هل ابنك واثق من نفسه ؟

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : أ. عبد اللطيف بن يوسف المقرن | المصدر : www.almostshar.com


هل ابنك واثق من نفسه ؟

 

أ. عبد اللطيف بن يوسف المقرن .

 

الثقة بالنفس أو عصا الثقة :

إن الفرد يُعتبر مجموعة نجاحات متتابعة , فكل فرصة ينجح فيها الفرد في أداء سلوك ما , تعتبر نقطة إيجابية تضاف لرصيده في الثقة بالنفس , وقد يكون قلة رصيد الفرد في الثقة بالنفس سبب في إخفاقه في إنجاز أي مهمة , أو سبب في إيجاد بعض الصعوبات النفسية التي قد يتعرض لها في مستقبل حياته عندما تزداد ضغوط الحياة عليه .

إنّ مقدار الثقة يتأثر بأسلوب التربية في الصغر، فالشدة والقسوة الفعلية أو اللفظية لها أثر سلبي .

إنّ كل فرد يريد القيام بعمل ما ، يحتاج لأمر يعتمد عليه بعد الله تعالى , وذلك الأمر هو الثقة بأنه قادر على القيام بما يريده , وعلى هذا فيمكننا أن نسمي هذا الأمر بالعصا التي يتكئ عليها ليستجمع طاقته وجهده للنهوض بالعمل المطلوب , سواء كان ذلك العمل صغيراً أو كبيراً .



إنّ تلك العصا قد يكون لها جذوة تضيء له طريق العمل الناجح الذي يختاره بنفسه .
قال تعالى : ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى )
سورة طه : 17- 18.
إنّ عصا الثقة وسيلة قوية للنجاح في أي سلوك أدائي . فهل يحمل ابنك تلك العصا ؟ أم أنّها قد كُسِرَتْ ، أو فُقِدَتْ ؟

ماذا نعني بالثقة بالنفس ؟

إنّ الثقة بالنفس معناها :

أن يكون لدى الفرد شعور كافٍٍ بأنه قادر على النجاح في هذا الأمر الذي يرغب القيام به .
إنّ الحاجة للثقة بالنفس تتبين عند التفكير في القيام بسلوك ما , وعند البدء في تنفيذه , حيث أن هناك لحظة حاسمة في الإقدام على السلوك أو الإحجام عنه , وهي عندما يقترب وقت البدء لتنفيذ السلوك المعين ، فعندها يظهر أثر ومقدار الثقة الذي يتمتع به الفرد , فإن كانت الثقة كافية فإنّ الفرد سيقدم على تنفيذ السلوك المراد ، وإن كانت ناقصة ارتبك وتردد ، وأحجم عن التنفيذ , فهو بهذا كأنه يحول الثقة الذاتية إلى عكاز يعتمد عليه في القيام بالسلوك .

قد يكون الذي مع ابنك هو ثقة العصا وليس عصا الثقة ، أي قد تتحول عصاه التي يحملها إلى عصا وقتية توجد مع الإكراه على الفعل ، مما قد يفقده ميزة إعتماده الإختياري على عصا الثقة التي هي من أسباب النجاح في الحياة .

إنّ الفرق بين الأولى والثانية ، أنّ الحالة الأولى مع الإكراه والقسر والشدة التي قد تمارس مع الصغير - حال توجيهه للفعل المطلوب منه – قد تُفقده عصا الثقة وتوجد لديه ثقة مهزوزة غير حقيقية ، يمكننا أن نسميها ثقة العصا , أمّا في الحالة الثانية ، فهي الوضع الطبيعي للفرد الذي يتمتع بثقة عالية .


