يا لها من مفارقة. الاسبوع الماضي تحولت الجزيرة الي حائط رجم في الاعلام والصحافة بعد الكشف عن واقعة استقالة المذيعات الخمس نتيجة تعرضهن لانتقادات تتعلق بالحشمة في الملبس. لكن الاسبوع ذاته شهد نشر مجلة الايكونوميست البريطانية مقالا وصفت فيه القناة بأنها الاكثر نفوذا في الاعلام العربي, وأنها ترتقي من نجاح الي نجاح. الجزيرة منذ ظهورها عام1996 لم تسلم من الانتقادات وحملات التشويه المشككة في تمويلها وأهدافها ومصداقيتها ليصل الأمر الي اعتبارها أداة إسرائيلية أو أمريكية واتهام آخرين لها بالانحياز للقاعدة وحماس. وهي حسب هؤلاء جميعا أداة قطرية. وللأسف الشديد, تغلبت الاغراض السياسية والايديولوجية والغيرة المهنية علي الموضوعية والنزاهة في هذه الانتقادات التي لم تلتفت اليها القناة كثيرا. لكن الجزيرة مطالبة الآن بوقفة مع النفس تعيد النظر من خلالها في بعض ممارساتها وتوجهاتها وربما استراتيجيتها لأن ما حققته من انجازات يحتم عليها ألا تسمح لأحد بتبديده. فلا يصح مثلا ان تتحول مؤسسة اعلامية تطالب العرب بالشفافية والديمقراطية الي نموذج صارخ في السرية والانغلاق حتي ان احدا من مسئوليها لم يتكرم باصدار بيان حول ما حدث في قضية المذيعات التي لم تكن الوحيدة التي مارست فيها القناة هذا السلوك. ونظرة سريعة الي تعامل الـ بي.بي.سي مع هذه المسائل يتبين كم ان الفارق شاسع. ثم إن القناة التي ترفع شعار الرأي والرأي الآخر لا تخجل من التغاضي عنه أحيانا.. وتغطيتها لأزمة موقع اسلام اون لاين مؤخرا كانت مؤسفة اذ ظهر فيها الانحياز لمجلس الادارة علي حساب العاملين بالموقع. اما الانحيازات السياسية والايديولوجية للادارة وبعض العاملين فهي واضحة, لدرجة أنهم لا يبذلون جهدا في تغليفها بطابع مهني. فليس من الموضوعية تغييب أطراف في الحوارات حول قضايا معينة, وليس من العدالة الاستغناء عن أو عدم توظيف اعلاميين لأن توجهاتهم مختلفة عن قيادة القناة وهناك حاجة لتذكير بعض الاعلاميين بالقناة أن آراءهم يمكن ان يقولوها في مقال صحفي وليس في برنامج يقومون فيه بدور المذيع المفترض انه علي مسافة واحدة من ضيوفه. لقد كانت الايكونوميست نفسها هي التي قالت من قبل ان الجزيرة تعطي العرب شعورا بالوحدة أكثر من الجامعة العربية, واذا أرادت القناة ان تطمح لذلك, فان عليها التخلص من الأمراض العربية التي تقول انها تحاربها وهي الشللية والسرية والشعوبية والسهو احيانا عن الموضوعية.