تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : نبيل أحمد حلاق | المصدر : www.altareekh.com

 
كيف تعامل بعض الإسلاميين مع تاريخ جمعيةالعلماء المسلمين الجزائريين؟

 

 
إن وضع التصورات السليمة تجاه القضايا المهمة المختلفة وفق أسس علمية صحيحة، ثم تحديد الوسائل المناسبة للممارسة العملية مع تفاصيلها، هي أحد أبرز وأهم الدعائم التي يقوم عليها نجاح أي مشروع إصلاحي جاد.

 

 
ولأنّ مثل هذه المسائل والقضايا تخضع في معظمها للبحث والاجتهاد، والخبرة والتجربة، فقد أثبتت التجارب البشرية بأن الأمم التي تتمكن من إسقاط وتنزيل تلك المبادئ والقوانين الناتجة عن تلك الأسس، إسقاطا صحيحا على واقعها -مستعينة في ذلك بخبراتها وتجاربها عبر التاريخ-  هي من أقدر الأمم على التعامل مع الأشياء، وأقربها لفرص الرقي والنجاح، وأبعدها عن مواطن المهالك والأخطار.

 

 
وإذا كان بإمكان المسلم شرعا وعقلا أن ينشد ما ينفعه من تلك الأسس والمبادئ والقوانين ممن هو ليس على دينه، فالبحث عنها عند من يتفق معه في الدين والمنهل والغاية أشدّ وأولى.

 

 
ولعل التجربة الإصلاحية التي اضطلعت بها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر، هي واحدة من التجارب المهمة التي تستحق التأمل في مسيرتها الإصلاحية بما يتناسب والظروف التي نشأت فيها ومكانتها ومنهجها وأهمية الدور الذي قامت به.

 

 
وهذه السطور محاولة لعرض موضوع مهم، يرتبط بمسألة كيفية تعامل بعض فصائل وأفراد التيار الإسلامي في زماننا مع تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبيان بعض مظاهر وصور ذلك التعامل.

 

 
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين واحدة من أكثر الحركات والجمعيات والمنظمات الجزائرية التي حظيت باهتمام الكثير من الكتّاب والباحثين داخل الجزائر وخارجها ، ولم يكن جُلّ ذلك الاهتمام بتاريخ تلك المؤسسة العلمية والدينية، نابعا من مجرد الضرورة التدوينية التأريخية المحضة لحدث عابر أو حركة سائرة في حقبة زمنية غابرة، وإنما كان من منطلقات ودوافع مختلفة محورها الإعجاب بما تركته من بصمات بارزة وأعمال جليلة في تاريخ المجتمع الجزائري، إلى جانب مقتضيات الحاجة العلمية لدراسة مثل تلك التجربة الفذة التي تمكنت من خلالها نخبة من العلماء المجددين من إيقاظ أمة كانت أقرب للموت منها للحياة، وبناء نهضة شاملة غيَّرت مجريات الأحداث باعتراف العدوّ قبل الصديق، فكانت بذلك وغيره قلبَ الأمة النابض وحاميةَ كرامتها ومقدساتها وأملها المنشود.

 

 
وقد أحسن شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا وصفَ بعض ذلك مخاطبا الجمعية بقوله: (1)

 

 
جمعية العلماء المسلمين ومَن للمسلمين سواكِ اليوم منشــودُ

 

 
 خاب الرجآ في سواك اليوم فاضطلعي بالعبء مُذ فَرَّ دجَال ورعدِيـدُ

 

 
أمانة الشعب شُدَّت بعاتقكم فما لغيركم تُلقى المقاليــدُ

 

 
فكانت جمعية العلماء بحق كالغيث النافع المبارك لأرض بور، وهي كما وصفها الإمام الإبراهيمي » كالسحاب ساقه الله إلى بلد ميت فلا يقلع حتى يحييه...

 

 
وإنَّ جاعلَ المطر سببا في إحياء الأرض هو جاعل هذه الجمعية سببا في إحياء هذا الوطن.« . (2)

 

 
ولم يكن الاحتلال الفرنسي في غفلة عن كل ذلك الدور، بل كانت أعينُه السياسية منها والبوليسية والفكرية والإعلامية على مقربة من أعمال الجمعية منذ تأسيسها ، بل ومنذ اللحظات الأولى التي شهدت بدايات النهضة وانطلاق خطوات الإصلاح الجاد بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس وإخوانه العلماء الآخرين ، وإن كانت تلك العيون الاستعمارية المتنوعة تنظر - تبعا لتخصص كل منها- إلى أعمال الجمعية وتحركات رجالها من زوايا مختلفة، إلا أنّها كانت جميعها تلتقي عند خلاصة واحدة، وهي إدراك خطورة المهمة التي اضطلعت بها جمعية العلماء ، وأهمية الدور النهضوي الذي كانت تقوم به و خطر كل ذلك على الوجود الفرنسي في الجزائر.

 

 
وقد عبّرت عن ذلك الإجماع صحيفة  echo de Paris’ Lالفرنسية ونقلته صحيفة » البصائر« )3) لسان حال جمعية العلماء آنذاك حيث جاء فيها:  » إن الحركة التي يقوم بها العلماء المسلمون في الجزائر أكثر خطرا من جميع الحركات التي قامت إلى الآن، لأن العلماء المسلمين يرمون من وراء حركتهم هذه إلى هدفين كبيرين، الأول سياسي، والثاني ديني... فهم لا يسعون إلى إدماج الجزائر بفرنسا، بل يفتشون في القرآن نفسه عن مبادئ استقلالهم السياسي. «  

 

 
فَمِن رحِم قيمة الجمعية وأهمية مكانتها الرائدة في تاريخ الجزائر المعاصر نبعَ اهتمامُ الباحثين بها وبدراسة مسيرتها وسِير رجالها ، ولقد تنوعت بلدانهم وألسنتهم ومشاربهم، فنجد فيهم العربي والأعجمي، والمسلم وغير المسلم، كما اختلفت دوافعهم باختلاف النوايا والمقاصد، فمن طالب للحقيقة العلمية دون غيرها إلى قاصدٍ للتحريف والتزييف.

 

 
وبين الفريقين أقوام تسري بهم سبلُ البحث وتضطرب بهم دُروبُه، فيتقاطعون مع دوافع هؤلاء تارة، و مع مقاصد أولئك تارة أخرى.

 

 
وقد كان مِنَ المهتمين بتاريخ جمعية العلماء بعضُ العاملين فيما يُعرَف بحقل العمل الإسلامي أو العملي الدعوي، من مختلف التيارات والفصائل والأقطار ، فاكتفى بعضهم بالدراسة العامة التي تناولها غيرُهم كالاهتمام بمجالات أعمال الجمعية العلمية والدينية وغيرها، وانجازاتها في تلك الميادين كتشييد المدارس والمساجد والنوادي.

 

 
فيما حاول البعض الآخر منهم -إضافة إلى ما سبق- إلقاء الضوء على بعض الجوانب الأخرى من حياة ومسيرة الجمعية التي غفل عنها غيرُهم لدافع أو لآخر.

 

 
فمنهم مَن حاول مثلا في هذا الإطار التنقيبَ عن أسباب نجاح الجمعية في أعمالها، فاجتهد في إبراز بعض منها مثل عامل التعاون الجماعي ، أو ما يعرف اليوم بالعمل المؤسساتي.(4)

 

 
وفيما اهتم آخرون بمحور سلامة المنهج في تلك المسيرة اهتم غيرهم ببيان صلابة رجالها وقوة جأشهم في مواجهة الاستعمار إلى غير ذلك من الاستنباطات والتحليلات المتنوعة تبعا لاختلاف مناهج الباحثين في تلك التجربة وتنوع مشاربهم.

 

 
وإذا كانت جلُّ تلك المحاولات التحليلية محمودة  في الجملة لعدم خلوها من الفائدة من جهة، ولقيامها أساسا -من جهة أخرى- على البحث المجرد من غير سبق إصرار وترصد - على حد تعبير القانونيين- بالانعراج بذلك التاريخ إلى سراديب معينة تُطبخ فيها النتائج والخلاصات  بكيفيات تخدم أصحابها ، ولا يلحق جمعيةَ العلماء منها إلا الضرر والتشويه.

 

 
وهذه النزعة الأخيرة كانت أساسا لكثير من النظرات والتأملات الدراسية لتاريخ الجمعية لدى العديد من الأفراد العاملين في إطار الحركة الإسلامية، سواء بتوجيه وتشجيع من كياناتهم، أو بمبادرة شخصية منهم لخدمة تنظيماتهم ومناهجها من غير أن يجدوا منها اعتراضا ما دام الأمر يتعلق بمصلحتها

 

 
ومن ذلك على سيبل المثال ما قام به -ولا يزال- بعض المرتبطين بتنظيمات أو تيارات أو توجهات معينة في إطار العمل الإسلامي من التكلِّف في تناول تاريخ الجمعية على غير ما تقتضيه المنهجية العلمية ، وذلك بتأويل دوافع بعض الأحداث وأبعادها، وتفسيرها على الأوجه التي تناسب بل وتخدم توجهات التيارات والجماعات التي ينتمون إليها، كما يحملون بعض أقوال أعلام الجمعية ومواقفهم على غير أوجهها الأصلية، ثم يحللونها وفق أسس حزبية ضيقة، وبطرق تركيبية مُفبركة، بحيث ُيختَزَلُ تاريخُ الجمعية وأقوال علمائها ومواقفهم في إطار جماعة أو حزب أو تيار.

 

 
فيقرأ المتتبعُ فيما يقرأ مِمََا كُتِب في هذا الباب على سبيل المثال عَرْضًا لمقارنة بين شخصيتي ابن باديس وحسن البنّا وأعمالَهما رحمهما الله - بطريقة هما منها بريئان-  وذلك بتكلِّف مكشوف في عرض المقدمات والنتائج لإيهام القارئ بتأثر أحدهما بالآخر، بل وما أعمال المتأثر وآثاره كلّها إلا تَبعا للآخر وثمرة من ثمار ذلك التأثر المبارك ، ومن ثمَّ ليس على القارئ - كنتيجة حتمية لتلك المقدمات والنتائج- إلا أن يحذو حذو ذلك الإمام المجدد المتأثر، فيتأثر بدوره بتيار المؤثر وينضم إلى جماعته.

 

 
كما نجد على هذا المنوال أيضا من يستغل جزءًا من موقف عابر، أو عبارات من تصريح مقتضب لأحد أعضاء الجمعية ضمن أحداث محددة وظروف خاصة ؛ ليقوم من خلالها بعملية قرصنة شاملة على تاريخ الجمعية كله لاختطافها كاملة ، والزج بها في غياهب ودهاليز تنظيمه ، ثمَّ الادِّعاء ظلما وبهتانا أن الجمعية ورجالها كانوا على صلة تنظيمية بكيانه كما حدث على سبيل المثال مع الأستاذ الفضيل الورتلاني والشيخ البشير الإبراهيمي رحمهما الله تعالى.

 

 
ومن المضحكات المبكيات أيضا في منهج تناول بعض الإسلاميين لتاريخ جمعية العلماء وأعلامها ما يسجله هنا كاتب هذه السطور شهادةً للتاريخ لتُدَوَّن لأول مرَّة فيما يعلم، وهي تتعلق بواحد من الأساليب التي كان يتبعها بعضهم في دراسة الأحداث والمبادئ والرجال، وذلك تحت مسميات شتَّى، منها المنهج الحركي لدراسة التاريخ، وغيرها من الأساليب التي يقوم أغلبها أساسا على مبدأ التأويلات المؤطَّرة، ولَيِّ أعناق الوقائع والنصوص، وتثبيت النتائج المسبقة الجاهزة.

 

 
ويعود مضمون هذه الشهادة  تاريخيا إلى مرحلة زمنية قد عايشها صاحبها، كانت من أشد مراحل الصراع -في إطار الحرب الباردة- بين الجماعات الإسلامية الجزائرية في بداية الثمانينيات، وذلك في شريحة من الجامعيين كانوا يتوزعون على تيارين عريضين متباينين آنذاك ، وكانت حلبة الصراع حينها أروقة بعض الجامعات ومساجد أحيائها السكنية وبعض غرف الإسكان، إضافة إلى بعض الدوائر الضيقة في بعض المدن التي انتقلت إليها حُمّى ذلك الصراع.

 

 
وقد كان تاريخ الجمعية وأعلامها ومنهجها ومواقفها ساحة مباحة لذلك النِّزال، ومادة دسمة للسجال بين أطرافه ، ففيما كان الطرف الأول يرفع راية الجمعية وينافح عنها وعن رجالاتها ومواقفها باستماتة ، أبدى الطرف المقابل تحفظاته على بعض ذلك ثم تجاوز ذلك التحفّظَ إلى تسفيه بعض مواقف الجمعية والتقليل من شأن بعض أعمالها متأوِّلا في ذلك بعض آراء مالك بن نبي وتصوراته المتعلقة بها أو بأحد أعلامها، أو مستندا على تصريحات بعض الشخصيات الفكرية أو التاريخية أو الثورية الجزائرية، والمتعلقة على سبيل المثال بدور جمعية العلماء في مؤتمر 1936 أو ثورة التحرير الجزائرية.

 

 
وقد يبدو ظاهر الخلاف في مثل هذه المسائل سائغاً ؛لأن أعمال الجمعية جهد بشري يخضع كغيره لميزان الخطأ والصواب ، غير أن المسألة لم تكن في الواقع كذلك، بل كانت عبارة عن مزايدات ذات أبعاد وحسابات حزبية، فما كان ذودُ ودفاع الطرف الأول عن الجمعية في حقيقة الأمر في بعض جوانب ذلك الصراع إلا خدمةً لمفهوم ما كان يُعرَف حينئذ بمبدأ »إقليمية الدعوة« أو بعبارة أخرى عدم الارتباط بأي تنظيم إسلامي خارجي، وذلك لقطع الطريق أمام دعاة ما كان يُعرَف بفكرة »العالمية« أو فيما بعد باسم »الإخوانية المحلية«، بإثبات أنََ للجزائر مرجعية علمية إصلاحية خاصة بها متمثلة في جمعية العلماء، والأولى للحركة الإسلامية في الجزائر اقتفاء آثارها ، والإقتداء برجالها بدلا من استيراد نموذج خارجي أو الارتباط به.

 

 
وإنه من الممكن أن يكون لذلك المبدأ معنى لو كان لأصحابه –فعلا- علاقة حقيقية بالجمعية، منهجا ومسيرة، ولكن مواقفهم تدل على أنََ منهجهم كان -ولا يزال- يختلف في أصوله ومشاربه عن معظم أصول ومشارب جمعية العلماء، بل وأشد من ذلك أنهم كانوا ومن أيام مبكرة - ومع مبدأ الإقليمية في الدعوة- على صلة بمدارس فكرية خارج الجزائر يشاركونها في منهج وفكر يخالفان صميم ما كانت عليه جمعية العلماء.

