لا تأمن على عِرْضك (2)

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : أحمد الصاوي | المصدر : www.almasryalyoum.com

تحت هذا العنوان كتبت مقالاً يوم ١٩/ ١٠/ ٢٠٠٩، فى هذه الجريدة، كان محفزه حالة التعاطى الإعلامى والصحفى المكثف، مع القضية التى وصفت بـ«شذوذ الفنانين» وتبادل الاتهامات بـ«السيديهات والقصص الجنسية» بين اثنين من الشخصيات العامة، وسط اهتمام صحفى وإعلامى وفضائى غير مسبوق.
واليوم أجدنى مضطراً لإعادة طرح الفكرة ذاتها، بعد أن استمعت للكاتب الصحفى أسامة سرايا، يرد على الدعوى القضائية التى رفعتها قناة الجزيرة ضد الأهرام، بسبب ما نشرته عن «تحرش جنسى» بين مسؤول فى المحطة، وعدد من المذيعات.
ركز السيد سرايا فقط على أن النشر كان فى الطبعة المحلية وليس الدولية، لذلك فمكان التقاضى المحاكم المصرية وليس البريطانية، لكنه لم يتحدث عن الوقائع التى نشرتها جريدته، أو يحاول الاعتذار عنها، باعتبارها مست شرف عدد من السيدات إلى جانب مسؤولين فى المحطة، ونسبت لهم وقائع يحتاج إثباتها وجود محرر الأهرام معهم أثناء ممارستهم لها.
انحدار الأهرام إلى مستوى الصحف الفضائحية فى هذه القضية، لا يعد دليلاً فحسب على حدوث تغير فادح فى منظومة القيم المهنية الرصينة التى ميزت الأهرام عبر تاريخها، وإنما انعكاس إضافى لتغيير اجتماعى يجعل مستوى استهلاك الفضائح فى الشارع، سواء لدى القراء أو مشاهدى الفضائيات فى تزايد مستمر، إلى جانب وجود استسهال كبير فى طعن الأعراض دون يقين، والسير خلف الشائعات دون جهد فى التفكير.
أعود إلى سؤالك مرة أخرى: هل تعتقد فعلاً أنك تعيش فى مجتمع متدين، وهل تأمن إذن فى هذا المجتمع «التقى» على مالك ودمك وعرضك، وهى الأمانات الثلاث التى ركز عليها الرسول الكريم فى خطبة وداعه وتركها أمانة لأتباعه «إنما دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام».
هل تعتقد أنك تتبع دينك حين تُقبل على قراءة ومتابعة صحف وقنوات تتاجر فى الفضائح والأعراض؟ ألم تقرأ يوماً أو تستمع لخطيب على منبر يخبرك أن الرسول الكريم كان يرد الزناة رغم اعترافاتهم ويراجعهم فيما يقولون، وينهر الفضائحيين بقوله الكريم «هلا سترته بثوبك»، بينما كان المسيح يقول: «من كان منكم بلا خطيئة».
لماذا لا تستر إذن مَنْ يلوكون سيرتهم بالسوء، فلا تُقبل على القراءة أو المشاهدة أو الاستماع، على الأقل لتلك الحكايات المستندة إلى شائعات لا تحمل أدلة يقين، ولا تُقبل على أكل لحم أخيك ميتاً؟
هل تعرف أن الصحف التى تنشر الفضائح تكاد تنفد من الأسواق؟ هل تجد تفسيراً لذلك سوى إقبال غريب على استهلاك الفضائح وتلذذ أشد غرابة بدفع ثمن الحكايات غير المؤكدة؟ وجمهور نَهِِم، يشعل الحرائق من أجل «النقاب» ثم يقبل على استهلاك الفضائح جهراًَ دون أن يشعر بجرح فى تدينه، ودون أن يتذكر أى كلمة فى آيات وأحاديث الستر وقذف المحصنات.
لا تعتقد إذن أنك فى مأمن على عِرْضك، فقد صارت اتهامات الأعراض أسهل شىء يمكن أن يوجهه لك خصومك، وصار تلفيق القصص متاحاً وفى متناول الجميع، وصارت اتهامات الشرف أيسر الطرق للنيل من الخصوم سياسياً أو مهنياً، وأسرع الوسائل فى الوقت نفسه لتدمير السمعة وإزهاق الاعتبار.
لا تأمن على عِرْضك.. فغداً يلوكون سيرتك لأى سبب، ولن يكترث أحد بالبحث عن الحقيقة.. وستخرج خاسراً فى جميع الأحوال..!