كيف تُُوجد عصا الثقة لدى ابنك ؟

يتم إيجاد عصا الثقة من خلال :
1 - تعامل الفرد مع نفسه .
2 - تعامله مع الآخرين .
3 - تعامل الآخرين معه .
إنّ الفرد يميل إلى تصنيف الآخرين إلى عدة أصناف هي :

1 / المهم جداً : الوالدين المحبوبين ، غير العدوانيين بدرجة كبيرة , والمعلمين المحبوبين ، وبعض الأقارب المحبوبين وبعض الأخوة المحبوبين غير المنافسين له .
2 / المهم : الأقران غير المنافسين له بدرجة كبيرة , والمعارف الذين يتكرر تعامله معهم , وبعض الغرباء .
3 / غير المهم : الأخوة المنافسون , والأقران غير المحبوبين والمنافسين له , والغرباء .

أولاً : أفعال يمارسها الفرد ذاته مع نفسه :

إنّ الفرد يولد ومعه النظرة الإيجابية العالية للذات. وتمثل السنتان الأوليان المرحلة الأولى من عمر الفرد في إدراكه لقوة الشخصية , لذا يبذل جهوداً للتعرف على معاني مفردات ( أنا ) و ( لـي ) لأنهما تضيفان له شعوراً بالهوية الذاتية كفرد متميز مستقل عن الآخرين .
إنّ الفرد ينتبه ويعي بنفسه وبالعالم من حوله ، ويكون أول ما يعيه أهمية نفسه وذاته الإيجابية .

إنّ لدى الفرد قدرة فائقة على الاحتفاظ بنظرة إيجابية عن نفسه - لكن كثرة المواقف التي يتم فيها النفخ على جذوة الثقة تؤدي إلى خفوتها في نفس الفرد , لذا فكثرة التوبيخ والتقريع تكسر عصا الثقة في يده وهو ينظر – لذا فعليك أن تعلمه ، لا أن تعنفه ، فالتعليم والتوجيه للصواب يقوي عصا الثقة ، وأمّا التعنيف والتخويف فإنّه يكسرها , فإن كان لابد من التقريع والضرب فلابد من محاورته وإقناعه بأنه مُخطئ يستحق العقاب أو اللوم .

إنّ الأفراد الذين يمتلكون مشاعر إيجابية عن أنفسهم هم أكثر قدرة على تحديد اتجاهاتهم وأهدافهم ، وتوضيح نقاط قوتهم والتكيف مع النكسات والعقبات التي تواجههم ، كما أنهم يتقبلون عواقب أفعالهم بسهولة , وهم أقوى شخصية من سواهم , لذا فالتوجيه في حقهم خير من التوبيخ .

يميل الفرد إلى النظر للذات على أنها قادرة على القيام بأي فعل مهما صعب التغلب على تحديات الحياة وأنها تستحق النجاح والسعادة - يظهر ذلك جليا لدى الأطفال - لذلك نجد الفرد يميل دائماً إلى ما يشعره بالقوة والقدرة وينفر مما يخالف ذلك , وهو تصوّر ينمو لدى الشاب ويتطور من خلال عملية عقلية تتمثل في تقييم الفرد لنفسه ، ومن خلال عملية وجدانية تتمثل في إحساسه بأهميته وجدارته .

ويتم ذلك في نواح ست هي :-

المواهب الموروثة مثل الذكاء ، والمظهر والقدرات .
الفضائل الأخلاقية والاستقامة .
الإنجازات أو النجاحات في الحياة مثل المهارات والممتلكات .
الشعور بالأهلية ، والاستحقاق لأن يكون محبوباً .
الشعور بالخصوصية والأهمية والجدارة بالاحترام .
الشعور بالسيطرة على حياته .

