العلاقة بين الغدد والسلوك .

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : د. وائل فاضل علي | المصدر : www.almostshar.com


العلاقة بين الغدد والسلوك .

 

د. وائل فاضل علي .

 مقدمة : يميل الفرد إلى أن يستدل بالمظاهر السلوكية على الحالة النفسية للآخرين ، وفي مقدور الشخص أن يخفي أفكاره وراء قناع من التصنع وأن يعبر بكلامه عما يختلف عن حقيقته النفسية ، وهنا يكون التصنع محصورا في الحركات الخاضعة للإرادة ، أما الحركات العضلية المنعكسة فمن المتعذر منعها والتحكم فيها فضلا عن التغييرات التي تطرأ على القلب والدورة الدموية وإفرازات الغدد . وبما أن كلمة السلوك لا تشير بمعناها السطحي إلا إلى النشاط الحركي أو اللفظي الذي يبدو من الإنسان فإنه من الضروري دراسة التنظيمات الحيوية المسئولة عن صدور هذا السلوك . ويقع هذا الموضوع من ضمن اهتمامات علم النفس الفسيولوجي الذي يهتم بدراسة وظائف الأعضاء المسئولة عن سلوك الإنسان ( حقي ، 1986،ص93 _ عكاشة ، 1988 ، ص61) .

كما أن هناك رابطة قوية بين الجانب السايكولوجي والنواحي الفسيولوجية ، فجسم الإنسان يعمل داخليا على الاحتفاظ بحالة مستمرة من التوازن الحيوي Homeostatis وأن السلوك الإنساني هو ليس عملا فسيولوجيا فقط بل هو عمل سايكولوجي أيضا ، ويبدو دائما السلوك الإنساني معقدا لا يمكن التنبؤ به ، ونستطيع ذلك فقط إذا ما استطعنا تجزئة السلوك المعقد إلى أجزاء بسيطة مؤتلفة مستمدة من خبراتنا السابقة والتي يمكن معرفة هويتها بسهولة في مواقف كثيرة وتخضع لمتغيرات نستطيع معرفتها ومعالجتها أو التأثير فيها . وحيث إن الكائن الحي مكون من خلايا وأنسجة متعددة الخصائص والوظائف فإنه بالتالي يحتاج إلى نظام عام يشرف على تكامل هذه الوظائف ونجاحها حتى تستمر بيئته الداخلية متوازنة وناجحة في أنشطتها الحيوية .

كيف يتم تنظيم عمل الجسم ؟ يتم تنظيم عمل الجسم من خلال جهازين رئيسين هما : الجهاز العصبي والذي له وظيفة تحريك الأنشطة عامة بحيث يتم اللازم منها بتوقيت سليم ، وهو يهتم باستقبال المعلومات وفهمها والتنسيق بينها وإرسال الأوامر إلى أجزاء الجسم المختلفة عن طريق رسائل كهربائية تفسر المعلومات المباشرة من العين إلى الدماغ إلى اليد في جزء من الثانية( Myers,1986,p.126 ). أما الجهاز المنظم الآخر فهو جهاز الغدد الصماء Endocrine Glands System وهو يختص باستقبال وإرسال رسائل كيميائية عن طريق الدم لتنظيم نشاط الخلايا في أجزاء الجسم المختلفة ، وهو يعد أبطأ من النظام العصبي كوسيلة اتصال كيماوي حيث يستغرق وصول الرسائل الكيماوية منه حوالي 15 ثانية ، وكل من هذين الجهازين يقوم بدور هام في تنظيم وتنسيق أجهزة الجسم المختلفة ، كما أن كلا منهما يساعد الجسم على الاحتفاظ بحالة الاتزان الحيوي التي تساعد قيام الجسم بوظائفه الحيوية المختلفة بطريقة ملائمة وبصفة مستمرة .( عكاشة ، 1986 ، ص64 ( Myers , 1986 , p.25- ويتلقى الجهاز الغددي التأثيرات من الجهاز العصبي ويؤثر الجهاز الغددي بدوره في الجهاز العصبي بحيث يحدث التكامل بين وظائف الجسم المختلفة نتيجة للتفاعل بين هذين الجهازين . ويشير بعض الباحثين إلى أن الغدد الصماء تؤثر في نمو الجهاز العصبي في فترة مبكرة من حياة الفرد إلا أن الجهاز العصبي في آخر الأمر هو الذي يقوم بتوجيه الغدد Morgan , 1975 ,p.350 ) (.

أنواع الغدد في الجسم :

يوجد في جسم الإنسان ثلاثة أنواع من الغدد صنفت حسب طريقة إفرازها في الجسم وهي :

أ- الغدد القنوية Duct Glands : وتدعى أيضا بالغدد خارجية الإفراز Exocrine glandsوهذه تفرز إفرازاتها عن طريق قنوات صغيرة داخل تجاويف في الجسم أو على سطحه ، ومنها الغدد اللعابية والمعوية والليمفاوية ، وهي كثيرة في جسم الإنسان تحميه مما قد يصيبه من ميكروبات وتطهره منها .