 

 
ولما كان استغلال هذا الطرف لورقة جمعية العلماء بمثل هذه الطريقة بحثاً عن شرعية يستند إليها في الدعوة لمبدئه المعلَن، فما كان من الطرف الآخر إلا أن يبذل كلَ ما بوسعه لنسف تلك المحاولة ، وحرق تلك الورقة لهزِّ تلك الأرضية من تحت أقدام الطرف الأول، وذلك بالقيام جهلا بمحاولة الطعن في بعض مراحل مسيرة الجمعية ، والتقليل من أهمية جهودها ومواقفها أمام أتباعه على الأقل، مرتكزا في ذلك - من غير فهم كما ذكرنا- على بعض آراء الغير في الجمعية.

 

 
كل ذلك لأجل إقناع أولئك الأتباع بجدوى مبدأ »عالمية التنظيم« تحت غطاء عالمية الدعوة ، والتي هي أساسا من خصائص الإسلام التي لا تحتاج لإثبات شرعيتها أو صحتها إلى النيل من مسيرة جمعية العلماء

 

ولأنّ طبيعة تلك المعارك كانت ذات أبعاد حزبية بحتة، ولأجل تحقيق مكاسب آنية ، ولو كان ذلك بإقحام تاريخ الجمعية فيما هو منه براء، فقد انكشف الستار بعد نهاية المعركة التي انهزم فيها الجميع، فتبين بعدها أن الإقليمي كان عالمياً كما سبق بيانُه، وأنَّ الطرف العالميّ لم تكن له علاقة بما كان يدعو إليه، وأنَّ أصحاب الفكر الذي كان يخوض على أساسه تلك المعارك ويكتسح باسمه الساحات،- وبعدما كانوا يتابعون مجريات الأحداث ومآلات الأمور في صمت-، قد قبلوا في النهاية المغانم دون الفارس، فأعلنوا براءة تنظيمهم منه ، ونفوا صلته بهم بعدما دخلوا الساحة التي هيّأها لهم من أبوابها الواسعة، ولكن في هذه المرة بفارسهم الحقيقي، فخسر بذلك الأول المغانمَ والتعيين والترقية معا .

 
ومضت في الأخير تلك المرحلة بتفاصيلها إلى أدراج التاريخ، وتبدَّلت المواقع بتبدل الأحوال والظروف، وولَّت الكيانات إلى وجهتها المعلومة بعد أن فقدت مبررات وجودها، ولكن أثار الجمعية العظيمة بقيت بارزةً شامخةً في تاريخ الجزائر ».

 

 
إن وجود هذه الجمعية هو وجود الحقائق الخالدة، وإذا كانت تعمل لمعنى لا يحدَه الزمان ، فهيهات أن يحدَّها ليل ونهار«. (5)

 

 
والذي يجب التأكيد عليه في هذا السياق هو أنه رغم تلك الأحداث كما سبق بيانه من قبل، كانت تجري في أطر ضيقة جدا وضمن دوائر محدودة منعتها الضرورةُ المرحلية يومَها من الانتشار والنزول إلى ساحات أوسع ودوائر أكبر، غير أنها مع ذلك كانت تعبر بحق عن واحدة من أخطر المعضلات والعقد الذاتية التي يعاني منها الكثير من الإسلاميين خاصة ، وشريحة واسعة من النخب المتعلمة والمثقفة في العالم العربي عامة ، وهي مسألة التعامل مع الأحداث والوقائع والقضايا التاريخية.

 

 
وغير بعيد عن هذه النزعة في تناول الأحداث التاريخية فإنَّ المرء ليأسف اليوم وهو يُتابع ما يكتب بعضُ أولئك القوم أو يصرحون به، فيفاجأ بالإصرار على اتباع الأسلوب القديم نفسه الذي يَعتمد فيما يَعتمد مبدأَ الإقصاء والتهميش لمن يخالفهم الرأي كائنا من كان، وكأنهم لم يتعلموا شيئا من دوران الزمان وتقلباته!.

 

 
فترى أحدَهم مثلا وهو يؤرخ لمرحلة من مراحل الدعوة في الجزائر، لا يشيد إلا بجهود أشخاص بأعيانهم أو تنظيم معين أو منهج محدد، ولا يكاد يبتعد عن ذلك قيد أنملة، بل ويُظهر من الجرأة ما تجعله ينسب كلَّ خير وفضل ونعمة ونجاح إلى جهود أولئك الرجال دون غيرهم، وحنكة ذلك التنظيم المحكم بمفرده ، وبركة ذاك المنهج السليم وحده.

 

 
بل ترى من يشتط فيبلغ به الغرور إلى أن ينسب كل إنجاز لشخصه ، وكل نجاح لذكائه ، ويجهد نفسه لإقناع الناس بأن الأمور لم تكن لتستقيم إلا به.

