عواصم - وكالات: أكد الدكتور مغاورى شحاتة دياب أستاذ الجيولوجيا ورئيس جامعة المنوفية الأسبق، أن الخلاف بين دول حوض النيل خاصة إثيوبيا موجود منذ عهود طويلة، مشيراً إلى أن اعتراض المفاوض المصري على الاتفاقية الإطارية ينحصر فى رغبة الدول أن تكون حصصها من مياه المياه بحسب مساهمتها فيها لأنه لو تم تطبيق ذلك لكانت حصة مصر من المياه صفرا.
وأشار فى حلقة نقاشية نظمتها نقابة العلميين مساء السبت تحت عنوان "دول حوض نهر النيل ومستقبل مصر المائي" إلى خلو مصر من الخرائط الجيولوجية لمنابع النيل إلى الآن والتى تضمن معرفة مساقط المياه وكميتها وكيفية تحركها.
وحسبما ذكرت صحيفة "الدستور" المستقلة، طالب دياب بإعادة رسم سياسات مصر المائية والزراعية، مشيراً إلى أن الوضع الجيولوجي هو الذي يحكم الاتفاقيات الدولية التى يجب أن توقع عليها مصر لضمان مستقبلها المائي، وقال إن لجوء بعض الساسة والقانونيين إلى تدويل قضية منابع النيل أمام محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة "ستنهى مصر إلى الأبد".
ولفت دياب إلى أن وجوه المفاوضين المصريين في قضية مياه النيل مستفزة للمفاوض الأجنبى، لافتاً إلى ضرورة تغيير هذه الوجوه بعد فشلهم في المهمة المسندة إليهم.
كما طالب الخبير المصري بعدم الخوف على حصص مصر من مياه النيل فى الوقت الحالي لأن مصر تحصل على كميات مائية أكثر من الحصص المعلنة، مشيراً إلى أن فكرة الحصص بين دول منابع النيل ليست واردة ولا تتعدى حيز مصر والسودان خاصة بعد أن تقاسمت مصر المياه التى كانت تذهب كفائض من مياه الفيضان.
وأشار إلى أن مصر هي التي خلقت مثل هذه التكتلات حتى أصبحت لها أنياب والآن تدفع الثمن، مشيراً إلى أن السودان هي المعادلة الصعبة والأخطر فى ملف المياه، لافتا إلى تلقى إثيوبيا دعما أكثر من 12 مليار دولار من الدول المانحة لتنفيذ مخططاتها الزراعية.
تفاقم الأزمة
وانتهى، امس الأحد، في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، أحدث اجتماع لدول مبادرة حوض النيل، والذي أظهر تفاقم أزمة مياه النيل بين دول المنابع السبع ودولتي المصب "مصر والسودان" ، حيث أعلنت 5 دول في شرق أفريقيا أنها لن تتراجع عن اتفاق وقعته لتقاسم مياه النيل، وهو الاتفاق الذي أثار انتقادات حادة من جانب مصر والسودان.
وقال أصفاو دينجامو، وزير الموارد المائية الإثيوبي: "الاتفاق الموقع لا يمكن العودة عنه"، وأضاف قائلا: "لكن نأمل أن نصل إلى إجماع، وآمل أن ننجز ذلك قريبا جدا".
ورفضت الدول الخمس الموقعة على الاتفاق الجديد التراجع وقالت إنها تمنح دول حوض النيل الأخرى، وهي مصر والسودان وبوروندي وجمهورية الكونجو الديمقراطية، مهلة سنة للانضمام إلى الاتفاق.
وكانت اثيوبيا واوغندا ورواندا وتنزانيا، ثم كينيا، وقعت في 14 مايو/آيار الماضي، اتفاقا جديدا حول تقاسم مياه نهر النيل على الرغم من مقاطعة مصر والسودان، مما اثار غضب القاهرة التي اعلنت ان الاتفاق غير ملزم لها.
وبعد ساعات من توقيع الاتفاق، أعلنت إثيوبيا عن افتتاح أكبر سد مائي على بحيرة "تانا"، والتي تعتبر أحد أهم موارد نهر النيل، وذلك في سابقة خطيرة تؤشر إلى نية دول منابع النيل في تصعيد مواقفها ضد مصر.
وحذر خبراء مصريون في مجال المياه من خطورة إنشاء مثل هذه السدود علي حصة مصر من مياه النيل، واصفين إنشاءها بالسابقة الخطيرة التي ستدفع دول حوض النيل الأخري إلي أن تحذو حذو إثيوبيا وتقوم بإنشاء السدود دون الرجوع إلي مصر.
وتعتمد مصر بالكامل تقريبا على مياه النيل، وتراقب عن كثب الأنشطة المتصلة ببناء سدود في شرق أفريقيا، خاصة أنها مهددة فعليا من تغير المناخ.
بمقتضى الاتفاق الأصلي يحق لمصر التي ستواجه أزمات مياه بحلول عام 2017 أن تحصل على 55.5 مليون متر مكعب في السنة تمثل نصيب الأسد من مياه النهر التي تبلغ نحو 84 مليون متر مكعب.
في سياق متصل، قال كمال علي محمد، وزير الري والموارد المائية السوداني، إن بلاده ستوقف التعاون مع دول مبادرة حوض النيل لأن الاتفاق يطرح مسائل قانونية، "نحن نجمد الأنشطة المتعلقة بمبادرة حوض النيل إلى أن تجد الانعكاسات القانونية حلا".
بينما أعلن محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري، أن اجتماعا استثنائيا لمناقشة الاتفاق سيعقد في نيروبي بين شهري سبتمبر ونوفمبر، ولم يحدد تاريخا معينا لعقد الاجتماع.
حل سياسي في غضون ذلك، أكد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء السوداني الأسبق، أن حل قضايا مياه النيل يكمن في إطار حل سياسي، وليس الإطار الفني من خلال هندسة الري، أو الإطار القانوني لأنه بات محل اختلاف بين القبول والرفض.
واعتبر المهدي أن حل المشكلة الآن قريب لسببين، الأول أن دول المنابع تؤكد احترامها للحقوق المكتسبة وتؤمن بالملكية المشتركة لمياه النيل بين دول المنبع والمصب.
وأضاف أن السبب الثاني أن دول حوض النيل لدى إبرامهما لاتفاقية مياه النيل عام 1959 ذكرت ولأول مرة في تاريخ علاقات النيل حقوقا لدى دول المنبع والمصب.
ونقلت صحيفة "الشروق" المصرية المستقلة عن المهدي، قوله، إن المطلوب الآن هو التحرك بوعي على مستوى القيادات السياسية والشعبية لدول حوض النيل للوفاء بحاجة أهل الحوض المائية والكهرومائية.
وأكد المهدي أن حل قضايا مياه النيل ممكنة إذا توافرت القيادة السياسية المبصرة ذات الوعي الإستراتيجي والإرادة السياسية الفاعلة ذات التحرك المؤثر، وبالتالي فالمعادلة الكسبية واردة.
وحذر السياسي السوداني البارز من أن الاستقطاب حول قضية مياه النيل سوف يجر إلى تعميق الخلافات وإشاعة أجواء غير موضوعية مما يؤثر بالسلب على العلاقات التاريخية بين دول حوض نهر النيل.
سخط إفريقي ضد مصر كانت صحيفة "الجارديان" البريطانية، ألمحت في عدد سابق لها، إلى تزايد السخط الرسمي والشعبي في دول منابع النيل ضد موقف مصر الرافض للتوقيع علي اتفاقية عنتيبي التي تعيد تقسيم مياه النيل.
ولفتت الصحيفة إلي أن مصر تقول إن القانون يقف إلي جانبها وإن لها حقوقاً تاريخية في مياه النهر وتدافع عنه بقوة حتي انها أحيانا تهدد باستخدام القوة العسكرية.
وقالت: "إن مصر كانت قد أوفدت منذ عقود مهندساً لسد "واين فالز" علي نهر النيل في أوغندا يراقب تدفق المياه في النيل، لكن أوغندا وفي إشارة إلي تزايد سخطها علي سياسة القاهرة تجاه الحوض أوقفت تزويد هذا المهندس بالمعلومات منذ عامين".
واضافت نقلا عن مسئول اثيوبي: "إن دول أعالي النيل تعتبر خطوة مصر الرافضة للتوقيع تصل إلي حد الإهانة. ونقلت عن أحد المزارعين الأوغنديين القول إن "مصر غير عادلة تماما. لدينا المنبع لذا ينبغي علينا أن نتمكن من استخدام المياه".
وتابعت، إن التهديد الذي تواجهه مصر بفقدان جزء من حصتها في مياه النيل قد وضع دورها الإقليمي ومشروعاتها التنموية التي تؤسسها في الصحراء علي المحك، فلطالما اعتمدت مصر علي حصتها من مياه النيل في بناء طموحها التقني، كما أثرت تلك الحصة بشكل واضح في حظوظ مصر الاقتصادية والسياسية وهويتها الثقافية.
وأشارت الصحيفة في التقرير الذي نشرته علي موقعها الإلكتروني إلي أن أي انخفاض في حصة مصر في مياه النيل سيترتب عليه عواقب خطيرة في شتي أنحاء البلاد، ليس فقط بالنسبة لحقول الموالح في دلتا النيل، ولكن علي بعد حوالي 500 ميل بالقرب من أسوان، حيث يكافح المزارعون جاهدين للعثور علي المياه العذبة ويعتمدون علي النهر بنسبة 90 %.