كلام عمرو موسى من يومين يستحق وقفة عربية جادة لا تحمل معها بيانات أو وعوداً وهمية، فالرجل كان شجاعاً وهو يقولها بصراحة «علينا أن نغير أسلوبنا فى الرد على إسرائيل..» هو يعلم أن الأمة العربية لا تملك إلا الاحتجاج وبيانات الشجب والاستنكار. من حقه أن يطالبنا الآن بأن نعيد النظر فى أسلوب الرد على إسرائيل.. كلامه لا يتحقق إلا بتوحيد صفوفنا وبناء جيش عربى قوى تشترك فيه كل الدول العربية.
وهنا ما الذى يضرنا فى فتح باب التطوع فى جميع البلاد العربية واستثمار غضب الشارع العربى باختيار أكثر من مليون متطوع لبناء هذا الجيش؟ جيش إسرائيل لا يزيد تعداده على مائة ألف جندى ومع ذلك أصبحت بعبع المنطقة العربية بالمعدات الحربية الأمريكية التى تملكها..
مع أن الدول العربية تملك فى مخازنها ترسانات حربية كاملة تصلح لتسليح جيش عربى موحد، وساعتها نكون نداً لإسرائيل تعمل لنا ألف حساب لأنه ليس من المعقول أن دولة مثلها تعدادها ٩ ملايين نسمة وتتحدى أمة عربية تعدادها أكثر من ٣٠٠ مليون نسمة لا تنصاع إلى قرارات مجلس الأمن ولا للنداءات الدولية.. أمريكا تساندها سراً وتعاتبها علناً وهى تحاول أن تفرض الهيمنة الأمريكية على العالم..
وقد رأيناها فى حرب العراق وهى تنتهك حقوق الإنسان.. تقتل النساء والأطفال.. وتعذب الرجال فى السجون والمعتقلات ولم يحاسبها أحد، أبشع أنواع التعذيب وكم من جرائم لقتل النفس قامت بها قواتها فى العراق ولم تجد من يردعها.. فهل التى ترتكب الجرائم ضد الإنسانية نستطيع أن نتصدى لحليفتها إسرائيل؟
كفانا ضحكا على الذقون.. وكفانا ضحكاً على أنفسنا.. فقد ذهب «بوش» وجاء «أوباما» وتحمس وشمر عن ذراعيه وهو يتوعد إسرائيل لوقف بناء المستوطنات.. وللأسف لم تستجب إسرائيل وتحدت العالم واستمرت فى بناء المستوطنات.. فهل نطلب من «أوباما» بعد هذا الموقف أن يعنف إسرائيل على العمل اللا أخلاقى مع نشطاء السلام، إن ارتكابها الفعل الفاضح فوق سفينة «الحرية» يؤكد تحديها للعالم بما فيه أمريكا.. هى تعرف جيداً عواقب هذا العمل الإجرامى ومع ذلك خططت له.. بعد أن تحدت كل القوانين الدولية.. والمبادئ الإنسانية.. هى تعرف أن هذه السفينة تحمل أدوية وأغذية لشعب غزة المحاصر.. شعب لا يجد شربة ماء ولا كسرة خبز..
ومع ذلك لم ترحم ولا تترك رحمة السماء تنزل، ٦٠٠ ناشط من أنحاء العالم جميعهم هدف واحد.. مع الاختلاف فى اللغة.. والهوية.. والعمر.. ومع ذلك كان شعارهم هو حق الإنسان فى الحياة.. لقد خرجوا من بلادهم بهدف فك الحصار عن أهل غزة، وإذا بهم الآن يطالبون العالم بفك الحصار عنهم بعد أن سقطوا فى قبضة إسرائيل.
لماذا نصبح ملطشة لعدو فاجر، لا يحترم العالم.. والشعوب العربية قادرة على تهذيبه وتأديبه، فنحن لم نعترض عندما قامت أوروبا بتشكيل حلف الناتو وأعلنت أن هذا الحلف للردع وليس للاعتداء أو الهجوم، لماذا لا يكون جيشنا العربى مثل «الناتو» على الأقل لن تعارضنا أوروبا إن عارضتنا أمريكا.. وساعتها مصر لن يهمها من يقود هذا الجيش أو أى بلد يكون مركزه.. لأن البلد الذى دفع بأرواح رجاله المصريين يهمه أن ينتصر الشعب الفلسطينى ولا يهمه أن يكون صاحب الريادة، فالعالم يعرف تضحيات مصر والمصريين منذ حرب ٤٨ إلى يومنا هذا..
فقد تكون الفرصة الآن لبقية الدول العربية فى أن يكون لها دور مثل مصر فى حروبها مع إسرائيل.. إن اشتراك هذه الدول فى الجيش العربى أصبح ضرورة لإثبات حسن النوايا لهذه الدول فى اقتناعها بقضية فلسطين.. بعد أن أخذت هذه القضية من الدول العربية سنوات وسنوات وكلها شجب واستنكارات والقضية لاتزال فى مياه راكدة لا تتحرك ولم تر بصيص أمل أو ثقباً من نور..
إذن الحل فى أيدينا.. وأرجو أن يكون اقتراح بناء «جيش عربى موحد» على رأس جدول أعمال مؤتمر القمة القادم.. نريد مؤتمرات يتم تفعليها.. فإسرائيل تريد من هو أقوى منها لتأديبها وتركيعها.. لا للمفاوضات.. ولا للحوار.. فهى لا تحترم من يفاوضها.. فكم من المفاوضات أجرتها مع الجانب الفلسطينى وكالعادة كانت تركب رأسها ونغلق ملف الحوار.. وكم من فرص السلام اتحناها لها..
ومع ذلك بددتها.. تكفى مبادرة السلام للملك عبدالله بن عبدالعزيز وهى فرصة العمر لها خاصة أنها تأتى من خادم الحرمين الشريفين لدولة العدو.. وللأسف لم نجد من ينير لها الطريق لا الأمريكان ولا الأوروبيون وكأنهم يريدون إبقاء الحال على ما هو عليه.. من هنا ضاعت فرصة العمر وسحبت السعودية مبادرتها.. كم من الفرص أعطتها مصر لإسرائيل عندما كان اللواء عمر سليمان مثل المكوك بين مصر وبين إسرائيل يحمل مقترحات كثيرة تضمن أمن إسرائيل.. وأمن الأخوة الفلسطينيين.. ومع ذلك أضاعت إسرائيل فرصة الحوار بعد أن ركبت رأسها وكشفت عن وجهها القبيح بارتكابها أبشع الجرائم الأخلاقية.
إذن.. لا حل مع إسرائيل إلا بالقوة.. والقوة لا تأتى إلا بتوحيد الصف العربى.. فلم تعد هناك فرصة لأى دولة عربية فى أن تبحث عن الزعامة بعد أن أصبح واضحاً أن مصر والسعودية تعملان للقضية دون تطلع لأى دور لأن كلا البلدين يساندان الشعب الفلسطينى فى قضيته.. بدافع من ضمائر شعوبهما وحكامهما.. وقد آن الأوان للأمة العربية أن يكون لها دور فى ردع إسرائيل بجيش عربى موحد.. إذا نجحت فى بنائه.. وساعتها سوف نقول لعمرو موسى شكراً لقد صححت المسار يوم أن طالبتنا بإعادة النظر فى أسلوب الرد على إسرائيل.