تمر علينا الشهور والسنون دون فائدة.. ويتحول ذلك الحديث نحو مصب واحد يتفق عليه الجميع.. إنها مشاغل الحياة وزحمة الأعمال.. وتتوالى الأعذار الواهية.. فـتنفرج الأسارير وكل يجد بغيته.. ويلقي باللوم على غيره!! ولكن عندما رأيته كالجبل ثابتاً قوة ورسوخاً. أعمال ينجزها في أيام ومشاريع يفكر فيها في ساعات.. هو الذي يخطط ويكتب وينفذ.. ثم يتابع بدقة جميع الأعمال. هل عرفته؟! إنه شاب في مقتبل العمر.. مثل كثير من الشباب له وظيفة ولديه زوجة وأطفال ووالدة وأهل.. له مشاغل في الحياة وهموم في النفس.. له تلاميذ في الجامعة.. وله ابن يمرض وزوجة لها مطالب.. وسيارة تحتاج إلى إصلاح.. إنها متطلبات الزمن!!! ولكنه يختلف عنا بحياة في قلبه، وحرقة في كبده.. لقد نذر نفسه لخدمة هذا الدين.. فاتجه إلى خدمته عبر إحدى الهيئات والمؤسسات الخيرية.. شعلة من نشاط، وقبس من نور.. إجازته تكون متابعة أعمال المؤسسة في الخارج .. أعمال لا نهاية لها.. حدثني مرة أنه يستعد للبدء في رسالة دكتوراه!! ولم يكن يدور في خلدي أنه رغم هذه المشاغل والأعباء يلازم دروس العلماء بعد الفجر.. وأحياناً أخرى بعد صلاة المغرب إلا عندما أقنعني بالحضور وتعللت بضيق الوقت.. وفاجأني بأنه يحضر درس الشيخ العلامة بعد الفجر!! قلت في نفسي.. وعيني تتابع جسمه النحيل وبنيته الضعيفة.. يكفي منك عشرة.. يكفى أن تنجب أمهات المسلمين عشرة مثلك. لم يكن تعجبي يطال علماء الأمة ومشايخها فقد علمنا حرصهم على الوقت ومحافظتهم على دقائقه وثوانيه.. ولكن تعجبي أن هذا الشاب في مثل سني وسنك.. ورغم ذلك ركب المركب الصعب.. وبذل نفسه واستطاع أن يجمع بين الدين والدنيا!! ونحن- أخي الحبيب- فرطنا في الكثير.. وما عملنا إلا القليل. بقي أن نشمر سويّا ً، فالأبواب مفتوحة، وطرق الدعوة متعددة.. ومجالات العمل فيها تتناسب مع قدرات كل فرد قل تعليمه أو ارتفع. فكل في طريق.. وكل على ثغرة.. والقطرات تصب في نهر لتجتمع وتروي ظمأ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. دعوة وإغاثة وإصلاحاً تتألم وأنت ترى شباب الأمة تضيع أيامه وتهدر أوقاته.. وهي أوقات غالية نفيسة تشترى بالمال!! أخي الحبيب.. هل من مشمِّر ؟!