لم تشهد مصر فى تاريخها الحديث، ولأكثر من قرن، عصراً ضربت فيه الدولة بقوانين البلاد عرض الحائط مثل العصر الحالى، بالإضافة إلى أنه قد تم طبخ العديد من القوانين سيئة السمعة لمساعدة النظام على قمع المصريين مستغلين فى ذلك الأغلبية، المعروف للجميع أنها مزورة ولا تمثل الشعب، وقد أدمنت الدولة الحكم بواسطة قانون الطوارئ وعن وعد الرئيس بأن القانون سوف يتم إلغاؤه لتعيش مصر حياة شبه طبيعية، وأصبح واضحاً للجميع أن هذا النظام لا يستطيع الحياة يوماً واحداً دون هذا القانون الذى يتيح للدولة أن تفعل ما تشاء فى من تشاء، وفى أى مكان وزمان دون قانون أو دستور أو حتى ضمير أو أخلاق. أصبحت القبضة الأمنية تحت هذا النظام وبهذا القانون تفوق أى خيال. أضرب مثلاً بالجامعة، لم يكن أحد يتخيل أن يدخل الأمن الجامعة المصرية، فأصبح الأمن ليس فقط داخلها وإنما حقيقة يديرها ويتحكم فيها. لقد تم لأول مرة فى تاريخ انتخابات نوادى أعضاء هيئة التدريس شطب المرشحين من الأساتذة بواسطة الأمن، وحدث ذلك فى جامعة القاهرة العريقة ثم فى جامعة المنصورة وغيرها. فى أبريل ٢٠٠٩ علق بعض الطلاب أوراقاً على الشجر أمام كلية التجارة فحُولوا للتحقيق وصدر قرار إدانتهم فى يناير ٢٠١٠ وعلموا بالعقوبة فى مايو ٢٠١٠ وذلك بحرمانهم من دخول آخر مادة فى امتحان نهاية هذا العام. وكانت القائمة المحرومة تضم طلبة قد تخرجوا فى العام الماضى وطالبا توفى فى حادث، هل هناك عنف وظلم وفوضى أكثر من ذلك؟ أنا حزين على ما يحدث فى جامعتى التى لم يكن يحدث فيها أبداً مثل هذه التجاوزات الرهيبة كما يحدث الآن، وكانت إدارة الجامعة قادرة على كبح جماح الأمن وإلغاء هذه العقوبات الظالمة، لقد كانت جامعة القاهرة دائماً أحسن حالاً وأكثر احتراماً للحرية الأكاديمية من غيرها. إن أى تقدم أكاديمى أو بحثى أو إنشائى فى جامعة القاهرة سوف يمحوه ويقضى عليه تماماً التخلى التام عن الحقوق الأكاديمية للأساتذة والطلاب التى يجب أن يكون هناك حد أدنى لا يجب تجاوزه فيها. لقد اختفت سلطات العميد ورئيس الجامعة، وفعلاً أصبح أمن الدولة هو الذى يقوم بكل شىء ويقوم بعمل مقابلات شخصية للمرشحين لمناصب وكيل الكلية وربما العميد، ويصدر أحكاما مسبقة لمجالس التأديب يستمع إليها السادة العمداء والوكلاء لأنهم أصبحوا فعلاً عبد المأمور، وتخلى الجميع عن النخوة والشهامة المصرية المعروفة، وتخلوا أيضاً عن كرامة الأستاذ الجامعى الذى أصبح يتلقى الأوامر من رائد شرطة فى الداخلية. وربما فى المستقبل القريب يقوم الأمن بامتحان الطلاب واختيار رسائل الماجستير، وهذه ليست سخرية لأن لطفى السيد لم يكن يتخيل يوماً أثناء رئاسته للجامعة أن ذلك المصير المؤلم سوف يصيب هذه الجامعة العظيمة ذات التاريخ العريق يوماً ما. أحياناً أفكر لماذا تحتاج الدولة لقانون الطوارئ وعندها قانون أعظم وأقوى من أى قانون وأى دستور فى العالم وهى تطبقه منذ بضع سنوات بانتظام شديد وهو قانون الغابة؟ هل يعقل أن تصدر أحكام قضائية نهائية بالآلاف ولا تنفذ وكأنها لم تحدث؟ هل من المعقول أن تصدر المحكمة العليا حكماً نهائياً بتحديد بيع سعر الغاز إلى إسرائيل وغيرها بالسعر العالمى ولا يتم تنفيذ ذلك، ولا حتى يفكر وزير البترول بأن هذه مشكلة، ولا يهتم وزير العدل بأن أحكام القضاء لا تنفذ، ولا تأخذه النخوة بأن يطالب بتنفيذ أحكام القضاء؟ بل لا يهتم بالأمر وكأن ذلك موافقة ضمنية منه تحالفاً مع النظام وإلا لكان قد احتج أو غضب. صحيح أن المصريين يتكلمون بحرية أكبر ولكن ذلك لا يتحول إلى أى نوع من التغيير، فلا الرأى العام يهم الدولة ولا القانون يهم النظام، وكأن النظام يقول للشعب وللقضاة «الأحكام بلوها واشربوا ميتها». انظروا ماذا حدث هذا الأسبوع.. تم تعديل اتفاقات مع شركة «بريتش بتروليوم» وذلك بإلغاء الشراكة معهم فى التنقيب عن الغاز فى شمال الدلتا، استجابة لضغوط من شركات البترول على الدولة وذلك لتغيير الاتفاقات القديمة. وقد سبق فى الفترة الماضية أن استجابت الدولة لضغوط للشركات ورفعت السعر لصالح الشركات الأجنبية. والآن فجأة، وشكراً لـ«المصرى اليوم» التى حصلت على الاتفاقية الجديدة ونشرتها، اتضح أنه بغض النظر عن البنود التى يبدو أنها مجحفة فى حق مصر فإن هناك ثلاث نقاط مهمة تدل على مدى إهدار حقوق مصر وأننا بالفعل نحكم بقانون الغابة. أولاً: كيف لا تعرض هذه الاتفاقية الخطيرة على مجلس الشعب؟ ثانياً: كيف لا تراجع من الناحية القانونية ولا تدرس من مجلس الدولة؟ وثالثاً: كيف يقوم بهذا الاتفاق مجموعة لا يثق أحد فى كفاءتها وهناك أيضاً من يشكون فى نزاهتها؟ إن مصر فى عصر قانون الغابة فى الطريق إلى الهاوية. قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.