الصورة التى تنشر هذه الأيام لأرض حولها سور وعليها لافتة إنها ملك الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما، ومخصصة لمدة 50 سنة حق انتفاع لشركة آكور الفرنسية، التى تسمى «أرض التحرير»، تعبر عن الحالة «السوريالية» التى تعيشها مصر، والسوريالية مذهب فى الرسم وفى كل الفنون يعنى اختلاط الواقع بالخيال، والحقائق مع الأحلام! لو سألت أى إنسان على وجه الأرض من طوكيو إلى بوركينا فاسو ما العلاقة بين السياحة والفنادق والسينما لن تجد لديه أى إجابة، وإنما سوف يفتح فمه من الدهشة فقط، وهذه الأرض المسماة أرض التحرير نسبة إلى اسم الميدان السابق التحرير، وسوف تجد اسم الميدان على اللافتة الرسمية ميدان أنور السادات التحرير سابقاً، رغم أن أنور السادات هو الذى حرر مصر من الاحتلال الإسرائيلى! وقد أشيع أن شركة آكور الفرنسية لها علاقة بوزير الإسكان، ولكن الوزير نفى، واستنكر ألا يعلن وزير الاستثمار الذى تتبعه الشركة القابضة ذلك بالسرعة اللازمة والواجبة، ولكن الحقيقة أن هذه الأرض ليست من أملاك قابضة السياحة والفنادق والسينما التى تجمع بين قطاعين لا علاقة لكل منهما بالآخر على الإطلاق، وإنما من أملاك هدى شعراوى! وهدى شعراوى أبرز رائدات الحركة النسائية فى مصر بعد ثورة 1919، وعلى هذه الأرض التى نطلق عليها اليوم «أرض التحرير» كان بيتها الذى أوصت قبل وفاتها بأن يكون متحفاً للفن الحديث فى القاهرة، وفى هذا المتحف وأنا فى المدرسة الثانوية شاهدت عشرات المعارض وسمعت بيتهوفن مع محاضرات لكبار علماء الموسيقى، ومنذ عقود طويلة هجم عليه تتار من مصر فهدموه، وتحول إلى مأوى للسيارات منذ ذلك الحين، وحتى الآن، ومن العالم الآخر تهتف هدى شعراوى لوزراء مصر اليوم، وتقول لهم هذه أرضى أنا، لا أرض التحرير، ولا أرض قابضة السياحة والسينما جامعة المتناقضات، ولا أرض آكور الفرنسية ولا المصرية، ولا أرض وزير الإسكان ولا وزير الاستثمار! إنها أرض أعطاها من لا يملك لمن لا يستحق على طريقة وعد بلفور لليهود بإقامة دولة فى فلسطين، وحالها فى ذلك مثل حال أغلب «أملاك» شركات الوزارة التى كان اسمها وزارة الاقتصاد، ثم سميت بـ«الاستثمار» وكأنه ليس هناك استثمار فى وزارات الصناعة والتجارة والزراعة والصحة وكل الوزارات وكأنه لم يعد لدينا اقتصاد!