الفاينانشال تايمز - ريكاردو كباليرو وفرانسيسكو جيافازي : اليورو آخذ في الانهيار، فهل يعني هذا أن مشروع العملة الواحدة يقترب من نهايته؟ ليس تماماً. الحقيقة هي أنه إذا أحسنت إدارته، فإن انخفاض اليورو هو المطلوب تحديداً لتكملة الاندماج المالي الذي تمس الحاجة له في اليونان وفي بقية بلدان جنوبي أوروبا. ولعل من المفارقة أن ضعف اليورو شرط مسبق لبقائه. إن للأسواق طرقها الخاصة في إيصالنا إلى المكان الصحيح، رغم أنها لا تفعل ذلك دائماً بالشكل الأقل إثارة للفوضى. فهي تتسبب في انخفاض قيمة اليورو بدافع الخوف أكثر من كونها تفعل ذلك مدفوعة بفهم أن الحل يكمن في انخفاض قيمته. لكن ينبغي أن نفهم أن الهدف نبيل ولا يشكل مأساة. ويرجع الأمر إلى صانعي السياسات لتحسين ما تتسم به الأسواق من سلوك أخرق يتم بشكل طبيعي في الأوقات التي تستشري فيها الفوضى. إن أول المستفيدين من ضعف اليورو هي بلدان أوروبا الجنوبية التي أدت متاعبها إلى إثارة الشك حول مستقبل الاتحاد النقدي. لقد كانت اليونان في لب الأزمة، لكن إسبانيا والبرتغال وإيطاليا عرضة هي الأخرى لفقدان قدرتها التنافسية بصورة حادة. ويمكن لليونان أن تسلك أحد سبيلين: أن تكرر ما فعلته إيرلندا عام 1982، أو إيرلندا عام 1987. ففي خضم ركود عميق وتنامي الدين العام بمعدل 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، أقدمت إيرلندا على تقليص ميزانيتها. وكانت النتيجة أن تفاقم الركود وتصاعدت وتيرة نمو الدين. وحاولت دبلن مرة أخرى عام 1987. وهذه المرة حققت مساعي تقليص العجز والديون التراكمية نجاحاً كبيراً. وبحلول عام 1989 كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تنخفض وكان الناتج ينمو بمعدل 4 في المائة سنوياً. فما الذي يفسر الفرق بين القصتين؟ يتمثل أحد الأسباب في تركيبة التصحيح المالي الذي كان في غالبته زيادات ضريبية في 1982، ومزيداً من عمليات خفض الإنفاق بعد خمسة أعوام . إن حزمة الإنقاذ الأوروبية تشبه الاستقرار الذي حققته إيرلندا. غير أن هناك فرقاً مهماً آخر بين المحاولتين اللتين قامت بهما إيرلندا. فقد ترافقت المحاولة الأولى مع ارتفاع قيمة عملة البلد punt، في حين أنه في 1987 وقبل الاستقرار الناتج مباشرة، انخفضت قيمة العملة بنسبة 11 في المائة. وحدث الشيء نفسه في إيطاليا في تسعينيات القرن الماضي، أثناء الاستقرار المالي، قبل الانضمام إلى اليورو، وحدث أيضا في الأرجنتين عام 2001. لكن كيف يمكن لليونان أن تحقق ذلك في ظل قيود اليورو؟ بما أن اليونان جزء من منطقة اليورو، فكثيراً ما يُفترض أن البلد محكوم عليه باستعادة قدرته التنافسية بطريقة صعبة عبر الركود والانكماش. لكن هذا ليس صحيحاً تماماً، فلدى اليوور مجال واسع للانخفاض مقابل عملات الولايات المتحدة والأسواق الناشئة. بالنسبة إلى منطقة اليورو ككل، لن يكون لهذا الانخفاض أثر مباشر كبير، لأن معظم التجارة تجري داخل المنطقة. لكن كما لو كان الأمر مصادفة، الحال ليس كذلك مع اليونان. ذلك أن 65 في المائة من الصادرات اليونانية تذهب إلى بلدان خارج منطقة اليورو. وحتى لو شملنا السويد والمملكة المتحدة في ذلك، وهما بلدان يمكن لعملتيهما أن تلقيا بظليهما على انخفاض اليورو، فإن تلك النسبة تظل 50 في المائة، وهي نسبة عالية. إن انخفاضاً لليورو بنسبة 30 في المائة يمكن أن يخفض العجز التجاري اليوناني بشكل كبير ويعزز الصادرات. والسبب في ذلك أن السياحة تشكل 70 في المائة من الصادرات الإجمالية لليونان. والسياحة لديها حساسية عالية تجاه الأسعار وواحد من كل ثلاثة زائرين لليونان يأتي من خارج منطقة اليورو. ومن حسن طالعهم أن معظم السندات اليونانية مقومة بعملة واحدة هي اليورو. وهذا يزيل عقبة رئيسية أمام استخدام تخفيض قيمة العملة أداة تعاف على اعتبار أن ارتفاعاً حاداً للديون، على نحو ما حدث في الأرجنتين، لا يعتبر مدعاة للقلق. وثاني أكبر مستفيد من تخفيض اليورو هي ألمانيا، نظراً لكون 40 في المائة من صادراتها تتوجه إلى بلدان خارج منطقة اليورو، وهي ليست بحاجة إلى مزيد من مكاسب التنافسية، أو زيادة على صعيد صافي الصادرات. وهكذا، فإن بإمكانها الاستفادة من هذه الميزة لزيادة الطلب المحلي. وسيمنح ذلك دعماً إضافياً لصافي صادرات المناطق الضعيفة ضمن منطقة اليورو، الأمر الذي يضخم الدور العلاجي للتخفيض. على السياسيين تسهيل تخفيض اليورو بدلاً من محاولة منع ذلك. ومن شأن التدخلات سيئة التوجيه من جانب البنك المركزي الأوروبي أن تكون المسمار الأخير في نعش اليورو. ويجب تخفيض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها، وأن يتعهد البنك المركزي الأوروبي بأن يبقيها متدنية لفترة طويلة. وعليه أن يفعل بذلك ليس بديلا عن التعديل المالي المطلوب، بل دعما له. ريكاردو كاباليرو أستاذ اقتصاد في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وفرانسيسكو جيافازى أستاذ اقتصاد في جامعة بوكوني في ميلانو، وأستاذ زائر في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.