تعاملاته مع جسمه ونفسه :
السعي لإفادة الجسم بالغذاء ...
وصيانته بالنظافة ...
وتزينه بالملبس ...
وتقويته بالنوم ...
وإبراز نفسه بالفعل الباهر والفائق والممدوح ...
وتطهير جسده من الدنس ونفسه من القبائح ...
وتعطير جسده بالطيبِ ...
وتزكية جسده بالتخلص من الفضلات ...
وإبعاد نفسه عن الخطر والألم ...
ومكافأة نفسه بإيجادها في مواطن السرور والأنس ...
- فرحه بالتكليف بالأعمال المختلفة .
- سعادته بالمدح والثناء لما يتصف به من صفات , أو ما يقوم به عمل ناجح .
- اغتباطه بمشاركته الكبار في الأعمال المهمة .
- زهوه بمحبة الآخرين له - المهمين له وغير المهمين -
- افتخاره بقدراته ومواهبه وإمكانياته وإنجازاته .
- حرصه على ممتلكاته وميله لتنميتها .

كل ذلك لبناتٌ تبني وتُنشئ ذاتاً موثوقاً بها ، مُعتزاً بها - وغير ذلك الكثير من الأفعال التي يقوم بها الفرد من أعمال أو مهام - شريطة القدر المناسب والسلامة من التأثير السلبي للكبار عليها ، وهي في نفس الوقت أفعال يومية للفرد تؤدي أدواراً طبيعيةً يوميةً مطلوبةً للفرد .

ثانياً : أفعال يمارسها الآخرون معه :

الأطفال يربطون شعورهم بالأهمية بمقدار الانتباه الذي يحصلون عليه من الآخرين وذلك بشكل منتظم .
لقد اتفق الباحثون والمختصون في تقدير الذات على أنه تعزيز جميع أوجه الحياة وذلك من خلال تمكين الفرد من زيادة إنتاجيته الشخصية والوفاء بمتطلبات علاقاته البين شخصية .
من خلال دراسة لـ ( 1730 ) أسرة ثبت أن هناك ثلاثة طرق منزلية تسهم في تكوين تقدير الذات هي :-

- الحب والعاطفة غير المشروطين .
- وجود قوانين محددة بشكل جيد يتم تطبيقها باتساق .
- إظهار قدر واضح من الاحترام للطفل .

لقد وُجِدَ أنّ استقبال أفعال الأطفال من قبل المحيطين بهم - في وقت مبكر - من التعامل معهم مثل ( بداية الكلام , بداية المشي ، إستخدام الحمام ) بردود فعل إيجابية وبتشجيع ، يجعلهم يكوِّنونَ ثقة جيدة بأنفسهم .


إنّ الخوف على الطفل أو حمايته الزائدة من الخطر عند بداية تعلم الكلام أو المشي يعطيه مزيداً من الشعور بفقد الثقة بنفسه ، كما أن جعل الطفل يمارس سلوكه المُشَاهَد والظاهري في مكان بعيد عن أعين الكبار ( الذين يقّيِمون ويشجعّون سلوكه ) يجعله يكتسب شعوراً بأنه غير مرغوب فيه أو أنه أقل أهمية من غيره , ومن هنا فلا ينبغي أن نطالبه بأن يذهب ليلعب بعيداً عنا لأننا نريد أن نرتاح من إزعاجه أو بحجة أننا نريد مزيداً من الهدوء .
إنّ الطفل الذي يغيب عنه أحد أبوية أو كلاهما بسبب العمل أو الانشغال بأمور الدنيا مع عدم محاولة تعويضه بأوقات أخرى للجلوس معه ، قد يؤدي ذلك إلى تكوُّنِ شعورٍ ناقصٍ بالهوية الذاتية ، وقد يجد الطفل صعوبات في المعرفة الدقيقة بجوانب قوته أو قصوره ، وقد يصعب عليه أن يشعر أنه فرد مهمٌ أو جديرٌ بالاحترام والسعادة .
تشير الدراسات إلى أنّ الأطفال الذين يفتقرون للانتباه والتغذية الراجعة من الوالدين لديهم مفهوم للذات أكثرُ تدنياً من غيرهم من الذين يتلقون استجابات كتغذية راجعة سواء كانت إيجابية أو سلبية .


