د. أيمن غريب قطب .
يعد السلوك الجنسي للفرد ظاهرة دائمة طوال الحياة . قد تظهر بشكل أو بآخر خلال مراحل حياته المختلفة . وقد يظهر السلوك الجنسي لدى الأطفال في مراحل حياتهم المبكرة بأشكال متعددة منها السوي والشاذ . وليس من السهل أن نصف الطفل بالشذوذ أو الانحراف الجنسي لمجرد أنه تصرف بشكل غير مألوف أو أتى من الأفعال أو الأقوال ما لا يقره العرف أولا يوافق عليه المحيطون به . والمعيار في ذلك هو أن يكون هذا السلوك منطبعا في شخصية الطفل ويغلب عليه ويلفت إليه الانتباه باستمرار ويتكرر منه ويتواتر عنه .
ومن التفسيرات الجنسية لسلوك الطفل أن طاقته الجنسية موزعة على جسمه وأعضائه كلها . ويجد لذته الجنسية في أعضائه الجنسية مثلما يجدها في غيرها . ثم تتمايز بعد ذلك لتتركز في المناطق الجنسية في المرحلة التناسلية أو مرحلة البلوغ .ولكن يظل في حالة من عدم الفصل بينها وبين المناطق الأخرى حتى تتحدد بشكل قاطع هويته الجنسية . ومن هنا أهمية تمييزه وتحديده الجنسي في هذه المرحلة . فالطفل عندما يصل إلى البلوغ والمراهقة يكبت الميول والتوجهات المثلية الأخرى . ويسمو بها إلى تكوين الصداقات من نفس الجنس . وإذا لم تتم بالشكل والطريقة المناسبة قد تظهر بشكل شاذ في الجنسية المثلية أوفي الخوف من إقامة علاقة بأشخاص من نفس جنسه . وإذا استمر في السلوك الجنسي المثلي ولم يجد مقاومة أو اعتراضا وأحيانا بعضا من التسامح والتشجيع فعندئذ قد يظهر الانحراف أو اللواط ( الجنسية المثلية ) على الطفل المراهق ويكون صريحا وواضحا في سلوكه الجنسي . ومن السلوك الجنسي لدى الأطفال ظهور ما يطلق عليه العادة السرية لدى الأطفال . حيث يتوقف نضجهم الجنسي على مدى انتشارها وتطورها لديهم . فيمارس الطفل تجاوزا ما يمكن أن نطلق عليه العادة السرية . فيشعر باللذة من خلال الاحتكاك واللعب بالأعضاء الجنسية . ويتعلق بذلك ويعرف الصحاب ويتعلق بهم تعلقا يعبر عن ميوله الجنسية . وإذا لم يسر الأمر بشكل طبيعي أو تعرض لبعض الممارسات والعلاقات والتحرشات الجنسية فقد يخرج سلوكه عن المسار الطبيعي ويكون الانحراف . ومن الملاحظ أن بعض التجاوزات الجنسية مثل حب الاطلاع الجنسي لدى الأطفال والتعرف على أعضائهم الجنسية تبدأ باللعب بها والنظر إليها ومعرفة الفروقات بينه وبين الآخرين من الصغار والكبار إذا سنحت الفرصة له . ويكون ذلك لدى الجنسين . إلا أن المجتمع يبدو أكثر تسامحا مع الأولاد منه مع البنات في التعامل مع مثل هذه السلوكيات . وقد يتجاوز الأهل عن بعض السقطات أو السلوكيات التي تتسم بحب الاطلاع في السلوك الجنسي للأولاد . ولكن لا يمكن التهاون من وجهة نظرهم إزاء هذه الهفوة الأخلاقية إذا ما صدرت عن البنات . ويتأثر الطفل في نموه الجنسي سلبا وإيجابا من الناحية السلوكية من خلال علاقته بالوالدين . وقد اصطلح على إطلاق اسم ( الموقف الأوديبي ) على هذه العلاقة . حيث تتولد الصراعات مع الوالدين حول استئثار كل منهما بعلاقته العاطفية . ويميل الذكور نحو الأم في الاستحواذ والعلاقة . والبنات نحو الأب . ويكون بالتالي الطرف الآخر من الوالدين هو المنافس في ذلك .
