د. فيصل بن سعود الحليبي .
عفوًا يا أبي الحبيب : إنها همسة من فلذة كبدك ، ونور عينك ، فأصغ لها بقلبك قبل سمعك .
أبتاه ... إنني أعلم كم كانت ساعات انتظارك لي مليئة بالشوق والأمل ، وأعرف كم كانت لحظات قدومي عليك مزهرة بالحب والحنان ، وكم كانت أيام طفولتي بين يديك الحانيتين مضاءة بدلالك وإسعادك لي ، فيعجز لساني عن شكرك ، وتقصر يدي عن عطائك ، وتضعف حيلتي عن رد الإحسان إليك .
غير أني اليوم ما عدت ذلك الطفل الذي قصرت همته على اللعب ، أو شغف عقله باللهو ، كلا .. بل إن بين جوانحي همة وقوة ، ونشاط وفتوة ، وتطلعت من حولي فرأيت سهام المغريات قد وجهت إليّ ، وأمواج الشهوات تتقاذفني ، وليس لي حيلة إلا التعلق بالله تعالى ثم بك يا أبت الحبيب ، ولا أظنك بعد حبك لي أن تراني فريسة الذئاب ، ولا أحسبك بعد إسعادك لي أن تبصرني غريق الفتن والملهيات ، فهلا أمسكت بيدي لتدلني على طريق الهداية ، وهلا انتشلتني من بؤر الضياع وخنادق الفساد ، لتقر عينك بي رجلاً صالحًا ، وبك بارًا ومحسنًا ..
أما علمت يا أبتاه أنه بصلاح الأبناء تستمر مسيرة العطاء من الآباء ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رواه مسلم .
أما علمت يا أبتاه أن الله يرفع الأب درجات في جنته بسبب استغفار ابنه له ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : أَنَّى هَذَا ؟ فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ ) رواه أحمد وابن ماجه واللفظ له .
أبتي الحبيب : اجعل مني هذا الابن ، لتكون هذا الأب .