(زحف الجيش الأموي نحو الخيام) كانت السيدة زينب (عليها السلام) تَشعر باقتراب الخطر يوماً بعد يوم ، وساعةً بعد ساعة ، وكيف لا ؟ والسيل البشري يتدفّق نحو أرض كربلاء لقتل ريحانة رسول الله وسبطه الحبيب ؟ وآخر راية وصلت إلى كربلاء : راية شمر بن ذي الجوشن في ستّة آلاف مقاتل ، ومعه الحُكم الصادر مِن عبيد الله بن زياد ، يأمر فيه ابن سعد أن يُخيّر الإمام الحسين بين أمرين : 1 ـ الإستسلام . 2 ـ الحرب . فزحف الجيش الأموي نحو خيام آل محمد (عليهم السلام) ونظرت السيدة زينب إلى أسراب من الذئاب تتراكض نحو بيوت الرسالة والإمامة . ويعلم الله تعالى مدى الخوف والقلق والإضطراب الذي استولى على قلوب آل رسول الله . وأقبلت السيدة زينب تبحث عن أخيها ، لتُخبره بهذا الهجوم المُفاجئ في تلك السويعات الأخيرة من اليوم التاسع من المحرّم ، قريب الغروب . وأخيراً ، وصلت إلى خيمة الإمام الحسين (عليه السلام) وإذا بالإمام جالس ، وقد احتضن ركبتيه ، ووضع رأسه عليهما ، وقد غلبه النوم . واستيقظ الإمام على صوت أخته الحوراء تُخاطبه ـ بصوت مليء بالرُعب ، مزيج بالعاطفة والحنان ـ .. قائلةً : أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟ فرفع الإمام الحسين رأسه وقال : أُخيّه ! إنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الساعة في المنام ، وقال لي : «إنّك تروح إلينا» . أو «إنّي رأيت ـ الساعة ـ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي عليّاً ، وأمّي فاطمة ، وأخي الحسن وهم يقولون : يا حسين إنّك رائحٌ إلينا عن قريب»(1) . فلطمت السيدة زينب وجهها ، وصاحت : واويلاه ، وبكت . فقال لها الإمام الحسين : ليس لك الويل يا أخيّة ، لا تُشمِتي القوم بنا ، أُسكتي رحمك الله .(2). فنهض الإمام الحسين (عليه السلام) وأرسل أخاه العبّاس ابن علي مع عشرين فارساً من أصحابه ، وقال : «يا عباس إركب ـ بنفسي أنت يا أخي ـ حتّى تلقاهم وتقول لهم مالكم وما بدا لكم ؟؟ وتسألهم عمّا جاء بهم ؟ فأتاهم العباس وقال لهم : ما بَدا لكم وما تريدون ؟ قالوا : قد جاء أمر ابن زياد أن نَعرِض عليكم : أن تنزلوا على حُكمه ، أو نُناجزكم ! فقال العباس : لا تَعجَلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله ، فأعرض عليه ما ذكرتم . فتوقّف الجيش ، وأقبل العباس إلى أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وأخبره بما قاله القوم . فقال الإمام إرجع إليهم .. فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدٍ وتدفعهم عنّا العشيّة ، لعلّنا نُصلّي لربنا الليلة وندعوه .. فهو يعلم أني أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه ؟ فمضى العباس إلى القوم فاستمهلهم ، وأخيراً .. وافقوا على ذلك .(3) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب (الملهوف على قتلى الطفوف) للسيد ابن طاووس ، طبع ايران ، عام 1414 هـ ، ص 151 . (2) كتاب «معالي السبطين» للمازندراني ، ج 1 ، ص 204 ، الفصل الثامن ، المجلس الأول . (3) كتاب «معالي السبطين» للمازندراني ، ج 1 ، ص 332 . المصدر : كتاب / زينب الكبرى من المهد إلى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني