هزائم إسرائيل ودورة التاريخ

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : عبد المنعم منيب | المصدر : dostor.org

تكبدت الدولة الصهيونية في العقدين الأخيرين العديد من الهزائم الكبري علي أيدي قوي عربية فمن هزائمها علي أيدي حزب الله والمقاومة اللبنانية إلي هزائمها علي أيدي المقاومة الفلسطينية، وكانت إسرائيل في السابق توقع الهزائم بالعرب سواء بشكل حاسم كما في 1948 و1967و1982 أوبشكل محدود لكنه مؤثر كما في 1956 و1973 ولانتصار إسرائيل في هذه السنوات أسباب سياسية واستراتيجية ولانهزامها في العقدين الأخيرين أسباب أيضا سنحاول الإطلال عليها في السطور التالية:

- اعتمدت إسرائيل علي الخيانات في الصف العربي والتي ضمنت لإسرائيل تفوقات عسكرية لا تستحقها كما في حرب 1948 و1967.

- كما استفادت إسرائيل من الفساد المالي والإداري الذي يعم العالم العربي بحكوماته وجيوشه وهوالأمر الذي أدي إلي تخلف في التسليح والتصنيع العسكري لدي العرب كما أدي لصدور العديد من القرارات العربية الخاطئة السياسية والعسكرية مثل قرارات إيقاف القتال أوقبول الهدنة أوحتي دخول الحرب دون إعداد كاف وذلك في حرب 1948 ومثل كل قرارات حرب 1967 خاصة قرار الانسحاب من سيناء، ومثل القرار السلبي المتمثل في السكوت علي بناء إسرائيل لخط بارليف وللساتر الترابي علي الضفة الشرقية لقناة السويس في الفترة من 1967 وحتي 1970.

- اعتمدت إسرائيل علي دعم أوروبي وأمريكي غير متناه في مجال التسليح متفوقة تكنولوجيا وكميائيا علي كل الجيوش العربية مجتمعة.

- دأبت إسرائيل علي استخدام أسلوب الحرب الخاطفة واستخدام استراتيجية الاقتراب غير المباشر أثناء العمليات العسكرية مما أدي لنجاحها في أحداث اختراقات ناجحة لخطوط الدفاع العربية والالتفاف حول مؤخرات الجيوش وضرب قواعدها الخلفية ومن ثم إيقاع الهزيمة بها في النهاية، كما نجحت في الاستخدام الواسع والفعال لسلاح الطيران المتفوق لتدمير القوي العربية وضرب عمقها الاستراتيجي دون قدرة عربية علي الرد.

وكان علي القوي العربية للرد علي هذا التحدي الصهيوني أن تطور قدراتها العسكرية عبر تسليح متطور وبكميات كافية كي تشل فاعلية القوات الجوية الإسرائيلية وتتمكن من الرد في العمق الصهيوني وكي تكشف التحركات الإسرائيلية في مسرح العمليات كي تمنعها من اختراق خطوط الدفاع والالتفاف علي مؤخرات الجيوش العربية، لكن تعنت الدول المالكة للسلاح المتطور إزاء العرب منع العرب من التفوق علي إسرائيل في التسليح وبالطبع منعهم أيضا من الحصول علي أسرار تكنولوجيا التسليح المتقدم، وليس من الإنصاف إلقاء تبعة ذلك علي هذه الدول فقط، بل الحقيقة أن الحكومات العربية لم تكن صادقة ولا ذات عزيمة قوية في الحصول علي التكنولوجيا المتطورة بصفة عامة وفي صناعة السلاح بصفة خاصة، بدليل أن دولا كانت متخلفة حازت استقلالها بالقرب من الوقت الذي حازت فيه الدول العربية الكبري استقلالها كالهند والصين ومع ذلك تقدمت وحازت التكنولوجيا المتطورة في السلاح بينما نحن محلك سر، بل لم نلحق بدول حازت استقلالها بعدنا ككوريا الشمالية.

لكن رغم هذا كله كيف بدأنا ننزل الهزائم بإسرائيل رغم أننا لم نتطور تكنولوجيا؟

بدأت انتصاراتنا علي إسرائيل بسبب عدة عوامل كان من أبرزها:

- امتلاك قوي عربية زمام القرار وهي صادقة في منازلتها الدولة الصهيونية عسكريا، فهي تحارب إسرائيل بجدية لا مجال فيها للفساد الإداري أوالتهريج أوالميوعة أوالعمالة، هذه القوي موجودة وكامنة دائما في جسد الأمة العربية لكنها كانت مهمشة في الصراعات السابقة لكنها الآن أخذت زمام المبادرة في كل من لبنان وفلسطين فكانت لها بصمتها في الصراع وكانت ذروة هذه البصمة هزيمتين إسرائيليتين في حرب لبنان 2006 وحرب غزة 2009.

- استخدام هذه القوي العربية استراتيجية حرب العصابات وحرب التحرير الشعبية بتكتيكاتهما المتعددة المعتمدة علي الكر والفر والشراك الخداعية والكمائن والتمويه والتخفي والدفاع العميق واستطاعت عبر ذلك وعبر التحصن بالأنفاق والخنادق من تحييد ضربات الطيران الصهيوني.

- انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ عبر العالم مكن دولا عديدة كسوريا وإيران من صناعة وحيازة عشرات الآلاف من هذه الصواريخ مما مكنها من ردع الصهاينة ومنعهم من قصف العمق الاستراتيجي لهذه الدول رغم دعمها الاستراتيجي للمقاومة اللبنانية والفلسطينية.

- حيازة المقاومة للصواريخ قصيرة المدي مع قرب موطن هذه المقاومة من خاصرة إسرائيل الرخوة مكن المقاومة من ردع إسرائيل تارة وتكبيدها خسائر فادحة تارة أخري، لأنه في السابق كانت إسرائيل قد نجحت في دحر القوات العربية وإرجاعها لمسافات بعيدة أبعدت هذه القوات عن خاصرتها الرخوة لمسافات تكفل الحماية لها من القصف الصاروخي قصير المدي والمدفعي بعيد المدي والذي لم يكن العرب يملكون سواه وقتها بينما عجز الطيران العربي «ومازال» عن الوصول لإسرائيل.

لقد مكنت هذه العوامل قوي المقاومة من إيقاع الهزائم المتتالية بإسرائيل مما دفعها للانسحاب المذل من كل من لبنان وغزة تحت وطأة هذه الهزيمة لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي .. ولكن هذا التدهور في بنيان القوة الإسرائيلية رغم أنه يرجع لعوامل تتعلق بتطور الفكر الاستراتيجي للمقاومة وانتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ فإنها أيضا تدين في التحليل النهائي لدورة التاريخ أو دوران عجلة التاريخ، فالمقاومون العرب قبل ستين عاما لم يجدوا مناخاً دولياً وإقليمياً مواتياً كما هوالآن كما لم يتمكنوا من حيازة صواريخ الكاتيوشا «رغم كونها كانت موجودة في روسيا وقتها» كما هوالآن، فدوران عجلة التاريخ هوالذي أتاح فرصة الهزائم الإسرائيلية الآن، وصدق تعالي إذ قال: «وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»آل عمران: 140.