يقضي الانسان مالا يقل عن ربع حياته في المتوسط وهو نائم .. فما هو النوم؟
النوم عملية توقف نسبي في تفاعل حس الانسان وحركته وإدراكه مع ما يحيط به من مختلف أنواع المؤثرات عموما وهو ضرورة أساسية من ضرورات الحياة كالأكل والشراب لأنه يقدم فترة زمنية مناسبة للجسم لترميم خلاياه المتهدمة ولتجديد نشاطه ومتابعة نموه التكويني المتوازن فإذا منع الانسان عن النون وحرم منه لأيام متواصلة فقد يؤدي ذلك الى الهذيان الفكري وعدم التركيز والهزال والهلاوس أحيانا مع انهيار جسمي وعقلي شديد . وتدل الدراسات النفسية والعقلية وكذلك بحوث وظائف الأعضاء ان النوم ليس مجرد ظاهرة سلبية تتجلى في تناقص الحس والحركة والوعي الشعوري وانما هي ظاهرة مرتبطة كل الارتباط بالحياة الواقعية وما تتضمنه من شعور وادراك وانفعال وسلوك – اذن فدراستنا للنوم وما يكتنفه من أحلام تساعدنا على فهم غير قليل من عمليات اليقظة – وقد أشار القرآن الكريم الى عدة حقائق علمية تتصل بالنوم في قوله تعالى " وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا " سورة الفرقان /47
وفيما يلي نتائج بعض الدراسات التي تناولت موضوع النوم :
1-تحدث بعض التغيرات الحيوية الهامة أثناء النوم مثل انخفاض كل من سرعة دقات القلب وضغط الدم وسرعة النبض وهذا مظهر عضوي للاسترخاء الجسمي والادراكي والانفعالي أثناء فترة النوم .
2-يقوم الجسم أثناء النوم على الرغم من كونه عميقا ببعض التقلبات والحركات الخارجية للأطراف في سبيل حماية النائم وراحته كما يظل الجهاز العصبي اللا إرادي عاملا نشطا أثناء النوم ويزيد أيضا جريان الدم في المخ أثناء النوم بالمقارنة مع اليقظة .
3-ليس النوم بدرجة واحدة من الوجهة الصحية – فمنه ما هو صحي ومنعش عندما يكون عميقا ومتواصلا في الليل – أما النوم المتقطع والسطحي والقليل فانه لا يقدم للجسم راحته الضرورية في نشاطه الفكري والحركي .
4-تظل بعض الخلايا الحسية على درجات من الصلة أحيانا بالرغم من انقطاع الانسان للمؤثرات الخارجية – كما تظل بعض الخلايا بسيطة في المخ وهذا ما يفسر لنا حدوث الأحلام وحركات عين النائم كما يحدث ما يسمي (بالتفكير اللاشعوري) الذي يساعد الانسان على فهم أو حل المشكلات الفكرية والسلوكية أثناء النوم فيستيقظ فاهما واعيا لتلك الأمور .
5- لايمثل النوم انقطاعا كاملا عن المؤثرات المحيطة – فبعض الأحلام انعكاس لمثيرات حول النائم مثل صوت الجرس أو الضجيج أو إشعال ضوء كبير .. وكذلك فان صلة النائم بما حوله قد تكون صلة انتقالية مثل استيقاظ ألام على صوت بكاء رضيعها فقط .
الأحلام :-
لقد لاحظ الانسان منذ عهده بالحياة ظاهرة الأحلام وحاول أن يفهم ما يتصل بها ولا سيما خلال هذا القرن الأخير حين استخدم العلماء ما يسمي اليوم بمقياس كهرباء الدماغ (رسم المخ) الذي يسجل التيارات الكهربائية الصادرة عن الدماغ حيث أمكن التعرف على وجود تغيرات في موجدات رسم المخ مع تسجيل حركات سريعة للعين تحت غطائها تدل على حدوث صور بصرية مع تسارع في التنفس والنبض أثناء فترة الحلم من النوم.. وعلى الرغم من أن الأحلام حقيقية في حياة النائم ولها آثارها المباشر وغير المباشر على حياته وهو في اليقظة ألا أن دراسة الأحلام ومحاولة تفسيرها قد تجاذبتها آراء ونظريات إنسانية لا تزال في مستوى الفرضيات .
