لكل دافع لدى الإنسان غرضه، فإذا قام الإنسان بالسلوك المحرَّك بالدافع قيل عن السلوك إنه موجه بغرض. وقد يكون الغرض واضحاً، وقد يكون غير واضح. ويتم إشباع الدافع بوصوله إلى غرضه، في بعض الأحيان، وقد يمتنع ذلك، في بعض الأحيان، بسبب عائق، وتكون النتيجة شعور الإنسان بالخيبة وبضيق يرافقها. في مثل هذه الحالة يقال إن الدافع قد أحبط، أو إن سلوك ذلك الإنسان قد أحبط. ولما كان الدافع، والسلوك الموجه به، والنتيجة الناجمة عن الإعاقة، تؤلف كلها عملية نفسية متكاملة، اتجه استعمال مصطلح «الإحباط» frustration نحو الدلالة على كامل العملية، أي إنه يدل على حالة الحبوط لدى الإنسان من حيث الدافع والسلوك الذي ظهر لديه.وحين تؤخذ هذه العملية المتكاملة ومعها الظروف المحيطية فإن المصطلح الذي يغلب استعماله عندئذ هو «الموقف الإحباطي» . والإحباط حادث يمر به الحيوان كما يمر به الإنسان، والمصادر التي تعتمد في جمع المعلومات عنه هي الملاحظة والتجريب في الحالين. تتجه الملاحظة مثلاً نحو التلميذ وقد جاءت نتيجة الامتحان سيئة خلافاً لما توقع، أو نحو طالب العلم وهو يقرأ في لوحة الإعلانات ما يدل على أن طلبه لم يحظ بالقبول، كما تتجه نحو القط الجائع الذي يمنع من الوصول إلى طعام تراه عينه، أو الحصان الذي يمنع من الخروج من حظيرته وقد فتح بابها وحان وقت خروجه. أما التجريب فقد ينظم لدراسة الإحباط الذي يمكن أن يحدث مثلاً لدى مجموعات من الشباب منع عنهم عرض تمثيلية بعد أن وعدوا بذلك، أو لدراسة الإحباط لدى فأر اشتد به العطش وهو يمنع، مرة تلو المرة، من الوصول إلى مصدر للماء. والعائق الذي يؤدي إلى الإحباط قد يكون خارجياً يقع في محيط صاحب السلوك وقد يكون داخلياً. فإذا كان خارجياً فمن المحتمل أن يكون مادياً، مثل باب مغلق يمنع الطفل من الخروج، أو أن يكون جسدياً، مثل وجود عيب في قدمي طفلة يمنع قبولها للتدريب على رقص الباليه وهي ترغب كثيراً في ذلك، أو أن يكون اجتماعياً مثل موقف الآخرين من لون البشرة لدى طالب عمل في مجتمع ما يزال يتأثر بالفروق في لون البشرة لدى قبول العمال. وحين يكون العائق داخلياً فيحتمل أن يكون في شعور الفرد بضعف في قدراته، أو في ثقته بنفسه، أو في توقعه حدوث الإعاقة، ويقدم الطلاب الذين يرغبون في الانتساب إلى كليات الطيران أمثلة متعددة على الاحتمالات الثلاثة. إن تحليل كل حالة من حالات الإحباط يدل على وجود الدافع والسلوك والإعاقة التي تعوق إرضاء الدافع، كما يدل على وجود شعور بالضيق، وشعور بوجود تهديد ناجم عن عدم تلبية غرض الدافع أو الحاجة التي يعبر عنها. ومن هذه الزاوية يمكن تعريف الإحباط بالقول: إنه حالة نفسية تحدث حين يُعوّق سلوك موجه بغرض أو هدف، أو إنه العملية التي تتضمن إدراك الفرد وجود عائق (أو توقع وجود عائق) يعوق إشباع دافع لديه إدراكاً يرافقه شعور بالتهديد. ومع أن الإحباط ينطوي على امتناع إرضاء دافع، وأن الحرمان ينطوي كذلك على مثل هذا الامتناع، إلا أن بين الحالين اختلافاً يدعو إلى التفريق بينهما. فالإحباط مرتبط بوجود عائق، أو توقعه، أما الحرمان ففيه امتناع وجود الوسائل التي تؤدي إلى إشباع الدافع. فالإنسان الذي يشعر بالجوع الشديد في الصحراء، وليس هناك ما يأكله، يشعر بالحرمان، أما إذا كان الطعام أمامه