قد يستغرب الكثير منا حينما يتعرف على وجه آخر لابن سينا الفيلسوف والطبيب المشهور، ولكننا لن نستغرب عندما ندور في فلك هذه القصيدة ونبحر في معانيها الجميلة لندخل إلى أيقونة النفس الإنسانية ونتعرف على نواميسها، وهل هناك أقدر من فيلسوف وطبيب وشاعر على خلجات النفس وسكناتها. الرئيس هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا صار وزيراً لشمس الدولة بهمذان وبها توفي نسة 428هـ، ولا بد أن تكون هذه القصيدة من البحر الكامل حتى تساير موضوعها. هَبَطَتْ إلَيْكَ من المَحَلِّ الأَرْفَعِ وَرْقاءُ ذَاتُ تَعَزُّزٍ وتَمَنُّعِ مَحْجوبَةٌ عن كُلِّ مُقْلَةِ عارِفٍ و هيَ التي سَفَرَتْ ولم تَتَبَرْقَعِ وَصَلَتْ على كُرْهٍ إليكَ، و ربَّما كَرِهَتْ فِراقَكَ وهيَ ذاتُ تَفَجُّعِ أَنِفَتْ وما أَنِسَتْ، فلمّا واصَلَتْ أَلِفَتْ مُجاوَرَةَ الخَرابِ البَلْقَع وأَظُنُّها نَسِيَتْ عُهوداً بالحِمى ومَنازِلاً بِفِراقها لم تَقْنَعِ حتى إذا اتَّصَلَتْ بِهاءِ هُبوطِها في ميمِ مَرْكَزِها بذاتِ الأَجْرَع عَلِقَتْ بها ثاءُ الثَّقيلِ فأصْبَحَتْ بينَ المَعالِمِ والطُّلولِ الخُضَّع تبكي، إذا ذَكَرَتْ عهوداً بالحِمى بمَدامِعٍ تَهْمي ولمّا تُقْلِعِ وتَظَلُّ ساجِعَةً على الدِّمَنِ التي دَرَسَتْ بِتَكْرارِ الرّياح الأرْبَع إذْ عاقها الشَّرْكُ الكَثيفُ وصدَّها قَفَصٌ عن الأوْجِ الفَسيحِ المَرْبَع حتى إذا قَرُبَ المَسيرُ إلى الحِمى ودنا الرَّحيلُ إلى الفَضاءِ الأَوْسَع سَجَعَتْ، وقد كُشِفَ الغِطاءُ فأبْصَرَتْ ما ليس يُدْرَكُ بالعيونِ الهُجَّع وغَدَتْ مفارِقَةً لكُلِّ مُخَلَّفٍ عنها حَليفِ التُّرْبِ غيرِ مُشَيِّع وبَدَتْ تُغَرِّدُ فوقَ ذِرْوَةِ شاهِقٍ والعِلْمُ يَرْفَعُ كُلَّ من لم يُرْفَعِ فلأَيِّ شيءٍ أُهْبِطَتْ من شامِخٍ سامٍ إلى حُفَرِ الحَضيضِ الأوْضَعِ إنْ كان أرْسلها الإلهُ لحِكْمَةٍ طُوِيَت عنِ الفَطِنِ اللَّبيبِ الأرْوَعِ فهُبوطُها إنْ كان ضَرْبَةَ لازِبٍ لتكونَ سامِعَةً لِمَا لم تَسْمَعِ وتكونَ عالِمَةً بِكُلِّ خَفِيَّةٍ في العالَمينَ، فَخَرْقُها لمْ يُرْقَعِ وهي التي قَطَعَ الزّمانُ طَريقَها حتى لقد غَرَبَتْ بغَيْرِ المَطْلَع فكأنّها بَرْقٌ تَأَلَّقَ بالحِمى ثُمّ انْطَوى، فَكَأَنَّهُ لم يَلْمَع