 

 
إن أمثال هؤلاء وغيرهم ممن يسلكون السبيل نفسه يحاولون تجاهلَ وتجاوزَ الكثير من الحقائق التاريخية المحفوظة في ذاكرة الكثيرين ممن عايشوا تفاصيل أحداث تلك المراحل من تاريخ الدعوة وعاصروا رجالها، والتي تُقِرُّ ببعض ذلك إنصافا ، ولكنها تعترف في الوقت نفسه لغيرهم بنصيب آخر من الفضل قد يكون أوفر، وهو ما ينكره ويجحده أولئك ويبخلون حتى بمجرد الإقرار به.

 

 
إن مسيرة جمعية العلماء لم تكن يوما محل دراسة صادقة جادة في الوسط الإسلاميـالمُنَظَّم- حتى في البلد الذي نشأت فيه ، وعملت له ولأجل كرامة أهله.

 

 
كما لم تكن ولم يكن رجالها في يوم من الأيام موضع القدوة أو المرجعية له (الوسط الإسلامي)، بل آثر الكثير منهم - يا للأسف- البحثَ عن ذلك بعيدا عن الجمعية ورجالها، واختاروا أن يكون أشباهُ المتعلمين، وأنصافُ المثقفين، وطلابُّ الدنيا، قدوةً لهم، وأن تكون أفكارُهم العرجاء نبراسا لأعمالهم ، وتركوا بذلك إرثا عظيما فيه الكثير ممَّا يُؤخذ، وأمجاد رجال القليلُ منها يُترك.

 

 
في كل يوم من أيام الجزائر يمضي إلى لقاء ربه، رجلٌ من أبناء الجمعية المخلصين أو تلميذ من تلاميذ روادها الأوفياء ، حتى لأنك تفتش عن واحد منهم في مدينة كبيرة كانوا يُعدون فيها بالعشرات، فلا تقع له على أثر إلا في مقبرتها. 

 

 
ومع هذا لا تجد مَن يكترث لذهاب هذه النخبة في مثل هذا الصمت المُقنَّن وذلك التهميش المقصود.

 

 
وإذا كانت أسباب ودوافع من يريد لأولئك أن يمضوا بهذه الطريقة واضحة جلية ، فما هو سرّ سكوت من يعرفونهم من قادة وأتباع الكيانات الحزبية الإسلامية على الأقل؟ فهل شغلتهم متطلبات العمل البرلماني والوزاري بالقيام بأقل واجب تجاههم ، وهو نعي أحدهم إذا مات - على غرار ما يفعله البعض مع أهل الرقص والغناء- وتذكير الأمة بأنه مضى إلى ربه بعدما كان في يوم من الأيام يعيش بين ظهرانيهم مُعلما ومجاهدا ذائدا عن كرامتهم وأعراضهم! .

 

 
مضى الكثير منهم وما بقي إلا القليل يصارع العزلة والشيخوخة  والأمراض المزمنة المقعدة في انتظار اللحاق بالسابقين، ورحلت مع الراحلين كنوز من الحقائق المدفونة في صدورهم، والناس في شغل عن هذا وذاك.

 

 
وسيأتي على الأمة يوم تبحث فيه عن آخر من تبقى منهم فلا تجد له أثرا، يومها فقط تدرك حجم الخسارة وفداحة التقصير

 

 
هذه صفة غالبة وطاغية على تعاملنا مع مثل هذا الحدث ، وإن كانت هناك استثناءات، وهي موجودة لا تُنكر، فيبقى حكمُها حكمَ الشاذ، والشاذ لا يُعًوَّلُ عليه.

 

 
والذي يجب الاعتراف به في هذا المقام هو أنّ أبناء الجمعية ممنأمدَّ الله في أعمارهم وعاشوا عقودا بعد استقلال الجزائر، يتحمّلون هم كذلك جزءًا من المسؤولية غير يسير، كلٌّ حسب موقعه وظروفه ، فكثير من الإشكالات التاريخية المثارة اليوم - كعلاقة الجمعية بالاستقلال ودورها في الثورة التحريرية- في الأوساط التاريخية والسياسية والعلمية وغيرها، والتي قد تبقى محل جدل وخلاف إلى أجيال أخرى قادمة، تعود إلى قعود الكثير من أبناء الجمعية عن بيانها وتدوين الحقائق المتعلقة بها، حتى تقيم الحجة وتقطع الطريق عن أصحاب المزايدات المشبوهة والأغراض المسمومة

 

 
لقد كتب بعض أبناء الجمعية الأوفياء عن جوانب من أعمال الجمعية وإنجازاتها وعن سير بعض علمائها ورجالاتها، وهي من دون شك جهود طيبة مشكورة، نرجو لهم الثواب عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون، غير أنها بمثابة لبنات معدودات في صرح عظيم،

 

أبكانا ضياعُ لبناته الأخرى كما أبكى الإبراهيميَ ضياعُ تفسير ابن باديس بعدم تقييده بالكتابة، فنقول في ما أبكانا اليوم كما قال هو في ما أبكاه بالأمس:  »...وإذا كان من دواعي الغبطة ختم تفسير القرآن على هذه الطريقة في القطر الجزائري، إنَّ من دواعي الأسف أنه لم ينتدب من مستمعي هذه الدروس مَن يُقيِّدها بالكتابة، ولو وجد من يفعل ذلك لربحت هذه الأمة ذخرا لا يُقوَّم بمال، ولاضطلع هذا الجيل بعمل يباهي به جميع الأجيال، ولتمخض لنا ربع قرن عن تفسير يكون حجة هذا القرن على القرون الآتية، ومن قرأ تلك النماذج القليلة المنشورة في الشهاب باسم مجالس التذكير عَلِم أيَّ عِلم ضاع ، وأيَّ كنز غطَّى عليه الإهمال «.  (6 ).