ب- الغدد اللا قنوية Ductless Glands : وتدعى بالغدد الصماء Endocrine glands ، وهذه لا تملك قنوات خارجية بل تصب إفرازها الداخلي مباشرة في الدم ، وتتميز بكثرة الأوعية الدموية والشعرية ويسمى إفرازها بالهرمونات Hormones وهي مواد معقدة التركيب كيماوية ذات تأثير شديد في نمو الجسم وعمليات الهضم والبناء والنمو العقلي والسلوك الانفعالي ونمو الخصائص الجنسية الثانوية وتحقيق التكامل الكيميائي .

ج- غدد مشتركة : وهي الغدد التي لها إفرازات داخلية وخارجية مثل البنكرياس الذي يؤدي إفرازه الخارجي دورا في عمليات التمثيل والهضم ، والغدد الجنسية التي تكون الخلايا التناسلية عند الذكر والأنثى (Sperling , 1970 , p.177; Morgan , 1975 , p.354.) إن من المهم من هذه الأنواع الثلاثة للغدد هي الغدد الصماء ، وذلك بسبب إفرازها المباشر لهرموناتها في الدم وتأثيره الشديد المباشر في الكثير من خصائص وبنية الكائن الحي .

وتمثل هذه الغدد بعدد محدد في مكانه في الجسم ولها وظائف محددة ومن أهم هذه الغدد :

-الغدة النخامية :-Pituitary Gland تقع هذه الغدة في قاعدة الدماغ ، ذات شكل بيضوي وهي صغيرة الحجم ، إلا أن عملها مهم جدا ، وقد تعتبر أهم غدة ، لذا تدعى أحيانا بسيدة الغدد Master Glands بسبب أنها تفرز عددا من الهرمونات التي تسيطر على إفراز الهرمونات المفرزة في غدد أخرى . ترتبط الغدة النخامية ارتباطا وظيفيا متينا بالهايبوثلاموس Hypothalamus وهو المسئول عن التحكم بإفرازات الهرمونات منها ، وهي تسيطر على عمل وفعالية الغدة الدرقية بواسطة هرمون Thyrotropin والذي يؤدي بعض الأحيان إلى تضخم الغدة الدرقية . كذلك تفرز الهرمون الجنسي الذي يعمل على ضبط وظائف الغدد الجنسية . كما تفرز الهرمون المحفز لقشرة الغدة الكظرية ACTH لتطلق هرمونات الأدرينالين و النورادرينالين ( هرمونات الهرب أو القتال ) .

-الغدة الدرقية The Thyroid Gland:- تقع أمام القصبة الهوائية وفي أسفل الحنجرة ، وهي من أكبر الغدد وعندما يكبر حجم هذه الغدة يدعى ذلك بتضخم الغدة الدرقية Goiter لكن هذا التضخم لا يعني بالضرورة عدم انتظام عملها . إن العمل الرئيسي لهذه الغدة هو تسريع العمليات أو الفعاليات الكيمائية للجسم . يدعى الهرمون الذي تفرزه هذه الغدة بالثيروكسين Thyroxin ، وعندما لا يكون كافيا فأن ذلك يؤثر على نشاط وفعالية الجسم _ على عمليات الايض البنائي Metabolism- مما يجعل الفرد في اقل مستوى للنشاط ويفقده شكله القوي ويفقد اليقظة وهو ما يعرف بالماكسيديماMyxoedema ، ويمكن للفرد العودة إلى الحالة الطبيعية إذا ما تم علاجه بإعطائه خلاصة هذه الغدة . وإذا ما زاد الثيروكسين عن حده الطبيعي يصبح الفرد قلقا ضجرا غير مستقر متوتر وقلق .

-الغدد الجنسية The Gonads:- إن لهذه الغدد وظائف عديدة فهي التي تعمل على توليد البيوض والحيامن ، وتفرز الهرمونات التي تحدد الصفات الجنسية الثانوية . يدعى الهرمون الذكري بالتستوستيرون Testosterone، وإذا حدث ما يعيق إطلاق هذا الهرمون لأي سبب كان فان السمات المميزة للذكورة سوف لا تظهر ويبقى شكل الجسم طفوليا ويأخذ شكل الجسم الأنثوي مع عدم وجود الميل للعدوان المعروف عند الذكور وفقدان القدرة على الثبات . أما النساء فهناك أكثر من هرمون منها ما يدعى Theelin الذي يعمل على استثارة الأعضاء التناسلية وهرمون الأستروجين والبروجستين ، ويبدو أنها مطابقة لعمل هرمون التستوستيرون في الذكور عن طريق إكساب الأنثى الخصائص الأنثوية . وهناك أدلة قاطعة على التأثير المباشر لهذه الهرمونات الجنسية المتعددة على مزاج الفرد فيكون ذا امتعاض شديد مع غضب ورثاء للذات بنقصانها .

-الغدتان الكظريتان Adrenal Glands تقع كل واحدة منها فوق إحدى الكليتين وتتألف كل واحدة منهما من قشرة Cortex واللب Medulla تعد القشرة مهمة جدا للحياة واستئصالها قد يؤدي إلى الوفاة . تفرز القشرة عدد كبير من الهرمونات بحدود 30 نوع ويخضع إفرازها إلى هيمنة الغدة النخامية ، بينما يسمى اختلالها بمرض اديسون . أما اللب فيفرز نوعين من الهرمونات هما الأدرينالين Adrenalin والنورادرينالين Noradrenalin اللذان يعدان الجسم لمواجهة الأزمات والضغوط النفسية حيث يقومان بإحداث عدد من التغييرات الجسمية يكون هدفها المحافظة على الحياة وإعادة الفرد إلى وضعه الجسمي والنفسي الطبيعيين .(Tosi&Hamner , 1982 , p.426 ; Gannon, 1983 , p.201).

