معلش يا زهر

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : نوارة نجم | المصدر : dostor.org

لم أتحمل أن أجلس في منزلي أشاهد الأغراب - مع كامل احترامي للتضامن الإنساني - يموتون من أجل أهلنا الذين تربطنا بهم صلة دم ولغة وحدود وتحليل حامض نووي أيضا. يبدو أنني لم أكن الوحيدة التي وقعت في هذا الحرج. خرجنا في قافلة فك الحصار عن غزة يوم 11 يونيو 2010، لم تكن المرة الأولي، لكننا كنا أكثر إصرارا علي الدخول.

أخبرونا بأن المعبر مفتوح، فصدقناهم، وزاد من تفاؤلنا أن الطريق كان مفتوحا بشكل مريب، وبدت نقاط التفتيش، التي كانت تعترضنا في السابق، مهجورة. وصلنا إلي المعبر فقالوا لنا: ده احنا مش بس حاندخل اللي معاه باسبور، ده كمان اللي معاه رقم قومي حايدخل! ثم أخبرونا بأن غازي حمد من حماس يشكرنا علي هذه الزيارة ويطلب منا أن نأتي في أي يوم آخر غير الجمعة، لأنهم يستعدون لزيارة عمرو موسي! وانتوا عارفين بقي الجمعة بنحمي العيال، ونغسل الغسيل، وننضف تنضيفة الأسبوع، والراجل بيبقي قاعد في البيت.

نزل علينا الخبر كالصاعقة، حماس لا تريد استقبالنا؟ أجري بعضنا اتصالات بمسئولين من حماس، فنفوا كل ذلك، واتصل فوزي برهوم بالصحفية أميرة هويدي وأخبرها بأن مسئولي حماس في انتظارنا.

أصر أعضاء القافلة علي الدخول، وقرر حوالي نصفنا المبيت في العراء حتي يفتحوا لنا المعبر في الصباح الباكر، بينما اضطر البعض للعودة لأسباب قهرية. لا أعلم لماذا اعتبرنا الباعة المحيطون بالمعبر كائنات فضائية، ربما لأن المصريين لم يتعودوا علي المبيت أمام المعبر، فالتفوا حولنا يسألوننا بعض الأسئلة وهم يبتسمون ابتسامات غير مفهومة. وما أقولكش بقي علي المبيت أمام المعبر: الأسفلت ساخن والجو بارد، وصاحب المقهي المجاور يرفع صوت التليفزيون كأعلي ما يكون. لكنني كنت سعيدة، ولاحظت أن كل من بات أمام المعبر كان سعيدا، كان لدينا أمل حقيقي في دخول غزة، ولم ننس أن نلوم أنفسنا: ما احنا جينا متأخر شوية برضه يا جماعة. الغريب أن معظم من باتوا علي الأسفلت كانوا لا يحملون جواز سفر، أي أن نسبة دخولهم إلي غزة قليلة جدا، إلا أنهم أصروا علي المبيت ليمكنوا من يحمل جواز سفر من الدخول.

في اليوم التالي، ابتسم لنا مسئولو المعبر: إن شاء الله.. استنوا شوية.. هو احنا مش قلنالكوا الفلسطينيين مش عايزينكوا؟ آه.. اتصلتوا بيهم.. آه.. طب ارتاحوا شوية.. وأخيرا أخبرنا ضابط مصري علي الحدود بالآتي: بصراحة بقي إسرائيل مش موافقة، واحنا ما نقدرش ندخلكوا من غير ما توافق، وآدي احنا بنتفاوض معاها، قد يأخذ الأمر ساعة، يوم، شهر! تهدل فكي الأسفل حتي وصل إلي قفصي الصدري من الاندهاش: إسرائيل مش موافقة؟ إسرائيل تعرفنا، وكمان مش عايزانا؟ ثم هذه حدود بين مصر وغزة، بأي سلطة ترفض إسرائيل أو توافق؟ أجابني المهندس محمد سيف الدولة: بسلطة اتفاقية فلاديلفيا التي تشترط علي مصر التنسيق مع إسرائيل فيما يخص الحدود.

الإسرائيليون يدخلون طابا بالبطاقة، ونحن نبيت ليلنا أمام غزة نراها من بعيد ولا نملك الدخول إليها، لأن إسرائيل لا توافق علي دخولنا.

معلش يا زهر.