ويستطيع القيام بالسلوك الموصل إليه، ولكنه يمنع من ذلك، فإن ما ينتهي إليه جوعه في النهاية هو الإحباط. أشكال الإحباط: الإحباط على أشكال، والتمييز بينها قائم على المنطلق المعتمد في التمييز. فالإحباط قد يكون فردياً وقد يكون جماعياً حين ينظر إليه من ناحية من يقع عنده الإحباط: فهو فردي حين يقع عند فرد واحد، وجماعي حين يحدث لدى جماعة توجد بين أفرادها روابط خاصة كما هو الحال لدى جمهور فريق كرة القدم حين ينهزم فريقهم خلافاً لما كانوا يتوقعون أو يأملون. ويكون الإحباط داخلياً في حالات وخارجياً في حالات، وذلك حين ينظر إليه من زاوية مصدر الإعاقة، فإذا جاءت الإعاقة من داخل الشخص، مثل الشعور بضعف القدرة أو مثل توقع الإعاقة، سمي الإحباط الداخلي. أما إذا جاءت الإعاقة من الشروط المحيطية، المادية أو الاجتماعية، فإنه يسمى الإحباط الخارجي. وهذه الأشكال الأربعة المذكورة هي ما يغلب الحديث عنه. ولكن هناك احتمالات أخرى لدى باحثين آخرين تشير إلى إمكان التمييز بين إحباط وآخر انطلاقاً من الفئتين الكبيرتين للدوافع، الدوافع الأولية والدوافع الثانوية، أو من درجة التهديد الذي ينطوي عليه الإحباط. آثار الإحباط يكون الإحباط على درجات من حيث شدته، أي من حيث وقعه على صاحبه.ويغلب أن يكون الإحباط ضعيفاً إذا كان الدافع المحبط ضعيف القوة، وأن يكون من شدة عالية إذا كان الدافع المحبط عظيم القوة، وكان الغرض الذي يسعى إليه المرء بالغ الأهمية. والإحباط الضعيف ذو أثر بسيط في صاحبه، ولكن الإحباط العظيم الشدة يترك أثراً بالغاً في صاحبه. سرعان ما تظهر نتائجه. وانطلاقاً من وجوده إحباط ضعيف من طرف وإحباط عظيم الشدة من طرف آخر، ومن وجود درجات بين الطرفين، جعل الإحباط موضوع قياس في حالات كثيرة بنيت فيها مقاييس نفسيه خاصة للكشف عن درجة شدته. يحدث في حالات أن يمر زمن غير قصير بين إحباط وآخر يحدثان لدى الفرد الواحد، ويكون الارتباط بينهما غير قائم أو يكون ضعيفاً جداً.ولكن يحدث، في حالات أخرى، أن تتوالى الإحباطات لدى الفرد وأن تتراكم آثارها فيؤدي تراكمها إلى أشكال من السلوك لا تتناسب وشدة الإحباط الأخير، فيبدو كأن «الكيل قد طفح» أو أن الإحباط الأخير هو «القشة التي قصمت ظهر البعير» . تأخذ الآثار التي يخلفها الإحباط أشكالاً متعددة سواء أكان إحباطاً واحداً شديداً أم تراكم إحباطات. ومن هذه الآثار شعور الفرد بشيء من الغم أو الكرب، وقد يغدو هذا الشعور شديداً حين يرى الفرد أن الغرض الذي أخفق في الوصول إليه ينطوي على خسارة فادحة، ولا يستغرب، في حالات شديدة من هذا النوع، كوقوع خسارة بالغة بتاجر كان ينتظر الربح الوفير، أن تؤدي آثار الإحباط إلى اضطراب نفسي يمكن أن يكون شديداً. والنظرة العلمية إلى آثار الإحباط عندئذ هي أن هذه الآثار تقع بين العوامل المتسببة في حدوث ذلك الاضطراب. ومن الآثار التي يكثر وقوعها لدى الأفراد بنتيجة الإحباط القيام بسلوك عدواني. ولهذا السلوك العدواني عدة أشكال منها إيقاع الأذى بالأشخاص أو الممتلكات أو بالأشياء المادية الأخرى. وقد يكون العدوان رمزياً يظهر في الشتائم أو في حركات رمزية عدوانية مثل نظرات التوعد. وكثيراً ما لوحظ أن أباً يعاقب ابنه من غير خطأ ارتكبه الابن ويتضح، بعد تحليل الموقف، أن طعام الغداء لم يكن