أهم جوانب التعامل المطلوبة لتنمية الثقة بالذات :

1 - فتح الطريق المُيسر للأفعال الذاتية السابقة الذكر .
2 - أن يكون أول رد فعل لك عندما تلقاه الابتسامة مهما كان حاله وسلوكه , وأن تحرص على أن يبتسم هو لك عندما تلتقيان دائماً .
3 - بذل العطايا في الحاجيات غير الأساسية ( هدايا - أجهزة - أدوات مدرسية - ألعاب )
4 - حسن التعامل مع طلبات الفرد التي لا تلبي له ، وذلك بأن يبين له العذر في عدم إمكانية التلبية .
5 - السكوت عن أخطائه والتغاضي عن هفواته ، مع تحيُن الفرص المناسبة لتوجيهه وإعلامه بما يعينه على عدم تكرار تلك الأخطاء .
6 - حمايته من تعديات الآخرين ، والوقوف بجانبه إذا تعرض لشيء من ذلك , ومن المهم أن يطلب منه التسامح في مقابلة أخطاء الآخرين ، مع تذكيره بفضل العفو عن الناس ، والصبر على ما يكره ، وتعليمه أن لكل فرد نصيب من الأمور التي يكرهها ، ولابد له أن يصبر عليها .
7 - منحه الحب قولاً : بأن يسمع كلمات الحب منك ، وفعلاً : بأن يُمازح ويُضم ويُقبل ليشعر بأنه محبوب ومقبول ومُقدر بقيمة عالية لديك ، ولدى الكبار غيرك .
8- أن يُمْدَحَ حال فعلة لما يحسن ، أو عند تجنبه مالا يحسن ، فإن إمساكه عن الشر منقبة له ، يجب أن يمدح عليها ، و يُمْدَحَ كذلك عندما تسير أمور حياته الدراسية ، أو علاقاته المنزلية ، أو الاجتماعية في الحي بصورة طبيعية ، أو جيده ، فإن هذا يُعَدُّ إنجازاً يجب أن يُمْدَحَ عليه .
9- أن تبحث عن الأمور التي تتوقع أنه يستطيع إنجازها بنجاح ، فتعمل على تكليفه بها ، ثم تمدحه عليها.
10- أن تُسمع الزوار والأقرباء الثناء عليه بحضوره ، مع الحذر من توبيخه أو لومه أمامهم .
أن تتعامل معه بصورة فردية ولا تربطه بأخواته ، أي أجعل لكل ابن تعامل مستقل عن أخوته وذلك في جميع تعاملك معه فيما سبق ، ولا تربط تعاملك مع أبناءك بإجراء موحد إلا عندما يتطلب الموقف ذلك ، وليكن غالب التعامل معهم هو التعامل الفردي لأهمية ذلك في بناء الثقة الذاتية لكل منهم .
11- تعويده على الفأل الحسن والتفاؤل في جميع أموره يفيد في المحافظة على ذاته قوية وإيجابية .
الحياء له مساس بالتقدير للذات فصاحب التقييم العالي لذاته أميل للحياء من غيره فشجعه عليه .
الصدق له أثر على تقوية الثقة بالذات فهو يزيد فرص الفرد في إثبات ذاته وقوتها وإستقامتها , والكذب عكس ذلك .
12- تعويده الإحسان للناس ؛ لأن ذلك يترك في نفسه أثراً طيباً عن ذاته .
13- تجنب الإيذاء البدني والنفسي أو النيل منه بما يسوؤه إما بسبب غير مقنع, أو بدون سبب ( وهو الأسوأ ) .
إنّ بناء النفس البشرية أمر في غاية التعقيد ، فهو يحتاج إلى علم ، وإلى صبر ومثابرة ، ويحتاج قبل ذلك إلى توفيقٍ من المولى عز وجل ، فبذل وصابر واسأل الله العون والسداد .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .

 

 

 

المصدر : موقع صيد الفوائد .