(السيدة زينب وفاجعة كربلاء) لا بدّ مِن أن نبدأ من أوائل الواقعة ، مع رعاية الإختصار ، ليكون القارئ على بصيرة أكثر من الأمر : مات معاوية بن أبي سفيان في النصف من شهر رجب ، سنة 60 من الهجرة ، وجلس ابنه يزيد على منصّة الحكم ، وكتب إلى الولاة في البلاد الاسلامية(1) يُخبرهم بموت معاوية ، ويطلب منهم أخذ البيعة له من الناس . وكتب إلى والي المدينة كتاباً يأمره بأخذ البيعة له من أهل المدينة بصورة عامّة ، ومن الإمام الحسين (عليه السلام) بصورة خاصّة ، وإن امتنع الإمام عن البيعة يلزم قتله ، وعلى الوالي تنفيذ الحُكم . واستطاع الإمام الحسين أن يتخلّص مِن شرّ تلك البيعة ، وخرج إلى مكة في أواخر شهر رجب ، وانتشر الخبر في المدينة المنوّرة أن الإمام امتنع عن البيعة ليزيد . وانتشر الخبر ـ أيضاً ـ في مكة ، ووصل الخبر إلى الكوفة والبصرة . وكانت رحلة الإمام الحسين إلى مكة بداية نهضته (عليه السلام) ، وإعلاناً واعلاما صريحاً بعدم اعترافه بشرعيّة خلافة يزيد ، واغتصاب ذلك المنصب الخطير . وهكذا استنكف المسلمون أن يدخلوا تحت قيادة رجل فاسد فاسق ، مُستهتر مفتضح ، متجاهر بالمنكرات . فجعل أهل العراق يكاتبون الإمام الحسين (عليه السلام) ويطلبون منه التوجّه إلى العراق ليُنقذهم من ذلك النظام الفاسد ، الذي غيّر سيماء الخلافة الإسلامية بأبشع صورة وأقبح كيفيّة ! كانت الرسل والمراسلات متواصلة بين الكوفة ومكة ، ويزداد الناس إصراراً وإلحاحاً على الإمام الحسين أن يُلبّي طلبهم ، لأنه الخليفة الشرعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنصوص عليه بالخلافة من جدّه الرسول الكريم . فأرسل الإمام الحسين (عليه السلام) إبنَ عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، والتفّ الناس حول مسلم ، وبايعوه لأنّه سفير الإمام ومبعوثه ، وبلغ عدد الذين بايعوه ثمانية عشر ألفاً ، وقيل : أكثر مِن ذلك . فكتب مسلم إلى الإمام يُخبره باستعداد الناس للتجاوب معه ، والترحيب به ونصرته ـ كما فهمه مسلم مِن ظواهر الأمور ـ . وقرّر الإمام أن يخرج من مكة نحو العراق مع عائلته المصونة وإخوته وأخواته ، وأولاده وأبناء عمّه وجماعة مِن أصحابه وغيرهم . وخاصّة بعدما عَلِم بأنّ يزيد قد بعث عصابة مسلّحة ، مؤلّفة من ثلاثين رجل ، وأمرهم بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في مكّة ، أينما وجدوه .. حتى لو كان مُتعلّقاً بأستار الكعبة ! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوُلاة ـ جمع والي ـ : وهو حاكم البلد ، ويُعبّر عنه ـ حالياً ـ بالمحافظ . المصدر : كتاب / زينب الكبرى من المهد إلى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني