نشيد الفارس العربي

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : الشريف الرض | المصدر : www.bab.com

 


 


     يتقد الدم في عروق الفارس العربي، وتشتعل الحمية فيه عندما يرى مكر الطامعين يحيق بأهله وقومه، ويعلم وقتها أنه لا حكم عليه لغير القنا والسيوف، وأن العز يكون في شرب ضريب اللقاح، فإما أن ينال الفتى شرف الشهادة في سبيل الدفاع عن عرضه وقومه، أو أن ينال العلا ويعيش بكرامة على أرضه.
فهذه القصيدة هي نشيد كل فارس عربي شهم نسمعها مدوية بلسان الشاعر الشريف الرضي والذي ولد عام 970م في بغداد وتلقى العلوم على أساتذتها وعلمائها، وكان شعره تغنياً بالحب والألم ونشيداً من أناشيد الفخر والكرامة، ولعل أهم أعماله التي قام بها جمعه لكلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والذي يرتقي نسب الشريف إليه وتدوينه في كتاب (نهج البلاغة) وكانت وفاته عام 1016م.
والقصيدة جاءت على أوزان البحر السريع.

نَبَّهْتُمُ مِثْلَ عَوالي الرِّماحْ
وإلى الوَغى قبلَ نُمُوْمِ الصَّباحْ

فَوارِسٌ نالوا المُنى بالقَنا
وصافَحوا أَغْراضَهُمْ بالصِّفاحْ

لِغـارَةٍ سامِعُ أنبائهـا
يَغَصُّ مِنْها بالزُّلالِ القَراحْ

ليسَ على مُضْرِمِها سُبَّةٌ
ولا على المُجْلِبِ منها جُناحْ

دونَكُمْ فابْتَدِروا غُنْمَها
دُمىً مُباحاتٌ ومالٌ مُباحْ

فإنَّنا في أرضِ أَعْدائِنا
لا نَطَأُ العَذْراءَ إلاّ سِفاحْ

يا نَفسُ مِن هَمٍّ إلى هِمَّةٍ
فليسَ من عِبْءِ الأَذى مُسْتَراحْ

قدْ آنَ للقلبِ الذي كَدَّهُ
طولُ مُناجاةِ المُنى أنْ يَراحْ

لا بدَّ أنْ أرْكَبَها صَعْبَةً
وَقاحَةً تحتَ غُلامٍ وَقاحْ

يُجْهِدُها أو يَنْثَني بالرَّدى
دونَ الذي قَدَّرَ أو بالنّجاحْ

الرّاحُ والرّاحَةُ ذُلُّ الفتى
والعِزُّ في شُرْبِ ضَريبِ اللِّقاحْ

في حيثُ لا حُكْمَ لِغَيْرِ القَنا
ولا مُطاعَ غيرُ داعي الكِفاحْ

ما أطْيَبَ الأَمْرَ ولو أنَّهُ
على رَذايا نَعَمٍ في مُراحْ

وأَشْعَثِ المَفْرِقِ ذي هِمَّةٍ
طَوَّحَهُ الهَمُّ بعيداً فَطاحْ

لمّا رأى الصّبرَ مُضِرّاً بهِ
راحَ ومَن لم يُطِقِ الذُّلَّ راحْ
دَفْعاً بِصَدْرِ السَّيفِ لما رَأى
أَن لا يُرَدُّ الضَّيْمُ دَفْعاً بِراحْ

متى أرى الزَّوْراءَ مُرْتَجَّةً
تُمْطِرُ بالبِيضِ الظُّبا أو تُراحْ

يَصيحُ فيها المَوْتُ على أَلْسُنٍ
مِنَ العَوالي والمَواضي فِصَاحْ

بِكُلِّ رَوْعاءَ عُظَيْنِيَّةٍ
يَحْتَثُّها أَرْوَعَ شاكي السِّلاحْ

كأنّما تَنْظُرُ مِن ظِلِّها
نَعامَةٌ زَيَّافَــةٌ بالجَناحْ

متى أَرى الأرض َوقدْ زُلْزِلَتْ
بعارِضٍ أَغْبَرَ دامي النَّواحْ

متى أَرى النّاسَ وقد صُبِّحوا
أَوائِلَ اليومِ بِطَعْنٍ صُراحْ

يَلْفِتُ الهارِبَ في عِطْفِهِ
مُرَوَّعاً يَرْقُبُ وَقْعَ الجِراحْ

متى أرى البيضَ وقد أَمْطَرَتْ
سَيْلَ دمٍ يَغْلِبُ سَيْلَ البِطاحْ

متى أرى البَيْضَةَ مَصْدوعَةً
عَن كلِّ نَشْوانَ طَويلِ المَراحْ

مُضَمَّخِ الجِيدِ نَؤومِ الضُّحى
كأنّهُ العَذْراءُ ذاتُ الوِشاحْ

إذا رَدَاحُ الرَّوعِ عَنَّتْ لهُ
فَرَّ إلى ضَمِّ الكَعابِ الرَّداحْ

قومٌ رَضوا بالعَجْزِ واسْتَبْدَلوا
بالسّيفِ يَدْمَى غَرْبُهُ كأسَ راحْ

تَوارَثوا المُلْكَ ولو أَنْجَبوا
لَوَرِثوهُ عَن طِعانِ الرِّماحْ

غَطَّى رِداءُ العِزِّ عَوْراتِهِم
فافْتُضِحوا بالذّلِ أيَّ افْتِضاحْ

إنّيَ والشّاتِمَ عِرْضي كَمَنْ
رَوَّعَ آسادَ الشَّرى بالنُّباحْ

يَطْلُبُ شَأْوي وهُو مُسْتَيْقِنٌ
أنّ عِناني في يَمينِ الجِماحْ

فارْمِ بعَيْنَيكَ مَلِيّاً تَرى
وَقْعَ غُباري في عُيونِ الطِّلاحْ

وارْقَ على ظَلْعِكَ هَيْهاتَ أنْ
يُزَعْزَعَ الطَّوْدُ بِمَرِّ الرّياحْ

لا هَمَّ قلبي بِرُكوبِ العُلى
يوماً ولا بَلَّ يَديَّ السَّماحْ

إنْ لم أَنَلْها باشْتِراطٍ كما
شِئْتُ على بيضِ الظُّبا واقْتِراحْ

أَفوزُ منها باللُّبابِ الذي
يُغْني الأَماني نَيْلُهُ والصّراحْ

فما الذي يُقْعِدُني عَنْ مَدىً
لا هو النَّسْلِ ولا باللِقاحْ

طُلَيْحَةٌ مَدَّ بأَضْباعِهِ
وغَرَّ قَبْلي النّاسَ حتى سَجاحْ

يَطْمَحُ مَن لا مَجْدَ يَسْمو بهِ
إنّي إذاً أُعْذَرُ عندَ الطِّماحْ

وَخِطَّةٍ يَضْحَكُ منها الرَّدى
عَسْراءُ تَبْري القَوْمَ بَرْيَ القِداحْ

صَبَّرْتُ نفسي عند أَهْوالِها
وقُلْتُ مِن هَبْوَتِها لا بَراحْ

إمّا فَتىً نالَ العُلى فاشْتَفى
أو بَطَلٌ ذاقَ الرَّدى فاسْتَراحْ