جاهزاً في البيت في وقته المعتاد. وكثيراً ما لوحظ إغلاق العامل باب مكتب مديره بعنف حين يخرج من المكتب ولم يحقق المدير له ما طلب. وتجدر الإشارة هنا إلى كثرة تكرار أشكال العدوان الذي يتجلى في سلوك جمهور فريق كرة القدم حين يخرج الفريق منهزماً. إن شدة الارتباط بين الإحباط والعدوان، التي ظهرت في دراسات متنوعة، جعلت عدداً كبيراً من علماء السلوك يقولون «فتش عن الإحباط وراء العدوان» . ومن الممكن أن يقود الإحباط صاحبه إلى الاستسلام أو اليأس ولاسيما حين يكون عظيم الشدة، كما يمكن أن يقود صاحبه إلى واحدة أو أكثر من تلك الوسائل الدفاعية النفسية التي تسمى «وسائل الدفاع الأولية» أو«وسائل الدفاع اللاشعورية» أو آليات الدفاع النفسي. فكثيراً ما يلاحظ الإحباط على الطفل الدارج عند انشغال الأم عنه بابنتها الرضيعة، وقد يدفع هذا الإحباط الطفل ابن السادسة إلى طلب تناوله الحليب من زجاجة الإرضاع كما تفعل أخته الصغيرة، وهذا السلوك النكوصي يشبه السلوك النكوصي لدى سيدة في الستين من عمرها وهي تحاول الأخذ بسلوك يخص ابنة العشرين. وقد تكون وسيلة الدفاع الأولية الغرق في أحلام اليقظة. وثمة جانب آخر تتجه إليه آثار الإحباط وهو الدافع المحبط ذاته. فقد دلت الملاحظة، كما دل التجريب، على أن الإحباط الضعيف، أو الشديد، قد يؤدي إلى دعم الدافع المحبط وتعزيزه فيزداد شدة وتزداد محاولات صاحب الإحباط القيام بأشكال جديدة من السلوك لإشباع غرض الدافع الأول. ويحدث ذلك، بوجه خاص، لدى من تكون ثقته بنفسه كبيرة. ولكن الإحباط البالغ الشدة قد يؤثر في الدافع تأثيراً سلبياً فيضعفه ويتجه الفرد عندئذ نحو الاستسلام. توظيف الإحباط اتجهت دراسات نفسية تطبيقية متعددة إلى بيان إمكان الإفادة من الإحباط في بعض الآثار التي يخلفها، ولاسيما ما يتصل منها بتعزيز الدافع المحبط. ومن هذه الدراسات دراسات في التعلم والتعليم ودراسات في الحرب النفسية. فقد ألحت دراسات في التعلم والتعليم على ضرورة الإفادة من صعوبة المسألة التي يستهدفها التعليم لتتحدى المتعلم تحدياً يدفعه إلى مزيد من محاولات إيجاد الإجابة السليمة، ويحميه من الاستسلام أو قبول الإخفاق. ومن هنا جاء القول: «اجعل صعوبة المسألة ليكون الإحباط الناجم عن إخفاق المحاولة الأولى في إيجاد الحل حافزاً لمزيد من المحاولات، ثم يكون في جملة ما تنتهي إليه هذه المحاولات إيجاد الحل والتعلم المكين» . ويتجه مثل هذا التوظيف إلى تربية المبدعين وضرورة دعم ثقتهم بأنفسهم وتكرارهم المحاولات لكشف الجديد أو ابتكاره. وقد ألحت دراسات أخرى على مكانة الإحباط في الحرب النفسية، ولاسيما العدوان الذي يمكن أن ينتهي إليه الإحباط. وفي توظيف الإحباط هنا حالان: أولهما توظيف الإحباط لدى المقاتل ليكون أكثر قوة في الهجوم وفي الدفاع عن مقدساته وشعبه أمام عدو يهاجم. وثانيهما زيادة الإحباط لدى أفراد العدو وجماعاته كي ينقلب إلى سلوك عدواني موجه إلى قياداتهم أو ممتلكاتهم. ويبلغ الإحباط أوجه في هذه الحالة حين يصيب الأفراد والجماعات في طريقة تنظيمهم وتزويدهم بالمعدات والطعام ويصيب طريقة الاتصال بأهلهم. وفي الحروب والثورات الداخلية أمثلة كثيرة على عدوان نال القيادات والممتلكات بسبب أشكال من الإحباط أصابت الدوافع والسلوك لدى الأفراد أو الجماعات.