مقدمة: كما أن في عالم الفيزياء، والرياضيات، وعلوم الهندسة، وغيرها بعض القوانين والمعادلات الرياضية للتسهيل في المجهول منها، فالسرعة = المسافة × الزمن. والحجم = الطول × العرض × الارتفاع. والقوة = الوزن × المسافة × المساحة. والضغط = الارتفاع × الكثافة. كذلك توجد قوانين ومعادلات إيمانية لضبط ومعرفة كثير من السلوك الإيماني..ولقد تحدث الكثير من العلماء عن معادلات إيمانية مستنبطة من الكتاب والسنة، منثورة في كتب الزهد والسلوكيات، فكان من المناسب التطرق إليها، والوقوف عند بعضها؛ لتعين الدعاة على سهولة محاسبة النفس، ومعرفة معالجة العيوب، والوصول إلى ما يجب التحلي به من الأخلاق، والخصال التي حث عليها الشارع لتكامل الشخصية الإسلامية، لتكون في ذروة القدوة، حتى تستطيع أن تؤثر في الآخرين عندما تدعوهم لعبادة الله وحده. الإخلاص: يقول الله تعالى في كتابه الكريم:} فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110){ [سورة الكهف]. ◄ والقانون هنا: عمل موافق للكتاب والسنة + الإخلاص = ثواب الله تعالى. والإخلاص أحد شرطي قبول العمل، وبغيره لا يُقبل العمل. والمخلص تراه دائم الخوف من عدم القبول؛ لأنه يخشى أن يكون ما قدم فيه شيء من الرياء والسمعة، بينما المنافق تراه مطمئناً لما قدم، وفي ذلك ما قاله رجل لحذيفة :أخشى أن أكون منافقاً فقال:\"لو كنتَ منافقاً لم تخش\". أحسن في نهارك تُكفى في ليلك : ومن فروع هذا القانون ما ذكره الزاهد أبو سليمان الداراني عندما قال:\"من أحسن في نهاره كُفي في ليله، ومن أحسن في ليله كُفي في نهاره، ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه، والله أكرم من أن يعذب قلباً بشهوة تُركت له\". فمن أحسن العمل، وأخلصه لله في النهار؛ كفاه الله من شرور الليل وحاجاته، ومن أحسن العمل والتقرب إلى الله في الليل، فإن النتيجة تكون كفاية الله له في نهاره، فلا يحتاج لأحد، ولا ينقصه شيء، ومن ترك شهوة لله بالرغم من توافر العوامل المساعدة لاقترافها، كانت النتيجة أن الله لا يعذبه. متى تكون الفضيحة ؟ ومن فروعه أن المرء عندما يريد وجه الله سبحانه في عمله يوفق له، ويفتح الله عليه أكثر مما يتوقع، وأكثر مما كان مخططاً له، ومن أراد أن يُشار إليه، أو يبرز أمام الآخرين، أو يريهم ملكاته وحسن تدبيره، فإن الله يفضحه، ويرى الآخرين ضعفه، ولا يوفقه للصواب، ويتعثر فلا يستطيع الوصول إلى ما يريد من الأهداف، ويكون ذلك واضحاً جلياً في مجال تعليم العلم والوعظ.. فمن أراد أن يُري الآخرين عميق علمه، وجميل عبارته، وتمكنه من التأثير في الآخرين؛ فإن الله ينسيه العبارات، وتختلط عليه الاستدلالات، ويرتبك بما كان قادراً عليه، ومن أراد نصرة دين الله، وهداية الآخرين، والقيام بحق الله، يدفعه الغضب لله، والحرقة على أحوال العصاة، فإن الله يفتح عليه من العلوم ما يتعجب منه، ومن التوفيق والسداد ما لم يحفظه أو يحضره،ويذكره من العلم ما نسيه، ويورد على لسانه ما لم يتوقعه، وهذا كله من بركات الإخلاص لله وحده. ◄ ينقل لنا هذا الشعور، ويؤكد لنا صدق هذا القانون: الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة عندما قال:\" أريدوا بعلمكم الله تعالى، فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع، إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع، إلا لم أقم حتى أفتضح\". ونستخلص من هذا أربعة معادلات جليلة في الإخلاص: من أراد بعمله وجه الله = يوفقه الله ويفتح عليه. من أراد بعمله غير وجه الله = يخذله الله ويعسّر عليه. من أراد بعمله وجه الله = يفتح الله عليه، ويسدد لسانه، ويقوي حجته. من أراد بعلمه غير وجه الله = ينسيه الله العلم، ويفضحه ويضعف حجته. من أحب أن يذكر : ومن فروع القانون ما ذكره الإمام الزاهد الفضيل بن عياض:\"من أحب أن يُذكَر لم يُذكر، ومن كره أن يُذكر ذُكِر\". ◄ فكم من الناس بذل ما يستطيع من المال والجهد من أجل أن يذكره الآخرون، فمات وكان في طي النسيان. ◄ وكم من الأخفياء، الأتقياء بالغ بإخفاء أعماله، وكره البروز، وحرص على الاختلاء بالله، ولكن ذكره ملأ الأرض. والذي يقلب صفحات التاريخ يدرك حقيقة هذه القاعدة: ◄ فأين ملوك الأكاسرة والأباطرة، وملوك الدنيا من المسلمين من بني الأحمر في دولة الأندلس؟ وأين ملوك الفاطميين، وملوك المغول، وغيرهم ممن أرادوا أن يُذكروا ؟.. أين هم في واقعنا، وعلى ألسنتنا ؟ إنهم جميعاً لم يذكروا.. بينما تأمل وتصفح صفحات التاريخ، فهل ترى جيلاً من أجيال المسلمين نسي ذكر الخلفاء الراشدين، أو الصحابة الكرام والتابعين، أو علماء الأمة البارزين من القدماء والمعاصرين؟ إنه يؤكد حقيقة القاعدة التي ذكرها الإمام الفضيل:\"من أحب أن يُذكَر لم يُذكر، ومن أن يُذكر ذُكِر\". أصدق في باطنك : إنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:[وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ] رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد. بعيداً عن رقابة الآخرين، وبعيداً عن شبهة الرياء، استشعر عظمة الله، ولقائه يوم القيامة، وعظيم حسابه، فخاف منه وانحدرت دموعه رغماً عنه، لقد صدق في باطنه؛ فأفاض الله الدمع من عينيه، وأراه الدموع الغالية التي تطفئ غضب الرب.. إنها معادلة يستمدها الإمام ابن الجوزي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:\"اصدق في باطنك، ترى ما تحب في ظاهرك\" . فالصدق الداخلي، والنية الصالحة التي يعقدها المؤمن في قلبه دون أن يراها أحد من الخلق؛ ينتج عنها صفاء النفس، وراحة البال، وصحة البدن، والسداد بالرأي والقول والعمل.. تلك معادلة أكدها علي رضي الله عنه قبل ابن الجوزي حين قال:\"من أحسن سريرته أحسن الله علانيته\". فإن نطق؛ فينطق صواباً.. وإن عمل؛ وفقه الله في عمله حتى يصل إلى ما يريد، فما من عمل يقوم به أمام الناس علانية؛ إلا بارك الله فيه، وجعله صائباً مسدداً مؤثراً في الآخرين؛ لأن ذلك نتيجة للشطر الأول من المعادلة \"من أحسن سريرته --------------------- من كتاب:\"معادلات إيمانية\"