الغــدد الصمــاء والشـخصيـة : أن الغدد الصماء وما تفرزه من تكوينات هرمونية وإنزيمات تلعب دورا هاما في حياة الإنسان ونشاطه وحيويته ، بل هي التي تقرر الشكل الذي يتخذه الجسم وتتخذه شخصية الفرد . وهي تحدد للفرد مقدار ما يتمتع به من سعادة أو شقاء ، وهي التي تدفع نحو الرجولة الكاملة أو الأنوثة الناضجة وهي بمثابة مثيرات داخلية يقابلها مثيرات خارجية . فالغدد إذن تؤثر بإفرازاتها في نشاطات الجسم المختلفة منذ رمن مبكر في حياة الإنسان وان اختلت اختل سلوك الإنسان ومن ثم تكامله الكيميائي العصبي البيولوجي . بعض الغدد قد تكون السبب في بطء الاستجابة في حالة خمولها او سرعة الاستجابة في حالة نشاطها . والمثيرات الخارجية بعض الأحيان تثير نشاط هذه الغدد لتمكن الفرد من الاستجابة الملائمة للمثير الخارجي ، فالغدد إذن تؤثر في الإنسان وتتأثر بظروفه . ( عوض ،1989، ص10 ) وليس هناك شك بان للغدد الصماء تأثير مهم على مزاج الفرد إضافة إلى إن الحالات الانفعالية المؤقتة مثل الاكتئاب ، حدة الطبع ، أو الخمول هي ردود أفعال اجتماعية لسمات المزاج والتي ستكون لها آثار انفعالية على الفرد الذي يعاني من عجز في غدده الصماء .

إن الفرد الذي يعمل نظامه الغدي بتوازن مضبوط يجعله في نشاط كبير وهذا يؤدي إلى اختلاف اتجاهاته ، أحواله وحتى اهتماماته عن شخص آخر يعاني من نقص في عمليات الايض البنائي . ومن هذا يمكن لنا القول إن الغدد الصماء تعتبر عامل مساهم في نمو الشخصية وتطورها وليس هذا فحسب بل يذهب علماء الغدد الصماء إلى ابعد من هذا فيقولون : \" إن الغدد الصماء تنظم الشخصية . \" وتعد أعمال العالم لويس بيرمان من أبرز ما ظهر في هذا المجال ، فقد كتب عام 1925 وعندما كان لا يزال علم الغدد الصماء وليداً كتابا بعنوان \" الغدد المنظمة للشخصية \" وأشار فيه إلى أن كل فعل أو تصرف أو انفعال أو تفكير له أساس غدي ، وقد صنف الناس استنادا إلى إفرازات الغدد المسيطرة في عملها إلى أنماط متعددة مثل النمط النخامي الذي يمتاز بضبط النفس والسيطرة عليها ، والنمط الدرقي الذي يمتاز بكونه نشيطا وقلقا ويمتاز بسهولة الاستثارة والتهور والميل للعدوان .

والنمط الكظري وهو الذي يكون سريع الاستجابة وسريع الاستثارة ، مثابراً نشيطاً قوياً لدرجة يبدو فيها متوتر الأعصاب على الدوام ، وأخيرا النمط الجنسي الذي يمتاز بالخجل وسهولة الاستثارة للضحك او البكاء (Sperling , 1975 , p.180) إن هذه الأنماط التي جاء بها بيرمان لا تختلف كثيرا عن أنماط هيبوقراط رغم الفارق الزمني بينهما ، وقد أشار بيرمان في كتابه إلى العديد من الأمثال أو الشخصيات المشهورة ولاقى قبولاً عاماً وأثار ولع الكثير من الكتاب ، إلا أن ما جاء به ومغالاته في وصفه لأنماطه عن طريق الهرمونات فقط أثار من حوله نقدا كبيرا . ورغم ذلك فقد وجدت دراسات وأبحاث كثيرة تؤكد العلاقة بين الغدد الصماء والشخصية ، فقد قدم لويس بيرغ 1933 تفاصيل واسعة حول هذا الموضوع في كتابه الذي كان تحت عنوان ( شخصية الإنسان ) واستناداً إلى ما جاء به د.بيرغ فإن الزيادة الطفيفة في إفراز الغدة الدرقية قد تؤدي إلى فرد له ذكاء أكثر من المعدل ، له قدرة على الوصول إلى قمة التفكير نشط ، مرح ، صاحب عيون مشرقة ، لون بشرة جيد وأسنان بيضاء ، ولكنه في المقابل حساس سريع النبض يميل إلى الإصابة باضطراب القلب والأعصاب .

