قال السيد ابن طاووس (1) : لما رأى الحسين (عليه السلام) مصارع فتيانه وأحبته عزم على لقاء القوم بمهجته ، ونادى : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا ؟ هل من معين يرجو ما عند الله بإعانتنا ؟ فارتفعت اصوات النساء بالعويل ، فتقدم الإمام (عليه السلام) إلى باب الخيمة وقال لأخته زينب : ناوليني ولدي الرضيع حتى أودعه . فأخذه وأوما إليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهل بسهم فوقع في نحره فذبحه . فقال الحسين لأخته زينب : خذيه . ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء وقال : هون علي ما نزل بي أنه بعين الله . قال الإمام الباقر (عليه السلام) : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض . (2) وفي رواية أخرى : أن الإمام الحسين (عليه السلام) حينما طلب طفله الرضيع ليودعه ، أقبلت السيدة زينب (عليها السلام) بالطفل ، وقد غارت عيناه من شدة العطش ، فقالت : يا أخي هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء ، فاطلب له شربة ماء . فأخذه الإمام الحسين (عليه السلام) على يده ، وأقبل نحو أهل الكوفة وقال : «يا قوم : قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشاً ، من غير ذنب أتاه إليكم ، فاسقوه شربةً من الماء ، ولقد جف اللبن في صدر أمه ! يا قوم ! إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل ، فبينما هو يخاطبهم إذا أتاه سهم فذبح الطفل من الأذن إلى الأذن !! فجعل الإمام الحسين (عليه السلام) يتلقى الدم حتى امتلأت كفه ، ورمى به إلى السماء ، وخاطب نفسه قائلاً : «يا نفس اصبري واحتسبي فيما أصابك» ثم قال : «إلهي ترى ما حل بنا في العاجل ، فاجعل ذلك ذخيرةً لنا في الآجل» . (3) وجاء في بعض كتب التاريخ : أن الإمام الحسين (عليه السلام) لما رجع بالرضيع مذبوحاً إلى الخيام ، رأى الأطفال والبنات ـ ومعهن أم الرضيع ـ واقفات بباب الخيمة ينتظرن رجوع الإمام ، لعلهن يحصلن على بقايا من الماء الذي قد يكون الإمام سقاه لطفله . فلما رأى الإمام الحسين ذلك ، غير طريقه ، وذهب وراء الخيام ، ونادى أخته زينب لتأتي وتمسك جثمان الرضيع لكي يخرج الإمام خشبة السهم من نحر الطفل !! ويعلم الله ماذا جرى على قلب الإمام الحسين وقلب السيدة زينب (عليهما السلام) ساعة إخراج السهم من نحر الطفل . ثم إن الإمام حفر الأرض ودفن طفله الرضيع تحت التراب . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في كتاب الملهوف ص 168 / وذكر في كتاب بحار الأنوار ج 45 ص 46 . (2) كتاب «معالي السبطين» ، ج 1 ، ص 259 ، المجلس السادس عشر . (3) كتاب «معالي السبطين» ، ج 1 ، ص 259 ، المجلس السادس عشر . المصدر : كتاب / زينب الكبرى من المهد الى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني