فضائل شعبان
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
صلاح عبد المعبود
| المصدر :
www.alsalafway.com
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .. وبعد.
فإننا نحمد الله تبارك وتعالى على أن مد في أعمارنا وأنعم علينا حتى أظلنا شهر شعبان ذلك الشهر الكريم الذي أحاطه الله تعالى بشهرين عظيمين هما شهر الله الحرام رجب وشهر رمضان المبارك فينبغي للمسلم شكرًا لنعمة الله عليه اغتنام تلك الأيام الفاضلة والأوقات الشريفة بالأعمال الصالحة مخلصًا لله تبارك وتعالى متأسيًا فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم : "
نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ
" وأن يضع في ميزان أعماله اليوم ما يسره أن يراه غدًا، قال الحسن البصري رحمه الله: "
ما من يوم ينشق فجره إلا ينادي ويقول: يا بن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة
".
فينبغي للمسلم أن يبادر باغتنام الأيام الفاضلة وخاصة في هذا الزمان الذي نعيشه زمان الفتن والعياذ بالله حيث انقلبت الموازين وتبدلت المعايير وأُسند الأمر إلى غير أهله وضاعت المثل العليا والأخلاق الكريمة وقطعت الأرحام وعُقَّ الوالدان وانغمس الناس في الشهوات وتسابقوا إلى أحضان المادة واستأسدت النساء على الرجال واختلطت الأمور وتشعبت الأهواء واختلط الحق بالباطل واختلط المنكر بالمعروف وغير ذلك كثير مما لا يخفى على أحد، أنه زمان الفتن التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "بادروا بالأعمال الصالحة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا" وها نحن قد جاءتنا الفرصة الكبيرة والمنحة الجليلة، وأنعم الله علينا بمجيء شهر شعبان الذي اهتم به سلفنا الصالح اهتمامًا عظيمًا إذ هو كالمقدمة لشهر رمضان المبارك، ولذلك كانوا يقضونه كله في أعمال رمضان كالصيام وقراءة القرآن وغيرها من العبادات ليحصل التأهب والاستعداد لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.
فيا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها
وأودعها سيئ الأعمال وبئس ما استودعها
مضى رجب وما أحسنت فيه
وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلا
بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قسرًا
ويخلي الموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا
بتوبةِ مُخْلصٍ واجعل مدارك
على طلب السلامة من صحيح
فخير الناس توبة من تدارك
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم هذا الشهر أيما تعظيم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "
ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان
". {متفق عليه}
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان: قال:
ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم
". {صحيح النسائي وأبو داود}
وكان النبي يجتهد في شهر شعبان وذلك لأمور منها:
1 أنه شهر يغفل عنه كثير من الناس، ومعلوم أن العبادة في وقت غفلة الناس يحبها الله تعالى ويثيب عليها أكثر من غيرها ولهذا كان ذكر الله تعالى في الأسواق وقت اللغط والبيع والشراء له أجر عظيم، والصلاة في جوف الليل حين ينام الناس أفضل الصلوات بعد الفرائض، وكذلك كان الصبر في الجهاد حين انهزام الأصحاب له أجر عظيم، ومنه الصدقة مع قلة الزاد، ومن هذا الباب كذلك أن للمتمسك بدينه في زمان الصبر أجر خمسين من الصحابة، ومثل هذا كثير.
2 أنه شهر ترفع فيه الأعمال فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، فالصوم لا مثل له وهو جُنَّة (وقاية) من عذاب الله وقد أجزل الله ثواب الصائمين وجعل لهم فرحة عند لقائه عز وجل.
3 أنه كالتمرين على الصيام حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة.
مخالفات شرعية تتعلق بليلة النصف من شعبان
وهكذا أخي المسلم الكريم تري أن لهذا الشهر الكريم المبارك فضلا، فينبغي لك اغتنامه بالصيام وقراءة القرآن والصدقة والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيام الليل وغير ذلك من العبادات والطاعات التي يحبها ربنا تبارك وتعالى، عسى أن يتقبلها سبحانه وتعالى منا، ولكننا نعجب ويا للأسف من بعض إخواننا المسلمين هدانا الله وإياهم ممن يتركون اتباع العبادات الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويذهبون إلى ابتداع أشياء محدثة لم ترد في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحرمون أنفسهم الأجر ويحملونها بالوزر ومن تلك الأشياء المبتدعة احتفال البعض بليلة النصف من شعبان وتخصيص إحيائها بالصلاة والذكر والدعاء وقد يفعلون ذلك جماعة عقب صلاة المغرب بتلقين الإمام وبأصوات جماعية مرتفعة ويقرءون بصوت مرتفع سورة "يس" ثلاث مرات ثم يبتهلون بدعاء يعرف بدعاء النصف من شعبان، وكل هذا وغيره من البدع المحدثة التي تُرَدُّ على فاعلها ولا تقبل منه، وليت الأمر كفافًا لا له ولا عليه ولكنه ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا في بدعته إلا ازداد من الله بعدًا، فإن كل بدعة سيئة وإن رآها الناس حسنة ومن أتى ببدعة وزعم أنها حسنة فقد اتهم محمدا صلى الله عليه وسلم بالخيانة. فاحذر أخي المسلم من الوقوع في خداع البدعة فلها في الظاهر حلاوة العسل وهي في الحقيقة السم المهلك.