وعلى العكس من هؤلاء هناك من وصفهم بأنهم قوالب معينه لهم طبيعة جيدة لا يميلون إلى التذمر والحياة المثالية بالنسبة لهم هي ما يجدون أنفسهم عليها ، حسنوا المعشر ، لهم علاقات جيدة مع عوائلهم والمؤسسات التي يعملون معها ، يميلون للسمنة ويتحملون المسؤولية بلا تذمر ويعرفون غالبا بأنهم نوع من رجال الأعمال المتعبين Tired businessmen (Sperling , 1975 , p.139). وأيدت ذلك دراسة فريمان التي قام بها من خلال تشريحه إلى حوالي 1400 جثة ، ودراسة عالم الغدد الأمريكي ستوكارد من جامعة كورنك في أن الشخصيات المميزة تكون عادة وراثية لكنها في مجموعها مصحوبة بتفاعلات عجيبة للغدد الصماء . ( السلطاني ، 1977 ، ص119). ( ويمكن لنا هنا أن نقدم بعض النقد إلى هذه النتائج والدراسات حيث إن مثل هذه التصنيفات المقدمة هي ليست علمية بالمعنى العلمي البحت فالعلم لم يتوصل إلى معرفة أن الثيروكسين يجعل أسنان الفرد أكثر بياضا ويجعله مبتهجا ، ولم يظهر مطلقا انه بالإمكان زيادة ذكاء الفرد الطبيعي من خلال إعطائه جرعات من الثيروكسين .

كما انه لم تثبت دراسات عديدة أخرى ما جاء به بيرغ في العلاقة بين نقص الثيروكسين البسيط وسمات مثل اللطافة والعلاقات العائلية الجيدة ولم تتحدث دراسة - على حد علمنا – عن إيجاد تأثير خاص أو متناسب بين المواد الكيميائية والتركيب النفسي للفرد الطبيعي . كذلك فقد بينت دراسات لاحقة أن فريمان في دراسته لمقارنة حجم مختلف الغدد الصماء من 1400 جثة مشرحة استنتج من خلالها أن للغدد الصماء شيء قليل في هذا المجال لتحديد شخصية الفرد الكلية . نقد آخر يمكن هنا توجيهه إلى دراسة بيرمان بأنه اغفل العوامل الرئيسية الأخرى المكونة للشخصية وجعل الهرمونات هي الأساس في تكوين شخصية الفرد ولم يأخذ بنظر الاعتبار العوامل البيئية في تشكيل الشخصية ، كذلك نجد أن هناك عدم تفريق واضح بين الشخصية والمزاج Personality & Temperament فهناك فرق كبير في النوع بين السمات المزاجية البسيطة – وهي التي أشار إليها معظم المتحمسين لهذا الموضوع – مثل الاهتياج ، حدة الطبع ، المرح وبين السمات الشخصية المعقدة. إضافة إلى أن طريقة تصريف أو معالجة الإثارة الناتجة عن فعالية الغدد – كزيادة إفراز الأدرينالين مثلا من غدة الادرينال تعتمد كثيرا على شخصية الفرد . ) الغــدد الصــماء والســلوك : يقصد بالسلوك كل ما يصدر من الكائن الحي من استجابات مختلفة إزاء موقف معين يواجه ذلك الكائن في البيئة .

وهناك عدد من العوامل المختلفة التي تؤثر في سلوك الفرد منها : 1- التكوين البيولوجي للجسم 2- التكوين الوجداني 3- التكوين العقلي 4- التكوين الاجتماعي وتختلف صور السلوك باختلاف كل عامل من هذه العوامل وكذلك باختلاف النوع والموقف والمثير ودرجة النضج وغيرها .( دافيدوف ، 1974 ) وتعد الغدد الصماء من أهم الأعضاء الجسمية ذات الصلة الوثيقة بسلوك الفرد ، إذ لوحظ أن اضطرابها يتسبب بحدوث اضطرابات بينة في ذلك السلوك وهذا ما أيده العديد من الباحثين ويقف في مقدمتهم عالم الغد الصماء النفسي \" ر. ج هوسكينز\" الذي أشار إلى أهمية إفرازات الغدد (الهرمونات ) بوصفها محددات للسلوك ( السلطاني ،1977 ، ص72) . واستطاع العلم الحديث إن يبين إعداد كثيرة من هذه الهرمونات وتأثيراتها القوية المختلفة ، فمثلاً نحن نعلم كيف هو تأثير كمية قليلة من الادرينالين أثناء الموقف الانفعالي المثير حيث يعتقد أن الكلاب وبعض أنواع الحيوانات الأخرى لها القدرة على شم رائحة هذا الهرمون لدى الإنسان الخائف وهذا يؤدي بدوره إلى استثارة غدة الادرينال لدى هذه الحيوانات لتفرز الادرينالين بصورة كبيرة بحيث يستثار غضبهم وسلوكهم العدواني ( Morgan , 1975 ,p.356 ; sperling , 1970 ,p.179) وتؤثر الغدد بإفرازاتها على الكثير من دوافع الكائنات الحية كدافع الأمومة من خلال هرمون البروكلاتين ، حيث إن زيادة مقداره تثير في الإفراد الذكور والإناث دافع الأمومة وهذا ما أيدته دراسة العالم الفسيولوجي \" اوسكار ريدل \" من تجاربه على الحيوانات كالحمام والقطط والفئران .