وإذا عولجت هذه المسألة بالصورة الطبيعية والحب المتبادل والسلوك التربوي والتوجيه السليم سار سلوك الطفل نحو العادية والنضج الطبيعي من الناحية النفسية والجنسية .والعكس في ذلك حيث قد تستمر معه المشكلة إلى ما بعد النضوج . وتترسخ لديه الكثير من المفاهيم والسلوكيات الجنسية الخاطئة التي تؤثر في سلوكه وعلاقته الجنسية إلى الزواج . ومنها حب الزواج بمن تشبه الأم . وما يترتب على ذلك من مشكلات سلوكية وجنسية بين الزوجين آنية ومستقبلية . وقد يتأثر سلوك الطفل نتيجة نومه مع الكبار سواء الوالدين أو المحيطين من الأسرة . إذ قد يشاهد بعض سلوكياتهم الجنسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة أومن خلال حب اطلاعه هو على ذلك مما قد يعرضه لبعض المشكلات ومحاولات تفسير وفهم هذه التصرفات . وقد ينام الطفل مع الأم وتتصرف معه بطريقة فيها مغالاة عاطفية مثل التقبيل والضم أثناء النوم . مما قد يولد لديه كوامن الجنس المبكر ويجعله ينشط جنسيا ويبدي سلوكا جنسيا مغالى فيه . ويبرز هنا تأثير الأسرة الضاغطة أو الكابتة لسلوك الطفل الجنسي عن طريق المغالاة في قهر سلوكه وميوله الجنسي . مما قد يؤدي إلى ثورته داخليا أو خارجيا كرد فعل على هذا السلوك المبالغ فيه في القسوة والتزمت . ولابد من الناحية التربوية التعامل مع السلوك الجنسي لدى الأطفال في هذه المرحلة بشيء من الوسطية بحيث لا يكون هناك منع قاس متزمت أو إباحة كاملة . فالإباحة الكاملة أو التهاون أو التسامح الشديد يكون أدعى إلى مزيد من الاستمرار والتفكير المتواصل والتعزيز لها وتثبيت هذه السلوكيات .
والمنع الشديد أو الكبت وعدم الفهم قد يؤدي إلى مشاكل وتداعيات نفسية شديدة تؤثر على سلوك الطفل النفسي والجنسي تأثيرا سالبا فيما بعد وعلى نضجه أيضا . والقول الفصل في ذلك هو التعامل معها وفقا لمقتضيات الموقف وبما يناسبها من سلوك يساعد الطفل تربويا ونفسيا على إتباع السلوك القويم والالتزام الأخلاقي والفهم الصحيح لأموره وحياته . ومثال ذلك أنه عادة ما يطلق على حب الاطلاع واللذة الجنسية لدى الأطفال التي تبدأ في السنة الأولى أو الثانية من العمر. وما يحصل لديهم من الاستمناء وهو ليس استمناء كالكبار حيث لا يستمني فعليا لأن الطفل ما زال دون سن البلوغ . إلا أنه يأتى سلوك الاستمناء ويمارسه للحصول على اللذة الجنسية .
ويحدث لكل من الجنسين من ذكور وإناث نوع من الانتصاب . وقد يبدو لدى بعض الأطفال حب التعري الجنسي أمام الآخرين كنوع من هذا السلوك والتباهي بذلك. وأحيانا قد يتجاوز الأمر عند بعض الأطفال إلى حب ملامسة الآخرين من الأطفال لأعضائه الجنسية أو احتكاكه بهم بشكل أو بآخر . وقد تكون هناك انحرافات أخرى ... ومن الأمور الهامة تربويا هو التعامل مع هذه المسائل بشكل لا يجعل الطفل يشعر بالذنب ويعاني من ذلك . ولكن مساعدته على الشعور بالإشباع العاطفي وتجاوز ذلك بالشكل الطبيعي حتى يتلاشى مثل هذا السلوك طبيعيا . ومن الغريب أنه نتيجة للحرمان العاطفي لدى بعض الأطفال قد يمارسون الاستمناء لما قد يصل إلى عشرة مرات يوميا .!!! وهناك نوع من الاستمناء القهري لدى بعض الأطفال يبدو في صورة عدم قدرتهم على التوقف عن هذا السلوك . وما قد يصاحب ذلك من تصورات وخيالات جنسية أيضا . وقد يضطرب تعيين الهوية الجنسية لدى الطفل بخصوص دوره الجنسي حيث يرتبط الطفل الذكر بأمه ويتصرف مثلها ويميل إلى الملابس النسائية . قد يكون ذلك مقبولا في البداية لكن استمراره لمراحل متأخرة هو المشكلة . وقد يصاحب ذلك استغلال بعض الأفراد لذلك . والنتيجة أنه قد يستغل جنسيا وتمارس معه سلوكيات جنسية منحرفة .
