أ. ناهد الخراشي .
ثانياً: التفاهم بين الطرفين
من مقومات الحياة الكريمة أن يسود التفاهم بين الطرفين، وأن يحاول كل طرف أن يفهم شخصية الطرف الآخر فهماً واضحاً، ويحاول التقارب من وجهة نظر الآخر، والتقرب إلى نفسه وبذلك يستطيعان دائماً أن يتفاهما ولكن لابد لهما من مواجهة المشاكل بإيمان وصبر وصدر رحب، وأن يتفاهما للوصول إلى حل واحد يرضيهما.. فالتفاهم بين الزوجين عنصر هام ومبدأ أساسي لبناء الحياة الكريمة القائمة على الاحترام بينهما وخير سند لهما لمواجهة صعاب الحياة ومشاكلها ومعين لهما لتكملة مشوار حياتهما وطريقهما نحو الأفضل والخير دائماً وبما يعود عليهما بالأمن والسلام والهدوء دون انفعال وتعصب وتهكم مما يجعل جو البيت مليئاً بالهدوء والراحة النفسية مما يزيد الحب والتماسك بينهما.
ثالثاً : الثقة المتبادلة والمشاركة في الرأي:
لابد أن تتوافر الثقة المتبادلة بين الزوجين.. كما يجب أن تكون هناك المشورة في الرأي والمشاركة في اتخاذ أي قرار، وألا يكون هناك الاستبداد بالرأي والتعصب لأن ذلك يزيد من الفجوة بين الزوجين.. فلا بد من ثقة كل منهما بالآخر ثقة كبيرة والوقوف على أنه ما دام الطرف ارتبط بمن اختاره قلبه وعقله فلا بد أن تتوافر الثقة لأن انعدام هذه الثقة بينهما تجعل الحياة جحيماً كما يجعل كل منهما يضيق الخناق على الآخر مما يزيد من صعوبة التفاهم الحر.. ودائماً لابد من الاشتراك في الرأي ومحاولة الوصول إلى رأى موحد في مواجهة أي مشكلات أو صعاب فإن ذلك يقوى علاقة الحب بينهما، ويجعل حياتهما كريمة قويمة مبنية على الاحترام المتبادل.. وعلى الكرامة.
ومما لا يدع مجالاً للشك بأنه لن يكون هناك الاستعداد للمشاركة في الرأي إلا إذا توافرت الثقة المتبادلة بينهما.. فإن هذه الثقة المتبادلة هي التي تصل بهما إلى الاشتراك في الرأي والمشورة في اتخاذ القرارات، أما استبداد أي طرف منهما بالرأي وإصراره على أن يخضع الطرف الآخر لهذا الرأي دون مناقشة أو مجادلة حتى ولو كان خطأ.. فإن هذا يجعل الحياة جحيماً.. ويجعلها ناراً على الأرض.. ويزيد من التباعد بين الطرفين.. ويقتل عروق المحبة بينهما.. لأن الحياة الزوجية ليست أوامر تُنفذ.. وليست فروضاً يجب أن تُطاع.. وليست استبداداً وتملكاً، وإنما هي مشاركة في كل شيء.. في الرأي.. في اتخاذ القرارات.. في محاولة تقريب كل منهما إلى الآخر، و دخول كل طرف إلى أعماق نفس الآخر في محاولة فهم كل منهما للآخر مع الاحتفاظ بشخصية كل منهما.. وبكرامة كل منهما حتى يتمكنا أن يصلا إلى بر الأمان والحب يسودهما، والهدوء يملأهما، والاستقرار والهناء والسعادة طريقهما.
رابعاً : تقبل النقد البناء الحر بين الزوجين
من أهم سمات الشخصية المتزنة تقبلها الدائم للنقد الحر البناء وللنصيحة الحكيمة الموجهة إليها مما يساعدها على تقوية شخصيتها والااستمرار دائماً في طريق النجاح والتفوق لأنها تتقبل دائماً ما يُقال لها من عيوب تُوجه إليها وتفكر دائماً في أوجه النقص الموجودة في شخصيتها وتحاول استكمالها.. وهذه الشخصية تجدها تلجأ دائماً إلى من ينقدها النقد البناء الحر ويوجهها التوجيه السليم أكثر من لجوئها إلى من يمدح فيها وبذلك تجدها شخصية متزنة سوية خالية من الضعف والغرور تريد أن تسير في طريق الاطمئنان والاستقرار.