كذلك فإن للغدد وإفرازاتها تأثير واضح على السلوك الجنسي للكائنات الحية حيث إن عملية رفع الغدد الجنسية للحيوانات يؤدي إلى إقلال أو غياب الفعاليات الجنسية في كلا الجنسين ذكورا وإناثا ، وعملية حقن الهرمونات الجنسية في الحيوانات المخصية يؤدي إلى إعادة نشاطها الجنسي . وتعد هرمونات التستوستيرون عند الذكر وهرمونات الاستروجين والبرجستين عند الإناث هي الأكثر تأثيراً وتواتراً في السلوك الجنسي للكائنات الحية ( Ganong, 1983 ,p.201) ويؤدي العلاج بالهرمونات الجنسية إلى زيادة الاهتمامات والرغبات الجنسية لدى الإنسان فيزيد التستوستيرون من اللبيدو عند الذكور وكذلك الاستروجين عند النساء (Morgan & Others , 1986 ,p.252) واهتم علماء النفس الاجتماعيين أيضا بهذا الموضوع في دراسة احد أهم الظواهر الاجتماعية خطورة ألا وهي السلوك القيادي مشاركة مع العلماء البايولوجين حيث كانت الفكرة السابقة أن القائد يولد ليكون قائداً وبذلك تساؤل علماء النفس والبايولوجيين هل إن القيادة مكتسبة أم موروثة ؟ وقاموا بدراسات متعددة أجريت جميعها على أنواع مختلفة من الحيوانات إلا أنهم توصلوا إلى نتائج متضاربة .

ويعد \" ييركس R.M.Yerks\" أشهر من درس هذا الموضوع حيث أقام مركزين في أميركا لدراسة السلوك القيادي للبائن ودراسات العالم \" كاربنتر Carpenter\" على نفس الموضوع ولمدة طويلة جدا ، حيث إن التجارب كانت تجرى على الشمبانزي إلا أنها كانت تجرى من خلال وصف الأحوال السلوكية وطرق المعيشة دون الاهتمام بالجانب الفسيولوجي إلى أن جاء الوقت وأزيح الستار عن العلاقة بين الهرمونات وظواهر السلوك القيادي لدى القردة من خلال دراسات مركز ييركس على قردة \" الريسس \" حيث وجدوا أن هناك علاقة مباشرة بين التستوستيرون وظاهرة القيادة ، فالقردة القادة يميلون لأن تكون لديهم مستويات مرتفعة من الهرمون عما هو موجود لدى أتباعهم .

وهنا طرح سؤال ذكي هو هل إن القرود وصلت إلى مركزها القيادي نتيجة لارتفاع هرمون التستوستيرون (هرمون الذكورة) في دمها أم أن تلك المقادير ارتفعت لكونها في مركز قيادي ؟ وللإجابة على هذا التساؤل قام احد الباحثين وهو ( ارديث برنستين ) بالاشتراك مع طالب دكتوراه وهو ( توماس غوردن) بدراسة هذا التساؤل حيث قاما بأخذ أربعة من ذكور القردة ووضع كل واحد منهم مع مجموعة من الإناث ثم بعد فترة ادخل هؤلاء القردة على مجاميع من الذكور فقط ، فلاحظوا أن تلك القرود التي كانت قادة مع الإناث قد هوجمت بعنف من قبل رفاقهم الجدد من الذكور وفقدوا مراكزهم وأصبح من الواضح أن التستوستيرون هو الذي عكس ذلك السقوط ، وتوصلوا إلى نتائج ثابتة بعد إعادة التجارب وهي انه كلما ازداد مركز القرود في القيادة أو انخفض ازداد أو انخفض إنتاجه الهرموني تبعا لذلك . ( السلطاني ، 1977 ، ص80) .

ولعل أوضح تأثير لإفرازات الغدد في السلوك ما نجده في السلوك العدواني . وبما أن الغدد الصماء تهتم بطريقة أو بأخرى بعمليات الايض والطاقة لذا فهي مرتبطة بفعاليات الكائن الحي ، ففي تجارب اجريت على الفئران وجد ان نسبة صغيرة من الادرينالين والهرمونات الجنسية تكون مرتبطة بسلوكها الهروبي ، وكلما ازداد حجم الغدد زاد مستوى النشاط العام ومقابل ذلك فإن إزالة اي غدة صماء يؤثر في مستوى النشاط العام ويقلله . ومن الواضح أن هناك غددا أكثر أهمية في نشاط وفعالية الفرد من غيرها ، فعلي سبيل المثال تمت مقارنة الفئران الأليفة والبرية في تأثير رفع الغدة الكظرية والغدد الجنسية ، فوجد أن الغدة الكظرية عند الفئران المتوحشة هي اكبر حجما من الفئران الأليفة ، كذلك وجد أنها تعتبر مهمة جدا لحياتها ، بينما تستطيع الفئران الأليفة الاستغناء عنها إذا ما تم وضع كمية كافية من الملح أثناء الطعام بينما لا يفيد الملح وبأي كمية كانت الفئران المتوحشة ، من جانب آخر وجد أن استئصال الغدد الجنسية يقلل من فعالية الفئران الأليفة إلا أنه غير ذا تأثير على الفئران المتوحشة . من هذه التجارب نستطيع الاستنتاج بأن غدة الادرينالين ( الكظرية ) – المهتمة بعمليات القتال والهرب – تسيطر بصورة مبدئية على فعالية الفئران المتوحشة ، بينما تعتبر الغدد الجنسية هي المسيطرة على فعالية الفئران الأليفة (Morgan & Others , 1986 , p.357 ) ويعد هرمون التستوستيرون Testosterone أحد الهرمونات الرئيسية التي تتشكل في الجنين بصورة مبكرة والذي يسمى بهرمون الذكورة ، حيث إن وجوده يؤدي إلى ظهور صفات الذكورة وعدم وجوده – أو كون الجنين لا يستجيب له – يؤدي إلى ظهور صفات الأنوثة . وإذا ما تأثرت الأنثى وهو جنين بهرمون التستوستيرون أو نتيجة لتناول الأم بعض الحقن الطبية خلال فترة الحمل فهنا ستكون بصفات عضوية ذكورية يمكن معالجتها جراحياً . وكسلوك أطفال فهي تميل لان تتصرف بطريقة \" غلامية : بأن تلعب لعب الصبيان \" أكثر من بقية قريناتها الطبيعيات ، وهي تفضل بصورة دائمية الألعاب العضلية والملابس الولادية . وكنساء فهن اقل اهتماما بالزواج وبكونهم أمهات وبصورة عامة فهن يظهرن سلوك عدواني أكثر .( Hines , 1986 , p.198) .

