كوني كالنحلة تأكل طيباً وتخرج عسلاً وإذا سقطت على عود لم تكسره، تمس الرحيق ولا تلسع، وتضع العسل ولا تلدغ، تطير بالمحبة وتضع بالمودة، لها طنين بالبشرى وأنين بالرضوان كأنها من ملكوت السموات هبطت، ومن عالم الخلود وقعت. كوني كالنخلة بعيدة عن الشر، رفيعة عن الأذى تُرمى بالحجارة فتسقط ثمراً.. دائمة الخضرة صيفاً وشتاءً.. كثيرة المنافع لكل الناس.. ثمرها طيب وجناها حيب .. بيت لا تمر فيه جياع أهله.. وثمرها طعام الفقير وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب.. كوني كالشمس تشرق على جميع البشر دون استثناء مؤمنهم وكافرهم، برّهم وفاجرهم، شقيّهم وسعيدهم وحزينهم.. لتمدّهم جميعاً بالضوء والطاقة والجمال.. تشرق لتعلن عن إطلالة يوم جديد مليء بالأعمال الجديدة (يا بن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد) لتغسل حوبة الأمس، وتعلن عن أوبة أو ندم اليوم (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل). كوني كالريحانة تنتج زهراً، وتنشو عطراً يفوح لحاملها.. يجني منها النحل رحيقه، ويشتَمّ منها الإنسان، وينتج عطره ويمتع الحزين بها ناظريه، تقف خضراء باسقة لتعلن (أنا صامدة أمام الرياح والأتربة بأوراقي وزهري وسأنشر أريجي في كل مكان من العالم ولن يقف أمامي عائق) ولفضلها وخفة محملها وزكاء عبيرها نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إهدائها لأنها رمز لرقّة الشكل وجمال المنظر وانشراح الصدر، برائحة عبيرها الأخاذ كوني كالمطر يستبشر به الناس إذا أقبل، ويحزنون إذا أدبر.. يفرح بقدومه الكبير والصغير والغني والفقير.. ينبت به الزرع ويملأ الضرع وينعش النفس وتزهر الأرض.. تغاث به القلوب والأجسام.. وتذهب بماء الأوجاع والأسقام.. (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). كوني كهؤلاء جميعاً ولا تكوني كمالك الحزين هذا الطائر العجيب.. الذي يغني ويعزف أجمل الألحان، وهو ينزف من الحزن كمداً وألماً.. فلا شيء في الدنيا يستحق من دمعتك قطرة واحدة.. ولا ألما ولا كمداً.. بل إن الدنيا مزرعة الآخرة ومسرح كبير يتحرك فيه الناس أجمعين.. والناس فيه على نتيجتين.. على النقيض إما خاسرين خائبين وإما ناجحين فرحين.. فكوني من الفرحين الفائزين في الدنيا والآخرة.. أدام الله أفراحنا وسعادتنا دائماً في طاعة الله جلّ وعلا. آلاء حمزة صدقة – مكة المكرمة مجلة حياة العدد (88) شعبان 1428هـ