ولذلك لا بد من توفر هذا العامل لبناء الحياة الكريمة بين الزوجين فيجب أن يتقبل كل طرف النقد البناء الحر الموجه له من الطرف الآخر بل لا بد من الاهتمام بهذا النقد ومحاولة علاجه من استكمال ما ينقصه أو التخلص مما يزيد الأمور سوءاً ويكون ذلك في جو مليء بالحب وسعة الصدر والراحة النفسية.. وألا يعتبر هذا النقد إهانة موجهة له أو تحطيم نفسي له.. بل بالعكس لا بد أن لهذا النقد الذي يوجهه الطرف الآخر معنى وهو أنه يحبه ويرشده إلى ما هو صحيح وخير قبل ملاحظة ذلك من الآخرين، وأن كل طرف يريد أن يظهر الطرف الآخر في الصورة المثلى وأن يسلك دائماً السلوك الأفضل – وهذا إن دل على شيءـ فإنما يدل على الحب القائم بينهما، وعلى الاحترام المتبادل، وعلى ثقتهما الكبيرة ببعضهما والسعادة التي تحيطهما، والرعاية التي تشملهما مثل الطفل الذي يرعاه أبواه ويوجهانه ويقسوان عليه حيناً، ويشملانه بحبهما وحنانهما حيناً آخر.. ويوجهانه التوجيه السليم الذي يبنى شخصيته على أساس سليم ونفس قويمة بناءة حرة.. كل ذلك لأنهما يحبانه ويتمنيان له الصورة المثلى والطريق الخير، وأن تكون شخصيته الشخصية المتزنة البناءة تبنى دائماً ولا تهدم.
إن تقبل النقد البناء الحر بين الزوجين لهو عامل يهييء الفرصة للتقريب بينهما، وإقامة الحب بينهما وتقويته في نفوسهما.. فيجب أن يتقبل كل منهما ذلك النقد بصدر رحب ويعرف أن ذلك لخيره وأفضل لحياته، أما إذا اعتبر أن ذلك نوع من الإهانة الموجهة إليه.. أو أنه كيف تجرأ عليه الطرف الآخر لمصارحته بذلك فإنه بلا شك سيقع في الغرور لا محالة ويعتبر نفسه أنه فوق البشر جميعاً ولا يجب أن يُوجه إليه أي نقد أو توجيه أو لوم وهنا تبدأ حبائل الشر والغرور تسير في أغوار نفسه مما يحيل حياته إلى جحيم وتأتى النتيجة الطبيعية وهو أن يبدأ الطرف الآخر في التباعد وكل المقاييس تتغير وتتبدل ويرجع حزيناً متألماً لما أصاب رفيق عمره من الغرور النفسي والاستبداد بالرأي، والكبر، والعجب بالنفس وبذلك يفقد الحب والحنان والرعاية ويصبحوا ذكرى طيبة له قد أضاعها وفقدها بيده وبغروره الأعمى وبحبه الزائد لنفسه وبأنانيته المطلقة .
خامساً : التحلي دائماً بما هو أفضل
لاشك أن كل منا يميل دائماً إلى أن يسلك الطريق الموصل إلى النجاح ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن وضع دستوراً منظما دقيقاً.. وطريقة للحياة نسير على هديها.. وقد بيَّن لنا جل جلاله طريق الخير وطريق الشر.. طريق النور وطريق الظلام.. طريق النجاح والهدوء النفسي، وطريق الفشل وما يصاحبه من الأمراض النفسية.
ولقد كانت هناك الدعوة الإلهية الصادقة للقيام بالتغيير من النفس الإنسانية والتحلي بما هو أفضل والوصول بالشخصية إلى مكارم الأخلاق والتخلص من الرذائل الإنسانية حتى تستطيع هذه الشخصية أن تصل إلى مرتبة الاتزان والتعقل والحكمة وبذلك تسلك الطريق الخير القويم نحو الأفضل دائماً لأنها تتحلى بما هو فاضل وتتخلص مما هو رذيل . وفي ذلك يقول الله جل جلاله: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ( الرعد: 11 ) .