ولكن هل يمكن الاستنتاج من هذا بان التعرض قبل الولادة للهرمونات الذكرية يؤدي إلى سلوك ذكري للإناث ؟ يؤكد Hines أننا لا نستطيع التأكد من هذه الحالة من خلال دراسة واحدة حيث يلاحظ عند الولادة وفي مرحلة الطفولة المبكرة أن الفتيات كثيرات الشبه بالذكور ، لذا يبدأ الوالدين بمعاملة الفتاة معاملة الأولاد من خلال تعليمها بعض أنماط السلوك العدواني وقد يعود السبب إلى ذلك إلى حب الوالدين للذكور ، أو لكي تكون الفتاة أكثر فعالية ، ومع التجارب التي تجرى على الحيوانات نستطيع إزالة الغموض للراسبات التي تجرى على الإنسان وفي كل الأحوال فإن حقن الفئران والقرود بهرمونات الذكورة قبل ولادتهن يؤدي إلى صغار لديهن صفات وسلوك ذكري عدواني أكثر وتكون ألعابهم ذات طابع خشن (Myers , 1986 ,p.126) . ويبقى السؤال المهم هنا هو هل نستطيع تعميم هذه النتائج على الإنسان ؟
إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الفروق الجنسية لدى البشر فان العنف الإجرامي يميل لأن يكون موجودا لدى الأفراد حتى بوجود مستويات طبيعية من التستو ستيرون (Rubin , 1980) ، بينما بعض الحيوانات يمكن زيادة عدوانيتها عن طريق هرمونات الذكورة ، علاوة على ذلك فأن الاختلافات الجنسية في العدوان تظهر بصورة مبكرة في الحياة عبر مختلف الثقافات الإنسانية والأنواع الحيوانية . وبدمج هذين الخطين من الأدلة كل غير حاسم بحد ذاته فأنه يشير إلى اشتراك أو مساهمة هرمون التستوستيرون في زيادة العدوان لدى الذكور . العلاقة بين الهرمونات واضطرابات السلوك :- من خلال ما سبق نرى الدور المهم للهرمونات في توجيه السلوك وعلاقتها بحدوث الاضطرابات فيه ، وأشار بعض الباحثين إلى أن جهاز الغدد الصماء هو المسئول عن المساوئ والعيوب الأخلاقية .

وفي الدراسات التي أجريت على المجرمين والشاذين سلوكيا في احد سجون الولايات المتحدة ، وجد أن عدداً كبيراً منهم كان يعاني من اختلال كبير في الغدد مما لفت الأنظار إلى إمكانية تقويم السلوك عن طريق معالجة الغدد المضطربة . وهناك دراسات أخرى تؤكد جميعها على العلاقة الوثيقة أو الصلة المتينة بين اختلال وظائف الغدد الصم وانحرافات السلوك وبصورة خاصة اضطراب الغدة النخامية (Morgan & Others , 1986 ,p.357) . ومن المؤكد أن ألاضطرابات في عمل الغدد يتسبب في اختلال التوازن الكيميائي العام لمنسوب الهرمونات الجسمية فيسعى الفرد دائما لاتخاذ دوافع معينة بقصد إعادة ذلك المنسوب إلى وضعه الطبيعي ، ومن خلاله يمكن ملاحظة السلوك الذي يكون عليه الفرد . وكلن هذه الدوافع وخصوصاً في الإنسان لا تكون فسلجية بحتة إذ إن هناك عوامل أخرى اجتماعية أو ثقافية تلعب دورا كبيرا في تحديد تلك الدوافع حيث إنها تحد كثيرا من دوافع الإنسان ولا سيما العدوانية منها .

