من جديد

عندما واجه وركس موت ابنتيه تذكّر نموذج الحلزون وقرر اللجوء إليه واستخدامه للخروج من دائرة أحزانه والمضي في طريق الحياة.

كتب وركس في مقال في عدد شتاء العام 2008 من مجلة "بيس ميكر" (صانع السلام) التي تصدر في جامعة إيست منونايت  "قلت لنفسي إنني ’أستطيع اختيار فقدان صوابي وأسير في طريق الغضب والعقاب، أو أستطيع أن أستخدم الأدوات التي أعطيت لي وديني، كي أعثر على ما هو طيب ومفيد في كل هذا وأنطلق متحررا من الحلقة... فالغضب والمرارة لن يكرما ذكر ستيفاني وريتشل.‘"

كشفت بارج عن أن معظم الناس يلجأ إلى النموذج عندما يجدون أنفسهم مقيدين واقعين في إحدى الحلقتين. وكان وركس من أوائل الذين استخدموا البرنامج النموذجي بأسلوب وقائي. فقد توصل بعد أقل من شهرين على مرور حادث إطلاق النار إلى النقطة التي أصبح قادرا معها على مقابلة أفراد عائلة قاتل بنتيه ويبدأ معهم عملية الشفاء والمصالحة. وتقول بارج "أشعر بالقشعريرة في بدني عندما أروي القصة للمشاركين في الندوات التي أنظمها."

وتقول بارج إن نصف عدد المتخرجين من دورات المركز هم من خارج الولايات المتحدة. وتضيف أنه على الرغم من أن الوسائل الفنية للبرنامج أساليب جديدة فقد عم استخدامها في كل أنحاء العالم، بدءا بكولومبيا حيث يستخدم الخريجون الوسائل والأدوات لتدريب غيرهم على التغلب على الصدمات والشفاء منها، وصولا إلى كمبوديا حيث يقوم مشارك سابق في برنامج الوعي بالصدمات والتكيّف بالتعاون مع المحكمة المشتركة من كمبوديا والأمم المتحدة لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الحقوق الإنسانية والفظائع في السبعينات.

وتخلص بارج إلى القول إن نموذج الحلزون "يتخطى إلى أبعد من النموذج الطبي المعتاد في معالجة الصدمات والشفاء منها" فهو يتطلب من الناس المعنيين أن يشاركوا بشكل مباشر في العملية التي تعالج الصدمات وتصلح العلاقات وتبني القدرة على التكيّف.