وستظل حياة الانسان لا تخلو من الأحلام سواء تذكرها بعد اليقظة أم لا .
مدرسة التحليل النفسي والأحلام :
لمدرسة التحليل النفسي التي دعي أليها فرويد واتباعه أسسا عامة على الرغم مما لحقها من تعديل في فترات زمنية متلاحقة أهمها :-
للإنسان حياة شعورية مشاهدة وهي تتأثر كلها بحياته اللاشعورية التي تتضمن رغباته ودوافعه المكبوتة التي لم تشبع في حياته الشعورية .
أحلام الانسان تنطلق من حياته اللاشعورية - والحلم بأحداثه وأشخاصه واستيائه يتضمن رموزا لتلك الرغبات اللاشعورية .
رموز الأحلام لا تكون صريحة بل في شكل مقنع يسمح لها الرقيب الذاتي بالتعبير الاشباعي بشكل غير صريح – وتغير تلك الرموز هو تأويل للأحلام والتالي فهم للحياة اللاشعورية في التشخيص والعلاج لحياة المرضى النفسيين .
يجعل فرويد رموز الأحلام تدور كلها حول الثلاثي الذي يلخص أفكاره (الجنسية الطفولية المكبوته) وهي رغبات لا يجيز المجتمع إشباعها في الشعور وذلك لضوابط الأخلاق والدين والأعراف فتظل في اللاشعوري وتتحين فرص الأحلام للإشباع بأشكال مقنعة وعلى الرغم من أن تلامذة فرويد مثل( أدكر – يونج – هورني) أدخلوا (أنا) المتفوقة أو العدوانية ألا أنها جميعا رغبات مادية جسدية .
النظرية العلمية للرؤى :
ان الروئ حقيقة قائمة في الحياة الإنسانية في فترات النوم وهذه الحقيقة النفسية لا تستلزم صدق مضمون الأحلام أو عدم صدقها – كما لا تستلزم المقدرة على فهم طبيعة الرؤى أو عدم المقدرة أو فهم محتوياتها أو عدم فهمه .. ان الرؤى تتحرر من قيود المكان يتجلى بالزمن الحاضر وما يجري في أمكنة متباعدة تسقط بينها الحواجز – فالنائم قد يرى نفسه في مدينة أخرى مع أناس لا يعرفهم مثلا في مكان لا يدريه ..والتحرر الزماني يتجلى بالزمنيين الماضي والمستقبل – في الماضي عما حدث وقد طواه النسيان الشعوري – أو في المستقبل بطريق التنبؤ أو الترقب في سبيل الحذر مما يخشى او الترجي للمأمول .. فمن الرؤى ما هي انعكاس لحالات جسمية داخلية كالتخمة أو المغص حين يرى النائم نفسه في حرب أو خصام أو مرض أو هي انعكاس لمؤثرات خارجية مثل ضوء ساطع فيرى النائم نفسه في النهار المشرق – أو قريبا من حريق وتلك هي أضغاث أحلام أي أخلاط من انعكاسات مظهرية لا تتضمن إشارة هادفة الى معنى جدي مفيد في الحياة النفسية الداخلية .
ومن الرؤى ما يعكس الحياة الواقعية بكل ما فيها من رغبات متصارعة ودوافع متناسقة فهي نوع من حديث النفس أثناء فترة النوم فالفقير وهو يتوق للغنى جاهدا يرى نفسه وقد أثرى بين عشيه وضحاها والغني الذي يخشى الفقر يرى نفسه وقد أفلس في تجارته .
ومن الرؤى ما يحمل في طياته عنصر التنبؤ عن المستقبل حين تسقط حواجز الزمن .. ان القرآن الكريم قد استخدم كلمة (الرؤى) لما يراه النائم ويحتمل التأويل بينما استخدم (أضغاث أحلام) لما يراه النائم من اختلاط في تصورات لا تحتمل تعبيرا – وقد جمع هذين النوعين باسم(أحاديث) كما ورد في سورة يوسف( كذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك) . صدق الله العظيم