كما لوحظ أيضا أن النمو العقلي يحتاج إلى إفرازات كافية من الهرمونات كهرمونات الغدة الدرقية أو النخامية . وقلة إفرازاتها ولأي سبب كان يؤدي إلى الإصابة بالخمول الذهني وعدم القدرة على القيام بالعمليات العقلية بكل نشاط وحيوية ، فالأطفال المصابون بنقص في إفرازات غددهم الدرقية يصابون عادة بالتخلف العقلي \" Mental Retardation\" وفي هذا يجسد لنا العالم الفرنسي الفسيولوجيAlexis Carrel حقيقة العلاقة بين الذكاء وإفرازات الغدة الدرقية بقوله :\" حينما تقف الغدة الدرقية عن صب إفرازاتها في الدم ينعدم ذكاء المرء وإحساسه بالجمال \" ويرد ذلك إلى أن قصور إفراز الغدة الدرقية يؤدي إلى أتلاف خلايا المخ وخمول المركز المخية ، وليس الأمر متوقفا على الغدة الدرقية فحسب بل تؤكد الدراسات على أن قلة إفراز الغدة النخامية للهرمونات الخاصة بها يؤثر بدوره على الذكاء . وعلى النقيض من ذلك نجد أن بعض العلماء يؤكدون على أن الزيادة الطفيفة في إفرازات الغدة الدرقية تولد نوعا من البشر يفوق في ذكائه المعدل العام . ( السلطاني ، 1977 ، ص81 ) . ولكن يبقى السؤال هنا ، هل أن معظم الأذكياء أو جميعهم لديهم زيادة طفيفة في إفرازات الغدة الدرقية أو النخامية ؟ وهل إن قصور إفرازاتها يؤدي فعلاً إلى جعل الفرد أقل ذكاء من المعدل العام ؟

موقـف نظـريات الانفعـال من الغـدد :

تشير كثير من الدراسات إلى زيادة معدل حدوث الأمراض السايكوسوماتية نتيجة للتغير الاجتماعي السريع الذي شهدته الفترة الماضية ، والفرد يمر بحياته بعدد من المواقف التي تثير انفعاله أو يكون فيها تحت ضغط نفسي شديد . ونستطيع تعريف ألانفعال بصورة عامة بأنه : \" اضطراب عام في الفرد ، ينشأ من موقف نفسي معين يؤثر في خبرته الشعورية وسلوكه وفي وظائف أعضائه \" .(Gelder , Gath and Mayon , 1988, p.409) تمت دراسة الانفعال من قبل الكثيرين وتوصلوا إلى أن الانفعالات حالات لا شعورية تقترن باضطرابات فسيولوجية مختلفة وأنها تقترن بحركات تعبيرية وسلوك خارجي ظاهر.( Schultz , 1979 ,p.132) .

ومن أشهر نظريات الانفعال هي :

1- نظرية جيمس – لانج : باختصار شديد فأن هذه النظرية تفسر الانفعال بأنه استجابة عضوية داخلية عند أدراك المنبه الأصلي ، وجاءت هذه النظرية رداً على النظرة الشائعة في الانفعال من أن الشعور يحدث أولاً ثم تتبعه تغييرات حشوية ومن ثم تحدث الاستجابة الصريحة . فنحن عندما نرى أسداً نشعر بالخوف ، يزداد ضغط الدم ثم نبدأ بالهرب ، في حين عكس جيمس - لا نج في عام 1884 عندما أشار إلى أن الاستجابة الصريحة والتغييرات الجسمية تحدث قبلاً ثم المشاعر الإدراكية (فنحن عندما نرى أسداً نبدأ بالركض ويرتفع ضغط الدم وبسبب عملية الهروب وارتفاع ضغط الدم نشعر بالخوف). (Sperling , 1970 ,p.159) . أن هذه النظرة تحمل فكرة أن المشاعر هي ليست عملية أدراك لاستجابة الجسم ، لذا وحسب هذه النظرية يكون من المستحيل علينا أن نمتلك مشاعر انفعالية بدون أدراك أفعال الجسم – أي أن هناك تغيرات داخلية تحث علينا إدراكها أولاً والإحساس بها ومن ثم تحدث لنا المشاعر . وقد قدم ( د. شيرنكتون ) من جامعة \"ييل \"\" الدليل على ذلك عندما قطع العصب الحامل لأحاسيس من المركز العصبي بالدماغ عند الكلاب ، وجد بعد ذلك أنها تظهر مشاعر الغضب المتعة ، الخوف ، عندما نستثيرها بطريقة ملائمة . وعندما قطع العصب السمبثاوي الذي يستثير التغييرات الجسمية لم تظهر هذه الحيوانات أي رد فعل جسمي . وما لم يكن الحيوان يتظاهر وهذا شيء غير معقول فأن المشاعر الانفعالية يبدو أنها لاتعتمد على الأحاسيس القادمة من داخل الجسم . ( Sperling , 1970 ,p.159 ; Myers , 1986 p.125) .

2- نظرية كانـون – بـارد : تبين هذه النظرية أن الانفعال هو الذي يسبب التغييرات الجسمية ولا يحدث بسببها . وأن الإنسان أو الحيوان تحت المواقف الطارئة التي تصادفه تحدث له عدد من التغييرات الجسمية المهمة التي تساعده على مواجهة الموقف ، وهذا ما أسماه باستجابة الهروب أو القتال \" . Fight or Flight Response\" (Axelord & Reisine , 1984 ,pp.450-459) فهناك من الأدلة ما يشير إلى أن تقييم الموقف وتحديده على أنه ضاغط يتم في الهايبوثلاموس – الذي ينشط بدوره الغدة النخامية لتفرز الهرمون المحفز لقشرة الغدة الكظرية ACTH للجهاز العصبي ليحفز غدة الادرينال - الكظرية – لإفراز هرمون الادرينالين والنوادرينالين التي تعمل على أحداث استجابة الهرب أو القتال .( Tosi &Hamner , 1982 , p.112) أن الجهد النفسي الذي يتعرض له الفرد يسبب تغييرا ملموساً في مقادير هرمونات الجسم لتمكين الفرد من مواجهة هذا الضغط ، فالتغيير هنا هو استجابة جسمية لموقف ضاغط خارجي يتعرض له الكائن الحي . وتعتبر أبحاث عالم الغدد الكندي \" هانز سيلاي Hans selye\" تأييدا لما جاء به \" كانون – بارد \" ، حيث اعتبر أ، حدوث تغييرات فسيولوجية للكائن الحي نتيجة إفرازات الغدد هو \" النتيجة \" للشعور بالموقف الضاغط . (Shaffer , 1982 , p.1)

