وأفتقدت أمها الزهراء

الناقل : SunSet | المصدر : www.holykarbala.net


وأفتقدت أمها الزهراء
بعد حوالي ( 75 يوماً ) عاشتها فاطمة الزهراء في وضع مأساوي يصعب تصويره ، وكانت زينب هي الأقرب لأمها ، والمشاركة لها في آلامها وأحزانها ، خاصة وأنها تلحظ تدهور صحة أمها الزهراء وازدياد توجعها . . .
وفي اليوم الأخير من حياتها تحاملت الزهراء على مرضها وقاومت أوجاعها لتقوم بخدمة وداعية حانية لئطفالها الذين سيصبحون يتامى بعدها . . فقد قامت الزهراء تتكئ على جدار المنزل ودعت اطفالها الأربعة الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم لتغسل أجسامهم ورؤوسهم بالماء والطين ، وهي تملأ عينيها نظراً الى أجسامهم النحيفة ، وتذرف من أعماق قلبها دموع الحزن على فراقهم ، وفوجئ علي ( عليه السلام ) حينما أقبل ورأى فاطمة وقد غادرت فراش مرضها ، وكاد أن يمتلكه الفرح والسرور لأن فاطمة استعادت صحتها وعافيتها ، لكنه رآها كزهرة يكتنفها الذبول ولاحظها تستعين بالجدار لتواصل خطواتها البطيئة ، فسألها عن سبب اجهاد نفسها بغسل الأولاد ، فأجابته بصوتها الخافت :
« لأن هذا اليوم آخر يوم من أيام حياتي ، قمت لأغسل رؤوس أطفالي وثيابهم لأنهم سيصبحون يتامى بلا أم » (1) .
وعادت الزهراء ( عليها السلام ) الى فراشها لتبث لبعلها وزوجها الغالي العزيز همومها ووصاياها . .
وكان مستقبل أولادها احدى القضايا التي ركزت عليها في وصيتها له حيث قالت :
« يا ابن عم : أوصيك أن تتزوج بعدي بابنة أختي اُمامة فإنها تكون لولدي مثلي ، فإن الرجال لابد لهم من النساء ، وإن أنت تزوجت امرأة أجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادي يوماً وليلة » (2) .
وعند اقتراب الأجل أرادت الزهراء أن تبعد ابنتيها زينب وأم كلثوم عن مشاهدة تلك اللحظات الأليمة حيث الموت ومفارقة الحياة فأرسلتهما الى بيوت بعض الهاشميات ـ كما تشير احدى الروايات ـ (3) بينما كان الحسنان مع أبيهما خارج المنزل . .
وما عادت زينب وأختها أم كلثوم الى المنزل الا وقد انطفأ منه ذلك النور ، وذبلت فيه تلك الزهرة الندية ، وخمدت تلك الشعلة المتقدة بالعاطفة والحنان ، لم تعد زينب تسمع صوت أمها الرقيق ولا تنعم بابتسامتها المشرقة ، انها قد التحقت روحها بالرفيق الأعلى لترتاح من عناء هذه الدنيا وظلم أهلها ، أما جسدها النحيف الضعيف فباتجاه القبلة على الفراش وقد أسبلت يديها ورجليها وأغمضت عينها . .
يا لها من لحظات أليمة مرت على العقيلة زينب واخوتها . . ولكنه أمر الله ، وهم على صغر سنهم ـ أي أطفال فاطمة ـ يعون هذه الحقيقية فيؤلمهم الفراق لكنهم يسلمون أمرهم الى الله ويرددون في ثقة ويقين « إنا لله وإنا إليه راجعون » (4) .
وفي ظلام الليل قام علي ( عليه السلام ) بتغسيل فاطمة ثم أدرجها في أكفانها بمنظر من زينب واخوتها ، تقول الرواية : « فغسّلها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس » (5) .
وحانت ساعة الوداع الأخيرة ، فلابد وأن يعطي علي ( ع ) الفرصة لأبنائه ليلقوا آخر نظرة على محيا أمهم الزهراء . .
يقول السيد القزويني :
رأى الامام أن يتامى فاطمة ينظرون الى امهم البارة الحانية ، وهي تلف في أثواب الكفن ، إنها لحظة فريدة في الحياة ، لا يستطيع القلم وصفها ، إنها لحظة يهيج فيها الشوق الممزوج بالحزن ، إنه الوداع الأخير الأخير ! ! .
هاجت عواطف الأب العطوف على أطفاله المنكسرة قلوبهم ، فلم يعقد الخيوط على الكفن ، بل نادى بصوت مختنق بالبكاء :
ـ يا حسن يا حسين يا زينب يا أم كلثوم هلموا وتزودوا من أمكم ، فهذا الفراق واللقاء في الجنة ! ! .
كان الأطفال ينتظرون هذه الفرصة وهذا السماح لهم كي يودعوا تلك الحوراء ، ويعبرون عن آلامهم وأصواتهم ودموعهم المكبوتة المحبوسة ، وأقبلوا مسرعين وجعلوا يتساقطون على ذلك الجثمان الطاهر كما يتساقط الفراش على السراج . .
كانوا يبكون بأصوات خافتة ، ويغسلون كفن أمهم الحانية بالدموع فتجففها الآهات والزفرات ، كان المنظر مشجياً مثيراً للحزن ، فالقلوب ملتهبة ، والأحاسيس مشتعلة ، والعواطف هائجة والأحزان ثائرة (6) .
وقد روى صاحب ( ناسخ التواريخ ) في كتابه : ان زينب أقبلت عند وفاة أمها وهي تجر رداءها وتنادي : يا أبتاه يا رسول الله الآن عرفنا الحرمان من النظر اليك .
وروى هذه الرواية صاحب ( البحار ) عن ( الروضة ) بهذا اللفظ : وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة تجر ذيلها متجلببة برداء عليها تسحبها ، وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً .
وأم كلثوم هذه هي زينب ( عليها السلام ) من غير شك كما صرح بإسمها في رواية صاحب ( ناسخ التواريخ ) ، ولكونها أكبر بنات فاطمة ( عليها السلام ) (7) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 607 .
(2) المصدر السابق ، ص 610 .
(3) المصدر السابق ، ص 616 .
(4) سورة البقرة ، الآية ( 156 ) .
(5) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 43 ، ص 171 .
(6) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 624 .
(7) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 18 .


المصدر : كتاب / العظيمة زينب / حسن الصفار