 

 
السلفيون والجمعية :

 

 
ومن بين الإسلاميين المهتمين أيضا بمسيرة جمعية العلماء بعضُ المنتمين إلى تيار »السلفية« بأطيافها المختلفة، سواء من خلال الكتابات أو الأحاديث العامة و الخاصة.

 

 
وقد حظيت مسيرة الجمعية وروادها باحترام وتقدير العديد من العلماء البارزين من أقطاب المرجعية السلفية في زماننا هذا، غير أنَّ ما يخلص إليه المتتبع لبعض اهتمامات ذلك التيار العريض بمسيرة الجمعية- رغم تقدير بعض علمائه لها-، هو أن جُلَّها يركز أساسا، من الناحية النظرية، على إبراز سلفية منهج الجمعية ورجالها، مع الاجتهاد في الاستدلال على ذلك بنصوص من أدبياتها وبعض أقوال علمائها ، أما من الناحية العملية فلا يكاد يخرج ذلك الاهتمام عن دائرة صراع الجمعية مع أهل الأهواء والبدع من الطرق الصوفية المنتشرة آنذاك في الجزائر، وإن حدث وتوسعت تلك الدائرة وتجاوزتها قليلا فإلى استماتتها في مواجهة الاستعمار بتأسيس المدارس ونشر العلم.

 

 
ومع الإقرار بأهمية ذلك المحور على الصعيدين النظري والعملي، إلا أنه لا بد من التذكير أنَّ مشروع الجمعية أكبر من تلك الصورة بكثير، وأنَّ أعمالها أعظم ومجالاتها أوسع من ذلك التحديد ، بل يجب القول بأن مصطلح »السلفية« ذاته –كعنوان وشعار- لم يكن يشغل من الناحية النظرية في مسيرة الجمعية، حيِّزا أساسيا تتحرك فيه ، أو مدارا مُلزما تدور حَوله بأقوالها وأعمالها.

 

 
 فقد كانت السلفية كمنهج قضيةً مبدئية فصَل فيها أعلامُها منذ اللحظات الأولى من مراحل التفكير في تأسيس الجمعية، ثم ثبتوها كمبدأ أساس بعد نشأتها في العديد من نصوصها ووثائقها.

 

 
ولم يكونوا أبدا يرون ضرورة في استخدام تلك التسمية كشعار يدل عليهم أو على أعمالهم، ما دامت الأعمال العظيمة في تصورهم، لا تقوم إلا على التصور الصحيح والممارسة السليمة، ولا عبرة عندهم بالشعارات والمسميات من دون تلك الحقائق والأعمال والتصورات ، كما أنهم لم يكونوا يذكرون ذلك المصطلح في كتاباتهم أو خطاباتهم إلا بقدر الحاجة التي تستدعي ذلك.

 

 
وفي مثل هذا المقام المتعلق بالاحتفاء بالألقاب والشعارات دون الاهتمام بالجوهر والآثار، يعبر لنا الرئيس الثاني لجمعية العلماء، الشيخ الإبراهيمي رحمه الله، في صورة تقريبية، عن نظرته وتصوره لحقيقة ذلك بقوله : » ...إن هذه الألقاب الأدبية أصبحت كالألقاب الحكومية، يتمجّد بها من لا يستحق التمجيد، ليكمل بها

 

 
نقصه، ويوازن بإيقاعها رقصه..وكل شيء كثرت فيه الدعوى، وعمّت به البلوى، وجمع الاشتراك فيه أخلاطًا وأنماطا، وعربًا صرحاء وأنباطًا، ترفّعت عنه الهمم العالية..وما بعَبث تخصيص العرب كل نفيسة من الأشياء باسمٍ يميزّها من جنسها: ففي الشعر عيون، وما كله بعيون، وفي النساء عقائل، وما كلهن عقائل، وفي النجوم دراري، وما كلها دراري، وفي الجوهر فرائد، وما كله فرائد، وفي المال كرائم، وما كله كذلك..« (7 ( .

 

 
وفوق هذا وذاك، لم يكن علماء الجمعية يقبلون ولا يكتفون بأن تكون جمعيتهم رقمًا عاديا يُقلََد وسامَ »السلفية« أو غيرها من المسميات ثم يُدرج في سجلاتها الذهبية كحال الكثير من خلق الله ممن يسعده ذلك ويسعى إليه، بل أرادوا لها أن تكون رائدا وقدوة وواقعا، شعارها في ذلك إنجازاتها وصروحها العظيمة التي بنتها، ويكفيها من الشرف أنها أحيت –بإذن الله وتوفيقه- أمةً أريد لها الفناء

 

 
إلى جانب ذلك لا نكاد نجد في كثير من تلك الاهتمامات السلفية بجمعية العلماء ما يقوم منها على أساس الدراسات العميقة لفكرها والتأملات المتأنية لمسيرتها وسير رجالها، والإحاطة الجامعة بمختلف ميادين أعمالها، لأجل وضع اليد على مفاصل القوة والضعف في كيانها، وإلقاء الضوء على مكامن النجاحات والإخفاقات في تجربتها، ثم إبراز العبر المستخلصة من تلك التجربة لتكون معالما في طريق أي مسيرة دعوية أخرى.