مناقـِشــــــة : - إن السؤال الذي يطرح هنا في هذا المجال هو هل أن السلوك هو الذي يؤثر في عمل الغدد الصماء ، أم أن الغدد هي المسئولة عن تحديد نوع السلوك أصلاً ؟ هل أن بينهما علاقة تبادلية تفاعلية كالعلاقة الموجودة بين عمل الجهاز العصبي والغدد ؟ على الرغم من قدم العلاقة الوثيقة بين الجسم والنفس إلا أننا مازلنا بحاجة لإجابة الدقيقة على الكثير من هذه الأسئلة عن طريق الدراسات والبحوث المنظمة والمضبوطة ، فما يكتب وبكثرة عن هذا الموضوع في الكتب العربية ما هو الاستنساخ لمواقع الغدد وتسمياتها وتسميات إفرازاتها وتأثيراتها الجسمية ، فهل لها هذه التأثيرات فقط ؟ أن المتتبع الدقيق للدراسات الحديثة يستطيع أن يستنتج أن التأثيرات الرئيسية لإفرازات هذه الغدد هي نفسية أصلا .

والنقطة المهمة الأخرى في هذا الموضوع هي هل أننا نستطيع تعميم بعض النتائج التي توصل إليها الباحثين من خلال دراساتهم على الحيوانات على الإنسان ، وبصورة خاصة ما يتعلق بالسلوك القيادي ، أو السلوك العدواني من خلال زيادة هرمون التستوستيرون ( هرمون الذكورة ) ؟ أن التعميم هنا يجب أن يكون بحذر شديد ، لأن في الحيوانات التي أجريت عليها التجارب كالفئران تكون سيطرة الهرمونات على سلوكها قوية جداً وذات مقدرة على التوجيه ، بينما لدى الإنسان تكون أقل في كميات إفرازها وسيطرتها على سلوكه لأنها تكون هنا مرتبطة بالعادات والتقاليد والثقافات الإنسانية التي تحد كثيرا من سيطرة مثل هذه الهرمونات على سلوك الفرد في المجتمع .

كما يجب علينا أن لا ننسى التأثير غير المباشر لاختلال عمل الغدد ، حيث إن جميعها ركزت على ما تحدثه من تغييرات مزاجية وجسمية مباشرة ، لكن ألا يمكن أن يكون – في بعض الأحيان نتيجة لوجود اضطرابات في إفرازات الغدد – تغيير بعض ملامح شكل جسم الفرد بحيث يكون أكثر طولا ، أقل وزناً ، جاحظ العين وغيرها نتيجة للاضطراب الغدي ، عامل أساسي ومؤثر على سلوك الفرد ومزاجه وبالتالي بعض سماته الشخصية نتيجة للشعور بالعجز أو النقص أو الاختلاف عم الآخرين ؟ أو شعوره بالإحباط والذي يعد بحد ذاته ذا علاقة كبيرة بحدوث السلوك العدواني لدى الإفراد ، أو أن يكون الفرد اتكالياً .

إن ترك مثل هذه المواضيع لما يطرحه الأطباء وعلماء الفسلجة فقط يجعل الاهتمام الأكبر ينصب على الجانب الفلسجي لهذ الغدد وتأثيراتها الجسمية الأخرى ، فنحن بحاجة إلى نظريات – أو فرضيات – معينة تفسر آلية عمل وتأثير الغدد في السلوك الإنساني ودوافعه ، والتقدم بها نحو الإنسانية أكثر من الإبقاء على التجارب الحيوانية ذات الطابع الفسيولوجي ، وهذا من أهم المهام الملقاة على عاتق علماء النفس . والنقطة الأخيرة التي يمكن إثارتها هنا هو ما بينته بعض الكتب من أن الهرمونات لا تطلق فقط نتيجة تحسس الجهاز العصبي ، فقد تطلق الهرمونات كاستجابة للمثيرات الموجودة في البيئة .
وفي كثير من الأحيان تكون الغدة النخامية هي الأكثر تأثرا بمثل هذه المنبهات البيئية مما يؤدي بالتالي إلى حدوث مجموعة من التغييرات في عمل ونشاط الغدد الأخرى للجسم . فعلى سبيل المثال وجد أن بعض إناث الطيور تفرز الهرمونات الجنسية الأنثوية إذا ما كان الذكر بقربها وهذا يؤدي إلى تهيئتها بصورة متزامنة للتزاوج والأمومة مع الطير الذكر . فالمهم هنا هو أن الهرمونات تفرز ليس أثناء الاستجابة للتغييرات الفسيولوجية الطبيعية التي تحدث في الجسم بل للمثيرات البيئية أيضا . وما زال الباب مفتوحاً لمزيد من الأبحاث والمناقشات.