وهذا يعزز لديه هذا الدور. وقد يكون الأب غائبا أو دوره ضعيفا نسبيا مما يجعل الطفل يرتبط أكثر بأمه ويتقمص دورها الأنثوي اجتماعيا ونفسيا ويتنكر بالتالي لدوره الحقيقي .وتتربى لديه ميول نحو النساء فيها خليط من السادية والمازوكية أي الممارسة الجنسية التي يصاحبها التعذيب للنفس أو للآخرين . كما قد ينشأ لدى بعضهم ميول لوطية ( شذوذ جنسي ) حيث تظهر ميول الخضوع والاستكانة . كما قد يشعر بعضهم بخليط من المشاعر الذكورية والأنثوية بحيث يمارسون كلا الدورين معا . وهذا ما يعرف لدى بعض الشواذ في مراحل ما بعد الطفولة . وهناك نمط من الانحرافات الجنسية يطلق عليها الفتشية . وهي أن يغرم الطفل بملابس النساء فيقتنيها ويرتديها . وتنمو لديه هذه المسألة حتى يكبر .وإذا ما استمر هذا الأمر بلا معالجة أوحل فقد يؤدي إلى اللواط أو التخنث .
وبالنسبة للبنات فقد تخاف الابنة من الأم . وتكون لديها ميول عدوانية نحوها أو نحو زوجة الأب . وقد يستميلها الأب عاطفيا . وتنشأ لديها مشاعر مضطربة تتمثل في كراهيتها ونفورها من الرجال . وتتحول إلى العلاقات مع نفس الجنس وتجد إشباعا فيها . وبالتالي تكاد تتلاشى علاقتها مع الرجال . وقد ينشأ الطفل في بيئة منحرفة فيها بعض التجاوزات التي قد تدفع الأطفال إلى ممارسة النشاط الجنسي مع الكبار حتى سن البلوغ والمراهقة . وتزيد الوطأة ويتجهون إلى الانحراف والسلوك المتحرر . وعندما تفرط البنت في النشاط الجنسي في الطفولة والمراهقة فيما بعد وقد يكون ذلك بتحريض من البيئة المحيطة أومن الكبار. سواء بالاستغلال الجنسي أو البيئة المثيرة أو التوتر النفسي أو الحرمان العاطفي . حيث يكون النشاط الجنسي المفرط محاولة للخروج من كل ذلك . ومنها تفسير اتجاه بعض الإناث إلى البغاء . وتحتاج معالجة مثل هذه السلوكيات لدى الأطفال لفهم وتفسير أبعاد كل موقف ومساعدة الطفل على التخلص من آثاره السلبية وما يصاحبه من مشاعر توتر وإحساس بالذنب أو العقد . وقد يكون سلوك الطفل نوعا من التنفيس أو التعبير عن أعراض مرضية نفسية واجتماعية والظواهر السلبية المحيطة به مما يؤدي لممارسة مثل هذه السلوكيات المنحرفة إذا جاز التعبير . ومما يساعد الطفل هو تخليصه من هذا التوتر في البيئة السلبية وإعانته على التوجه إلى السلوك الصحيح الذي يصرفه عن الأنشطة السلبية وتقويم شخصيته من خلال البيئة والخبرة العقلية للطفل .
ولعل من أفضل طرق العلاج هو علاج الأسباب النفسية والآثار المترتبة عليها في ضوء البيئة المحيطة . ومن الأفضل أن تكون من خلال الجو الأسري العام المحيط وكشف التوترات والعلاقات الشاذة بين الأفراد وتجنيبه لها أو مساعدته على التخلص منها ومن آثارها السلبية عليه .