ولا ننسى أن نذكر أن كل ما ورد من أحاديث في فضائل شهر شعبان غير ما سبق لم تصح مثل
"رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي" حديث موضوع، وكذلك "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" حديث منكر، وكذلك "خمس ليلة لا يرد فيها الدعاء ليلة الجمعة وأول لية من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتي العيد" حديث واه جدًا، وكذلك كل ما ورد من أذكار وأدعية خاصة بليلة النصف من شعبان لم يصح منها شيء وكفى في فضل تلك الليلة ما صححه العلامة الألباني من قول النبي "
إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل عبد إلا مشرك أو مشاحن
".
{السلسلة الصحيحة رقم 1144}
فعليك أيها المسلم بتحقيق التوحيد لله والابتعاد عن كل مظاهر الشرك وأفعاله وأقواله وعقائده وكذا عليك ترك الخصومات والشحناء بينك وبين المسلمين كي تنال هذا الفضل العظيم وتحصل على مغفرة الله عز وجل رب العالمين قال الإمام الأوزاعي في تفسير الشحناء المانعة من المغفرة بأنها إذا كانت في صدر مسلم تجاه أصحاب النبي، (
وقيل المشاحن هو التارك لسنة النبي
).
ولم يصح في فضل هذه الليلة إلا ذلك الحديث السابق. أما ما جاء في أنها هي المقصودة بقوله تعالى: فيها يفرق كل أمر حكيم فليس بصحيح والصواب أن المقصود بالآية ليلة القدر. كذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تحرى قيام ليلتها أو صيام نهارها لذاتها، إنما يوم الخامس عشر يصام مع الثالث عشر والرابع عشر من كل شهر قمري، فمن صام أيام البيض فقد أحسن، وأما من خصص يوم الخامس عشر فقط فهذا من البدع، أما حديث "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها" فحديث ضعيف.
كذلك مما ينبغي التنبيه عليه وتحذير الناس منه
أن الكثير من الناس خاصة الهيئات الرسمية يحتفلون في تلك الليلة بمناسبة تحويل القبلة من المسجد الأقصى المبارك إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، وهذا خطأ مزدوج فإنه وإن صح أن تحويل القبلة حدث في تلك الليلة فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بتلك المناسبة أو بغيرها من مناسبات مثل (الإسراء والمعراج الهجرة..) فما بالنا إذا كان تحديد تحويل القبلة في تلك الليلة لم يثبت بدليل صحيح بل قد رجح الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله وأجزل له المثوبة أن تحويل القبلة كان في شهر رجب.
على أبواب شهر رمضان
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم
" وقد نهي الشافعي وأصحابه عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة. فلا يصح أن يصوم المسلم أخر يوم أو يومين من شعبان زاعما أن ذلك على سبيل الاحتياط أما إذا وافق ذلك اليوم الأخير من شعبان يوما كان المسلم معتادا على صومه كالاثنين والخميس مثلا أو كان صومه لقضاء واجب، أو وفاءًا بنذر فلا بأس، ويشهد لذلك أيضا ما ثبت في سنن أبي داود وأخرجه البخاري تعليقًا عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم" وقد يظن البعض أن النهي عن هذا الصيام يراد به أن تغتنم النفوس حظوظها من الأكل والشرب والشهوات قبل أن تمنع عن ذلك بالصيام بل إن بعضهم قد يتعدى المباحات إلى المكروهات والمحرمات ولا يدري ذلك المسكين المضيع لوقته المهدر لعمره أنه بذلك يضيع رمضان نفسه وما فيه من المغانم والفوز العظيم، فلا شك أن رمضان يحتاج منا إلى تهيئة لتلك النفوس التي اعتادت على الكسل والزهد في الخيرات والانهماك في المباحات بل والشبهات بتهذيب تلك النفوس وتنقية تلك القلوب وتعويدها وتمرينها على فعل الطاعات مثل قراءة القرآن وقيام الليل وكثرة الصدقات والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الطاعات التي يحبها ربنا تبارك وتعالى. عسى أن يتقبلها سبحانه منا ويتوفنا على عمل صالح نلقاه به إنه سبحانه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين.
والحمد لله رب العالمين.