نجد من ذلك أن هذا العنصر الهام يفرض نفسه ويدعو كل زوج وزوجة بأن يتحليا بما هو أفضل دائماً حتى يصلا بشخصيتهما إلى مكارم الأخلاق.. ومن المعروف بأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض يصل إلى درجة الكمال.. فالكمال لله وحده، ولكن لا بد من الإنسان المتزن الذي عرف نفسه ومن ثم فقد عرف ربه أن يسلك الطريق الذي يجعله يحظى برضاء الله، ورضائه عن نفسه في تواضع ولن يكون ذلك إلا بتغيير نفسه والتحلي دائماً بما هو أفضل ومحاولة معرفة ما ينقصه من مكارم الأخلاق ومعالجة عيوب نفسه.. أي التحلي بكل ما هو محمود والتخلص من كل ما هو مذموم.. وهنا يشعر بحب الله له ورضائه عنه فيسعد بالحب والراحة والأمن والهدوء النفسي.
إذن إن تحلى كل زوج وزوجة بما هو أفضل دائماً لهو الطريق إلى الحياة الكريمة بينهم حتى يسود الحب والاستقرار والاطمئنان حياتهما.. وينتشر الرخاء والسعادة طريقهما.
يجب أن يكون في البداية والنهاية بناء الحياة الكريمة هو هدف كل زوج وزوجة ما دام يتخذان عقلهما وقلبهما سنداً لهما في طريقهما وأنهما جزء واحد يكملان بعضهما البعض.. لا استغناء عن أحدهما دون الآخر.. وأن يحاولا التقريب وفهم كل منهما للآخر مع تغيير أنفسهما والارتقاء بسلوكهما نحو الأفضل، وأن تكون غايتهما السامية هي بقاء الحياة الزوجية والمحافظة عليها.. والتوفيق بيد الله وحده فنحن نطلب من الله التوفيق ثم نتوكل عليه سبحانه وتعالى ونسير في طريقنا مطمئنين. واثقين.. آملين في الله وعونه ورحمته وعطاءه.. وما توفيقنا إلا بالله.. فهو خير معين لنا في طريقنا وحياتنا وهدفنا لبناء حياة كريمة تقوم على مكارم الأخلاق وتسير نحو الأفضل وتنعم بالحب والهناء والسعادة والأمن النفسي والروحي.
فهيا يا رفيق العمر… وهيا يا شريكتي في الحياة.
هيا نحب قلباً وعقلاً.. نفكر قلباً وعقلاً.. نواجه مشكلات الحياة قلباً وعقلاً.. نتبادل الثقة ونشارك الرأي قلباً وعقلاً.. نتفاهم قلباً وعقلاً.. نتألم قلباً وعقلاً.. نتحمل جراح الحياة قلباً وعقلاً.. نسعد قلباً وعقلاً.. نتعظ من المواقف ودروس الحياة قلباً وعقلاً.. نتحمل مسئولية أبنائنا قلباً وعقلاً.. نشاركهم فرحتهم قلباً وعقلاً.. نعيش معهم مراحل عمرهم قلباً وعقلاً.. نفخر بهم قلباً وعقلاً.. نتحمل مسئولية الحياة وأمانتها قلباً وعقلاً.. يملأنا الإيمان بالله، ويحتوينا حب الله تحرسنا رعاية الله وعنايته، وتحيطنا رحمة الله تنيرنا القناعة.. والرضا يملأ نفوسنا فنحمد الله على نعمته.. ونشكره على لمسات حنانه وآيات حبه لنا بأن جعلنا قلباً واحداً، وعقلاً واحداً، وفكراً واحداً متحدين متفاهمين متعاونين راضين بما قسمه الله لنا.
فسيرى بنا يا سفينة الحياة معاً قلباً وعقلاً.. قودينا إلى شاطئ الحب.. شاطئ الغرام.. إلى بر الأمان حيث ترفرف أجنحة الحنان والاطمئنان والسلام والاستقرار على حياتنا معاً قلباً وعقلا.