التحرر من أغلال الأنا

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : Jarjo | المصدر : www.olympic13.com

 
ان جوهرية التجربة لا تستند إلى المسبق، ولا إلى الموروث من الفكر والعوائد، وإنما إلى تمثلات روحها للكون، وإصغائها للغات أعماقه قصد استيلاد سرها. ولذلك تُعتبر خطوة انتقادية مثلها مثل روح الزن zen، فهي تسخر من الأحكام المسبقة، ومن الأنانية ومركزية الذات، ومن كل ما يُقَوْلِبُ الكائن أو يُنَمِّطُهُ، فنور كلماتها هو الذي يطهر الأنا Ego من صغائره، ويحرره من أغلاله.

 
رَمَيْتُ هَذَا اُلشَّيْءَ اُلصَّغِيرَ جِدًّا
اُلَّذِي يُسَمُّونَهُ "أَنَا"
وَأَصْبَحْتُ اُلْعَالَمَ اُلْفَسِيحْ
فشقاء الناس –كما يؤكد هيراقْلِيطْسْ- يأتي من أنهم لا يعيشون في العالم، بل في عالمهم. ولا يغسلهم منه إلا جوهرية الكلمة الفائز نورها من الصوفية الشعرية كموجةٍ عارية منادية إلى الجوهر، وإلى رحابة المطلق وجماليته اللامحدودة. فالمنتهي هو اللامنتهي، واللامنتهي هو المنتهي، والحاضرُ هو نقطة ارتكاز الأزل.

 
وأمام هذا كله يبقى الكائن مجرد نقطة ماء في محيط الكون، ولكن هل تعرف نقطة الماء هاته أن المحيط فيها؟ وهل تعي روابطها بالكون؟.

 
و تَزْعُمُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرٌ
وَ فِيكَ اُنْطَوَى اُلْعالَمُ اُلْأَكْبَرُ


 
فحياتنا الصغيرة تنصهر في الحياة الكبيرة، فهي نحن ونحن هي...ولكن يبقى الإشكال في اختيار طريق الانصهار الأمثل درءًا للشقاء. والصوفية الشعرية وحدها؛ بوصفها لغة العمق العاطل، هي التي تفتح للكائن ذلك الطريق المؤدي إلى السكينة الداخلية، وإلى التناغم مع الكون، والإصغاء إلى موسيقى معناه التي هي بألف نغمة ونغمة، كل نغمة فيها تتوافق مع المتخيل والحدس والوجدان، وتكشف ما وراء المعنى الكلي، وتأخذ المتماهيَ معها إلى قلب الأشياء وإلى الينابيع الخفية للحقيقة.

 
إن طريق الصوفية الشعرية طريقٌ للجوهر، ولا يُفَسِّرُ وإنما يوحي بالحقيقة التي وراء الظاهر، فهو طريق سِرٍّ ما أن يسلكه الكائن حتى تنكشف له البواطن، ويشرق في دواخله الوجود الذي كان معطلا فيها بمادية الظاهر.

 
فهو قبل كل شيء طريق مذاق وتذوقGoût، لا طريق أُطُرٍ بُرهانية وتحديدات منطقية.

__________________

نحن نصنع من أرواحنا خبزاً يأكله الجميع ؛ وبقايا الأيام نقتسمها معاً!!.