* يجمع دارسو تاريخ المسرح العربي على أن أول نص وضع ليكون مسرحية تُمثَّل على مسرح هو نص مسرحية البخيل لمارون النقاش (1817- 1855م) . وقد كتب مارون هذه المسرحية عام 1847م و مثَّلها أفراد أسرته في مسرح أقامه أمام بيته . و ذهب بعض النقاد إلى أنه ترجم هذه المسرحية أو اقتبسها من مسرحية البخيل لموليير . و يرى بعضهم الآخر أنه ألفها تأليفاً كاملاً بعد أن اطلع على مسرحية موليير فتردد صداها في مسرحيته . و كتبت المسرحية بشعر عربي أقرب إلى الركاكة والاختلال العروضي منه إلى الشعر الرصين ، و لم تخلُ اللغة من استخدام للعامية اللبنانية. و واصل مارون النقاش كتابة المسرحية فكتب في عام 1849م مسرحيته الثانية أبو الحسن المغفل ، و هي مستوحاة من إحدى حكايات ألف ليلة وليلة . و في عام 1851 م كتب مسرحيته الثالثة السليط الحسود و هي ملهاة أخلاقية . و رغم أن رسم الشخصيات و تطويرها تبعاً لنمو العمل المسرحي كان جيداً إلا أن الكاتب كان يغفل بعض القواعد التي ينبغي اتباعها في فنية الكتابة المسرحية. * و ظهر أبو خليل القباني ثاني كُتَّاب المسرحية العربية في دمشق (1833 - 1903م) . و كان الرجل ذا معرفة بأصول الموسيقى و الغناء العربي ؛ فكتب مسرحياته لتغنى على المسرح ، فكان بذلك رائد المسرحية الغنائية التي ناسبت الذوق العربي في وقتها . و قد لجأ القباني إلى الموروث القصصي في ألف ليلة و ليلة يصوغ منه مسرحياته ويحشد فيها المواقف الغنائية . و يعتبره بعض النقاد رائداً للتأصيل في المسرحية العربية و الإبتعاد بها عن التأثر بالمسرح الغربي الذي صبغ مسرحيات مارون النقاش . و من مسرحيات القباني و التي كانت تهدف إلى التسلية والامتاع و لم تخلُ من اتجاهات وعظية مسرحيات الأمير محمود نجل شاه العجم ؛ ناكر الجميل ؛ هارون الرشيد مع أنس الجليس ؛ هارون الرشيد مع الأمير غانم ؛ قوت القلوب . * أما ثالث رواد المسرحية العربية فكان يعقوب صنوع (1839- 1912م) المؤلف المسرحي المصري و الصحفي الذي اشتهر بأبي نظارة . و يرى النقاد أن يعقوب صنوع قد خطا بالمسرحية العربية خطوة جبارة خلصتها من فكرة الهدف الأخلاقي الطاغي على مجمل الأحداث ، و وضعتها في إطار العمل الواقعي الاجتماعي الناقد المتصدي لقضايا الظلم الاجتماعي . و قد هاجم يعقوب صنوع في مسرحياته عقدة التشبه بالأوروبيين التي استشرت بين أبناء الطبقتين العليا والمتوسطة ، و هاجم الجهل و الجمود ، كما هاجم طبقة الإداريين المرتشين . و كانت اللغة العامية المصرية التي يتحدثها الناس في حياتهم اليومية هي لغة مسرحيات يعقوب صنوع . و يذكر دارسو الأدب المسرحي العربي أن يعقوب صنوع قد ألّف 32 مسرحية تراوحت بين ذات الفصل الواحد و ذات الفصول الخمسة . و من أشهر مسرحياته : الضرتان ؛ العليل ؛ حلوان ؛ الأميرة الإسكندرانية ؛ موليير مصر وما يقاسيه... *و في بداية القرن العشرين و في مصر على وجه التحديد كتبت مسرحيات مصرية خالصة صادقة الانتماء إلى الواقع المصري . و قد اهتمت هذه المسرحيات بمناقشة مشكلات اجتماعية فبشرت بقدوم المسرحية العربية الاجتماعية المؤلفة تأليفاً خالصاً بالعربية . و قد صاحب هذا الانتقال عناية برسم الشخصيات و البناء الفني للمسرحية . و من ذلك مسرحيات فرح أنطون مصر الجديدة و مصر القديمة (1913م) ؛ صلاح الدين في مملكة أورشليم (1914م) ؛ بنات الشوارع وبنات الخدود (1913م) . و مسرحيات محمد تيمور عبدالستار أفندي (1918م) ؛ العشرة الطيبة (1920م)؛ الهاوية (1921م)، و بعض المسرحيات لتوفيق الحكيم . * ثم كانت مسرحيات أحمد شوقي الشعربية علامة بارزة في تاريخ المسرح العربي بما أحدثته من نقلة هائلة للمسرحية الشعرية . و قد عاد أحمد شوقي لكتابة المسرحية