د. نهار بن عبدالرحمن العتيبي .
إن مشكلة الطلاق والتي يعتبرها البعض أنها قد أصبحت ظاهرة هي من الأمور الخطيرة التي لا تهدد الأسرة فقط بل تهدد المجتمع بأسره وذلك لأن الطلاق يؤدي إلى تحطيم بيت الزوجية وتفرق الزوجين وتشتت البناء وتعرضهم للضياع بسبب فقد الأبوين أو فقد احدهما فتفتقد البنت أو الأب الحنان والعطف والتوجيه السليم والرعاية والاهتمام والتربية الصحيحة. ولعلاج هذه المشكلة فإن من الضروري أن يؤخذ بالأسباب التي تؤدي إلى منع حدوث الطلاق سواء كان ذلك قبل الزواج وأثناء الخطبة أو بعد الزواج وأثناء حياة الزوجين مع بعضهما أو كان ذلك أثناء حصول الطلاق الرجعي إذا حصل طلاق لأي سبب من الأسباب أوجزها فيما يلي: 1- أثناء الخطبة قبل الزواج: فإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة هو اختيار الزوجة المناسبة وكذلك اختيار الزوجة للزوج المناسب وقد ارشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال (تنكح المرأة لأربع لدينها ومالها وجمالها وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك). وقال في حق الرجل (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، وبالتالي فإن أساس الاختيار هو الدين والخلق، وهذا مهم جداً في استمرار الحياة الزوجية وعدم حصول الطلاق بإذن الله لأن صاحبي الدين والخلق يخشون الله عز وجل وكل منهم يقوم بواجباته ولا يظلم أحدهما الآخر، وحسن الخلق يؤدي إلى حسن التعامل والقضاء على ما قد يستجد من مشاكل، كما انه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة أن يرى الخاطب مخطوبته وكذا المخطوبة ترى خاطبها وهذا يؤدي إلى قناعة كل منهما بالآخر ومن ثم تؤدي هذه القناعة بدرجة كبيرة بالإضافة إلى ما سبق إلى نجاح الزواج واستمراره، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) رواه أبو داود والحاكم بسند حسن. 2- أثناء الزواج: وذلك ابتداء من مهر الزوجة فيستحب تقليله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح. ثم عند استمرار الزوجين وأسباب في حياتهما فإن من أعظم أسباب نجاح هذا الزواج والابتعاد عن الطلاق وأسبابه هو التعامل فيما بين الزوجين وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم سواء بقيام كل من الزوج والزوجة بما عليه من حقوق وواجبات أو بحسن التعامل بين الزوجين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الطبراني بسند حسن. وقد نهى النبي عن كل الأساليب التي تؤدي إلى تنافر الزوجين كالضرب المبرح أو في غير وقت النشوز أو قبل الوعظ والهجر الشرعي أو الضرب الذي لا يفيد أي من الزوجين بل لقد نهى عن ما هو دون ذلك وهو سب الزوج لزوجته وتقبيحها ونحو ذلك فقال (ولا يقبح) أي لا يقبح زوج زوجته بان يقول أنت قبيحة. كما أن على الزوجين أن يحرصا على إدخال الرفق على بيتهما فإن الرفق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه)، وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق). كما أن على كل من الزوج والزوجة أن يبتعدا عن الغضب، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً عندما قال له أوصني قال (لا تغضب)، فكررها الرجل ثلاثاً وفي كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم (لا تغضب). وعلى الزوجين أن يحتمل كل منهما للآخر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم. وعلى كل من الزوجين أن يحرص على حل المشاكل والخلافات التي لا يكاد يخلو منها بيت، مع الاهتمام الكامل بحفظ أسرارهما الخاصة بهما وعدم إفشائها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم. وليعلم كل من الزوج والزوجة أن مما ينشر الخير والسعادة ويبعد الشيطان عن البيت هو المحافظة على العبادات والأعمال الصالحة ومنها المحافظة على الأذكار الخاصة بدخول المنزل والخروج منه ودخول الخلاء وأذكار النوم وآداب تناول الطعام وغير ذلك من الآداب. 3- أثناء الطلاق الرجعي: فإن الزوج لو حصل بينه وبين زوجته خلافاً وطلقها الطلقة الأولى أو الطلقة الثانية فإن السنة أن يبقيها في منزل الزوجية ولها أن تتجمل والزوج يراها وهذا بلا شك يدعو كل من الزوج والزوجة إلى مراجعة نفسه وبالتالي يعمد الزوج إلى مراجعة زوجته قبل انتهاء عدتها وهذه رسالة واضحة من أن الإسلام لا يريد من الزوجين الطلاق وقد ورد في أثر مرسل (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وما ذاك إلا بسبب ما يسببه الطلاق من مشاكل قد لا تقتصر على الزوجة والزوج فقط بل ربما تعدى ذلك إلى المجتمع بأسره. المصدر : صحيفة الجزيرة ، العدد 12155 .