 

 
وهذا يقودنا في الحقيقة إلى الإشارة إلى مسألة مهمة ذات صلة بتصورات الكثير من الذين يرفعون راية »السلفية« اليوم  تجاه ما يظهر ويبرز من تجارب دعوية نهضوية في العالم الإسلامي المعاصر، ومنها تجربة جمعية العلماء على سبيل المثال.

 

 
فواقع أغلبهم يدل على أنهم أزهد الناس –عمليا- في محاولة الالتفات إلى تلك التجارب وإعطائها حقّها من الدراسة والنظر، وأنّ ذلك لا يشكل أولوية ضمن اهتماماتهم، بل الكثير منهم للأسف، يعدّ ذلك من الترف الذي تضيع به الأوقات وتُمحق به بركات السنين والأعمار والأعمال.

 

 
ولا ريب أن لمثل هذه التصورات انعكاساتها الخطيرة على أي عمل دعوي يحمل أصحابه مثل هذه القناعات.

 

 
وإنك لتجد مثل هذه التصورات والقناعات منتشرة في أوساط بعض من يرفع راية »السلفية« في الجزائر نفسها ، وإن ظُلِمت سلفيةُ جمعية العلماء مِن قِبَل مَن لا يُقدِّر ذلك ، ولا يدرك قيمته ، بل ولا يعنيه في شيء، فما كان على من يرفع شعار »السلفية«  في بلد الجمعية أن يتنكر لمن أرسى قواعد السلفية في الجزائر وبنى على أسسها صروحا اندثرت أمام عظمتها صروحُ الأوهام والبدع والخرافات.

 

 
ولقد أخطأ أولئك حين ظنوا أن »السلفية« دخيلة على أهل الجزائر، بل وقد جهِل من ظنّ منهم أنه صاحب السبق والفضل في إدخال المنهج السلفي إلى الجزائر ، وتعريف الجزائريين به وبمن اشتهر به من الأعلام كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

 

 
ومن يُرِيد تَبَيُّن غلط هذه الدعوى وبطلان تلك المزاعم فليقرأ إن شاء ما تبقى من آثار رواد جمعية العلماء مثل ابن باديس والعقبي وأبي يعلى الزواوي والإبراهيمي وغيرهم.

 

 
وليقرأ كذلك من شاء ما كتبه تلميذ ابن باديس الشيخ مبارك الميلي صاحب »رسالة الشرك ومظاهره« والذي شهد له أستاذه وشيخه في جامع الزيتونة بتونس محمد الشاذلى بن القاضي بقوله: » كان شديد التأثر بآراء الشيخ ابن تيمية، مؤمن برجاحة مذهبه.. « (8 ).


 
ومع شدة ذلك التأثر كما جاء في وصف شيخه له لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية –كـ اسم- يُشكّل محورا أو مدارا في أعمال الميلي، كما لم يكن أيضا يقيم على أساس ذلك التأثر المؤتمرات تلو الأخرى حول ابن تيمية وفكره ومنهجه، بل كان منصرفا إلى الأعمال التي كانت تقتضيها المرحلة التي عاشها، كما عاش ابن تيمية زمانه، ففاجأ الاحتلال بتأليف سفر عظيم حول تاريخ الجزائر، أسماه »تاريخ الجزائر في القديم والحديث« يثبت فيه إسلامها وعروبتها بعد قرن من الكيد الاستعماري لطمس كل ذلك. وقد نال ذلك التأليف إعجاب وتقدير العديد من العلماء والمفكرين والسياسيين بمختلف توجهاتهم إلى جانب الصحف والنوادي الأدبية والثقافية آنذاك. (9)

 
وكان من بين الشخصيات التي أعجبت به وأدركت قيمته، شيخه العالم المجدد ابن باديس، الذي أرسل إليه كتاب ثناء وتقدير ننقل فيما يلي بعض ما جاء فيه »وقفت على الجزء الأول من كتابك »تاريخ الجزائر في القديم والحديث« فقلتُ لو سمّيتَه »حياة الجزائر« لكان بذلك خليقا، فهو أول كتاب صوَّر الجزائر في لغة الضاد صورةً سوية تامة، بعدما كانت تلك الصورة أشلاء متفرقة هنا وهناك...إذا كان من أحيا نفسا واحدة فكأنما أحيا الناس جميعا، فكيف من أحيا أمة كاملة، أحيا ماضيها وحاضرها... فليس – والله - كفاء عملك أن تشكره الأفراد، ولكن كفاءه أن تشكره الأجيال... « (10).