بعد انقطاع طويل منذ أن كتب مسرحيته الأولى علي بك الكبير (1893م) و هو لا يزال طالباً في فرنسا . عاد فكتب مسرحيته مصرع كيلوباترا 1927م . ثم كتب ما بين عامي 1927 و1932م مسرحيات مجنون ليلى ؛ قمبيز ؛ عنترة ، و أعاد كتابة أميرة الأندلس . و قد دارت كل هذه المسرحيات في فلك التاريخ ؛ فكتب مصرع كيلوباترا وقمبيز من التاريخ الفرعوني . و مجنون ليلى و عنترة من التاريخ العربي . و علي بك الكبير من التاريخ التركي . و يرى كثير من النقاد أن مسرحيات شوقي لها نصيب وافر في الشاعرية انتقص من نصيبها في حرفية التأليف المسرحي . و يقر هؤلاء النقاد بأن هذه المسرحيات قد وضعت اللبنة الأولى لاستخدام الشعر الرصين لغة للمسرحية العربية ، و بقيت مناراً اهتدى به جملة من الشعراء في التأليف المسرحي الشعري . و أبرز هؤلاء الشعراء كان عزيز أباظة ، ثم علي أحمد باكثير الشاعر الحضرمي الأصل المصري الجنسية. ولئن كان شوقي في هذه الفترة علم التأليف المسرحي الشعري فقد ظهر توفيق الحكيم علماً في التأليف المسرحي النثري أكثر نضجاً وأوضح رؤية عما كانت عليه مسرحياته في بداية العشرينيات. فكتب في هذه الفترة وحتى النصف الأول من الخمسينيات مسرحياته المسماة مسرح المجتمع والمجموعة الأخرى المسماة المسرح الذهني. وقد ركّز في مسرحياته الاجتماعية على المشكلات والقضايا التي كان يعاني منها المجتمع المصري يومها. وأما مسرحياته الذهنية فكانت تعالج موضوعات فكرية فلسفية تقوم على حوار يُعنى بالأفكار لا الشخصيات في لغة فصيحة قريبة من العامية. * و قد أنتجت ثورة 1952م جيلاً جديداً من الكُتَاب المسرحيين كتب في قضايا تعني شعبهم بصورة مباشرة مقدمين شخصيات مصرية صميمة . و غالباً ما كانت لغتهم هي العامية المصرية . و يجمع النقاد على أن مسرحية الناس اللي تحت لنعمان عاشور التي عرضت في 1956م تعتبر بداية مرحلة جديدة في تاريخ التأليف المسرحي العربي ؛ إذ إنها استبدلت باللغة الفصيحة اللغة العامية و بالحوار الذهني الخالص الحوار الواقعي العفوي ، و بالشخصيات المستدعاة من متحف التاريخ شخصيات عادية مما يصادفه الناس في الطريق العام ، و بالعقدة الدرامية التقليدية المشكلة الاجتماعية المأخوذة مباشرة من ظروف الحياة العادية لعامة الناس . و على أيدي هذا الجيل عبرت المسرحية من المرحلة الكلاسيكية إلى المرحلة الواقعية . وكان من رواد هذه المرحلة إلى جانب نعمان عاشور كل من سعد الدين و هبة و ألفريد فرج و يوسف إدريس و رشاد رشدي و لطفي الخولي وآخرون. برز في التأليف المسرحي في الستينيات اتجاه جديد اتخذ من شعر التفعيلة لغة للتأليف المسرحي، ومن موضوعات الثورة والرفض أساساً للمغزى والفكرة المسرحية. ومثَّل هذا الاتجاه الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي والشاعر صلاح عبدالصبور. ومن ملامح هذا الاتجاه في التأليف المسرحي التحام الصياغة الشعرية بالبناء الدرامي للنص. ويعتبر بعض النقاد مسرحيات صلاح عبدالصبور مرحلة بذاتها في تاريخ المسرحية العربية، وذلك لما تمثَّل في هذه المسرحيات من قدرة فائقة في التغلب على إشكال المزاوجة بين الدراما والشعر. وإشكال الصراع حول موسيقى الشعر بين أنصار الشعر العمودي وأنصار شعر التفعيلة. حيث قدم من خلال هذا الشكل ما اصطلح على تسميته بالمسرحية المشكلة والمسرحية ذات الفصل الواحد والمسرحية متعددة النهايات والمسرحية المستمدة من التاريخ والمستمدة من الواقع على حد سواء. ومن أعلام الكتابة المسرحية في هذا الشكل سليمان العيسى وفاروق جويدة وغيرهما. * أعقب هذه الفترة في تاريخ المسرحية العربية مرحلة التأثر المباشر بألوان التأليف المسرحي الأوروبي فظهرت المسرحية الملحمية مثل -مسرحية لومومبا لروؤف سعد- ، و -آه يا ليل يا قمر لنجيب سرور- و -بلدي يا بلدي لرشاد رشدي- . ثم ظهرت المسرحية العبثية و مسرحية اللامعقول و مثَّل ذلك مسرحيات يا طالع الشجرة لتوفيق الحكيم (1962م) ، و الفرافير ليوسف إدريس (1964م) ، و المهزلة الأرضية 1966م ، و الوافد (1966م)، و الخطاب (1967م) لمخائيل رومان. وقد بدأت هذه المسرحيات بترجمات للرواد الأوروبيين لهذه المدارس من أمثال بريخت في المسرح الملحمي ، و ألبير كامو و بيكيت و يونسكو في مسرح العبث و اللامعقول . و قد أثارت مسرحيات العبث و اللامعقول جدلاً واسعاً بين نقاد المسرحية العربية بين مؤيد لاتجاه التقليد هذا باعتباره يمثِّل إثراءً وصقلاً للمسرحية العربية ، و بين معارض يرى أن هذه ظواهر وإفرازات للحضارة الغربية غير معني بها المسرح خارج هذه الحضارة ، و لا سيما المسرح العربي المعني بمشكلات مجتمع مختلف يقوم على أسس جماعية متماسكة لا فردية كالتي تفرز مثل هذه الظواهر في المجتمع الأوروبي . * و المسرحية العربية اليوم في غالبها فكاهية تكتب لتعرض على مسارح تجارية تهدف إلى جذب الجمهور عن طريق الإضحاك المبتذل القائم على النكتة اللفظية أو الحركات المبالغ فيها والخارجة عن المألوف أو الإشارات الجارحة للحياء أحياناً . و لذلك فإن هذه المسرحيات في معظمها تعاني من تفكك البناء الدرامي و سطحية المعالجة و ضعف بناء الشخصيات. و يحاول الكُتّاب في هذه المسرحيات أن يبرزوا أهدافاً أخلاقية سامية و أن يتبنوا قيماً نبيلة في محاولة لمعادلة الإسفاف الذي يريده الجمهور حسب زعمهم . غير أن ذلك يبدو مقسوراً قسراً على البناء الدرامي ، و غالباً ما يتم في خطابية و مباشرة. و بطبيعة الحال لا تخلو ساحة الكتابة المسرحية الحالية من أعمال كوميدية هادفة تتوافر لها عناصر النضج الفني ، ولكنها قليلة نسبياً . كما أنه لا تزال تكتب المسرحية التجريبية التي تتمثل المدارس المسرحية العالمية الحديثة و تُقدَّم في مسارح خاصة بعرض هذه الأعمال كمسارح الجمعيات المسرحية والمسارح الأكاديمية . ولا يزال هناك كُتَّاب مهتمون بالبحث عن شكل المسرحية العربية المثالية . * و أشبهت بداية المسرحية العربية في المغرب بدايتها في المشرق ؛ إذ إن كُتّاب المسرحية في المغرب احتذوا خطوات المشرقيين في الترجمة و الاقتباس من المسرح الأوروبي ، و لاسيما المسرح الفرنسي بسبب الحماية التي فرضتها فرنسا على بلدان المغرب العربي و عملت فيها على نشر لغتها و تركيزها . وقد تركزت الترجمة والاقتباس على مسرح موليير على وجه الخصوص لتميز شخوصه بطباعها البشرية التي يمكن نقلها إلى مختلف البيئات. * ومن ناحية أخرى فإن تركيز الاحتلال الفرنسي على طمس الهوية العربية لشعوب المغرب العربي قد ولَّد بالمقابل رد فعل قوي للمحافظة على الهوية العربية تمثَّل في مجال الكتابة المسرحية في الوعي المبكر بأهمية التأصيل في النص المسرحي ، بل و في وضع الخشبة المسرحية نفسها ، ليخرج كل ذلك عن دائرة تقليد التراث المسرحي الأوروبي و الالتزام بقواعده إلى ما يخدم فكرة الحفاظ على الهوية الثقافية العربية . و تواصل هذا الاتجاه إلى أن بلغ نظرية متكاملة لدى الكاتب المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد فيما سماه الفن الاحتفالي بدلاً عن العرض المسرحي . ويسبِّب ذلك بأن كلمة عرض متداولة في سوق التجارة ، و هي تعني وجود بضاعة تعرض على مستهلك نسميه جمهوراً انحصر دوره في دفع ثمن التذكرة والتصفيق ؛ و لذا فهو يرفضها من واقع هذا الابتذال . * و من أبرز كُتّاب المسرحية في بلدان المغرب العربي أحمد الطيب العلج والطيب الصديقي وعبدالكريم برشيد و كاتب ياسين وعلولة وآسيا جبار وآخرون.