 
ولم يكن ذلك غريبا على مثل الإمام الميلي فقد كان أعظم تلاميذ ابن باديس والمنتفعين به، والعاملين معه. (11) وهذا ما جلب له احترام وتقدير الكثير ممن عرفوه. ولعل أبلغ وأجمع ما كُتب أو قيل في وصف تلك الشخصية الفذة ومكانتها العلمية ما كتبه الإبراهيمي في »البصائر« العدد 26 بتاريخ 8 /3/1948 بمناسبة الذكرى الثالثة لوفاة الميلي رحمه الله، حيث قال: » حياة كلها جدٌّ وعمل، وحيٌّ كله فكر وعلم، وعمر كله درس وتحصيل، وشباب كله تلق واستفادة، وكهولة كلها إنتاج وإفادة، ونفس كلها ضمير وواجب، وروح كلها ذكاء وعقل، وعقل كله رأي وبصيرة، وبصيرة كلها نور وإشراق، ومجموعةُ خِلال سديدة، وأعمال مفيدة، قلَّ أن اجتمعت في رجل من رجال النهضات، فإذا اجتمعت هيَّأت لصاحبها مكانَه من قيادة الجيل، ومهدَّت له مقعدَه من زعامة النهضة. « (12) .

 
بمثل تلك الصفات عاش علماء الجمعية ورجالها بين أمتهم، حاملين همومها، قائمين على شؤونها، مدافعين عن حماها، فعرفت لهم بذلك فضلهم، وقدرت لهم حق قدرهم. وحقيق بكل من يدعي وصلا بمنهجهم أن يتحلى بما تحلوا به ، وأن يعيش لِما عاشوا له، وأن يتواضع لأمته فترفعه كما رفعتهم.ولم يكن التقصير في حق الجمعية ممن رفعوا راية »السلفية« ليقف عند حد إهمال آثار الجمعية وعدم الاهتمام بها وبآثار رجالها، بل ما يحزن المرءَ أن بعض هؤلاء قد تجاوزوا ذلك-كغيرهم من بعض أبناء الحركة الإسلامية في الجزائر- إلى حد إلحاق الأذى بالكثير ممن عاش من علماء الجمعية إلى عهد ما بعد الاستقلال، وذلك بالازدراء بهم وسوء معاملتهم ، ووصفهم بشتى النعوت التي لا تليق بمن هو أدنى منهم، فكيف بمن هو في مكانتهم. 

 
وقد رأى كاتب هذه السطور شخصيا بعضا من تلك المواقف المحزنة ، كما سمع في هذا الإطار من الشيخ أحمد سحنون نفسه، شيئا من ذلك، وخاصة ما ذكره رحمه الله، من بعض المعاناة من بعض الأفراد الذين كانت تزكياته لهم مفتاحا لقبولهم للدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم ليعودوا إلى الجزائر فيناله منهم بعد ذلك ما ناله.كانت هذه بعض مظاهر وصور تعامل بعض الإسلاميين مع جمعية العلماء تاريخا ومنهجا ورجالا، وهي في جملتها تكشف عن بعض مكامن الخلل في مناهج وطرق تعامل الكثير من الإسلاميين مع ما يحيط بهم من أحداث وقضايا، أو ما مرَّ من تجارب وأعمال. وهي في الحقيقة إحدى جنايات بعض العقليات الحزبية الضيقة وذوي الآفاق المحدودة على الدعوة إلى الله زيادةً على جنايتها على تاريخ الأمة ومستقبلها. 

 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

 
الهوامش :

 
1- مفدي زكريا: ديوان اللهب المقدس، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، 1983? ص 268 ، عن آثار محمد البشير الإبراهيمي مجلد 4 ، ص 10

 
2- آثار محمد البشير الإبراهيمي: بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1997، مجلد 1، ص 138.

 
3- في عددها 61 بتاريخ 20 محرم 1365 هـ- 2 أبريل 1937م. نقلا عن عبدالرحمن شيبان: مقدمة مجلة الشهاب، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 2000، ص 61.

 
4- وهذا في الحقيقة من جملة المصطلحات المظلومة مِن قِبَل الكثير من الإسلاميين، فهم لا يعرفون منه في واقعهم إلا الإسم والتشدق، مثلهم في ذلك مثل المؤسسات الرسمية المتخلفة الأخرى في العالم العربي

 
5- آثار محمد البشير الإبراهيمي: بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1997، مجلد 1، ص138.

 
6- نفس المصدر: مجلد 1، ص 343- 344

 
7- نفس المصدر: مجلد 3، ص 581

 
8- مجلة الزيتونة: مجلد 5، ص 269

 
9- ابوالقاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، بيروت، دار الغرب الإسلامي ، 1998? مجلد 7، ص 413

 
10- مبارك محمد الميلي: تاريخ الجزائر القديم والحديث، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1976، ص7

 
11- أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة، قسنطينة، الجزائر، دار البعث، 1984، مجلد 2، ص 15

 
 
12- آثار محمد البشير الإبراهيمي: بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1997، مجلد 2، ص 183.