إعداد : وفاء أبوطه .
أن يغار الزوج على زوجته أمر يعزوه الخبراء إلى سلوكيات طبيعية ما لم تزد عن حدها. لكن كيف يفسر الخبراء غيرة الزوج من زوجته؟.
كانت فكرة المحلل النفسي الشهير فرويد تقوم على أن غيرة الزوج من زوجته "دفاع لا شعوري عن النفس تجاه من يتراءى له أنها مصدر الخطر". وقد اعترض علماء لاحقا حول مفهوم "دفاع لا شعوري", ورأوا أن هذا السلوك تعبير حقيقي عن خوف الرجل من فقدان دوره وسلطته.
واتفق العلماء فيما بعد على أن السبب هو اعتياد الرجل منذ مئات السنين على أن يكون هو "قائد الأسرة" يلحق به سائر أفرادها. وهذا الحال ينطبق على أبو إبراهيم(33عاما), الذي لم يستطع أن يسيطر على شعـوره الضمني بأن موقعه الاجتماعي يتراجع مقارنة بموقع زوجته. ورغم اعتزازه بالشهادة الجامعية العالية التي نالتها زوجته في دراسة اللغة العربية, إلا أنه لا يستوعب فكرة أن دخلها المادي تجاوز دخله. أبو إبراهيم, أستاذ اللغة العربية, يشعر بغيرة من زوجته, قد تتحول إلى "إحساس بالدونية وضعف الثقة", حسبما أفاد اختصاصي علم النفس مشهور الحافظ .
الحافظ يشير إلى المشكلات التي تترتب على غيرة الزوج من زوجته, خصوصا إذا قصرت الزوجة بواجباتها الأسرية.
أم إبراهيم, الأم لطفلين, تؤكد ذلك. تقول "يبحث زوجي عن أشياء تافهة, لكي يثبت أنني مقصرة ومهملة في بيتي". ولم يمانع أبو إبراهيم في البداية أن تكمل زوجته مشوارها العلمي, لكن الأمور اختلفت بعد حصولها على شهادة الدكتوراة, كما تقول. وبحسب الحافظ, فإن الغيرة غالباً ما تتخذ منحى مرضياً يتجسد عنفاً كلامياً أو حتى جسدياً خصوصاً إذا كان الزوج يشعر بأنه لم يحقق النجاح الذي يصبو إليه.
ويلجأ بعض الأزواج, وفق الحافظ, إلى تهديد الزوجة بمنعها من العمل أو إحراجها في مكان عملها، أوإتلاف هذه النجاحات إذا كانت قابلة للتلف كالبحوث. "تحول نجاحي إلى جحيم في المنزل",
تقول أم إبراهيم, السيدة الثلاثينية, التي قام زوجها بإتلاف أوراق مهمة تخصها. ولا يتسنى لأم إبراهيم فعل أي شيء لمنع غيرة زوجها, وتقول بلهجة تنم عن إحباط "أحيانا لا أستطيع منع نفسي من البكاء والصراخ". وبينما تعاني أم إبراهيم من مضايقات زوجها, تطورت هذه المشاكل مع أم عمر(25عاما) حتى وصلت للطلاق.
أم عمر, أم لطفل, تزوجت رغم اعتراض والديها على هذا الزواج, كما تقول, وكان سبب الرفض هو أن زوجها لم يكمل تعليمه, فيما تحمل هي شهادة جامعية. "ما أن أذكر رغبتي في العمل حتى تتلبسه شخصية أخرى", تقول أم عمر المهندسة الزراعية, التي يعرضها زوجها للكثير من الإحراج أمام العائلة. ولم يتوان زوجها عن اللجوء الى العنف الجسدي لإفهامها أنه الأقوى رغم كل نجاحاتها المهنية. وليس ذلك فحسب, فقد كان يتعمد الإثبات للآخرين أنه هو صاحب القرار في المنزل, وحين تلفت أم عمر نظره يغضب ويتلفظ بألفاظ سيئة.
الحافظ يشير هنا إلى ضرورة تقارب المستوى الثقافي وتلاؤم طريقة التفكير لكل من الزوجين قبل الارتباط. وعلى النقيض من ذلك يستجيب بعض الأزواج لتحدي تفوّق الزوجة فيضاعفون الجهد لمساواتها.
أبو خالد(40عاما), تحولت الغيرة لديه إلى إنجاز مهني, فأصبح رئيس قسم المحاسبة بعد أن كان موظفا صغيرا في شركة. ويعترف بصراحة "استسلامي لشعور الغيرة سوف يقضي على استقراري النفسي". وحوّل أبو خالد شحنات هذا الشعور إلى حماسة مضاعفة في العمل ما جعله يحقق نجاحا ودخلا يفوق دخل زوجته.
ويقول بلا حرج "شكل نجاح زوجتي حافزا لي لمتابعة دراستي في تخصص المحاسبة, وذلك أعاد ثقتي بنفسي". ويذهب أبو خالد إلى أن كره الرجل لنجاح المرأة دليل على ضعف في الشخصية وعدم الإيمان بدورها في المجتمع.
لكن الحافظ يعتقد أن "كره الرجل لنجاح المرأة يتوقف على ذكاء الزوجة في تعاملها مع زوجها". وينصح "يجب ألا يتحول نجاح الزوجة إلى عبء على حياتها الزوجية, وينبغي ألا تبالغ في الإحساس بالنجاح".
والزوجة الناجحة, وفق الحافظ, يجب أن تكون شديدة الحساسية في التعامل مع زوجها, وألا يشغلها عملها أيًّا كانت طبيعته عن واجباتها الأسرية، لأنه "صمام الأمان للاستقرار الأسري".
وإلى جانب ما ذكره الحافظ, يضيف الاستشاري الأسري زياد البلاونة أن أي نجاح خارجي على حساب أمن وسلامة الأسرة لا يعد نجاحا، مبينا أن "النجاح الحقيقي لا بد أن يستند إلى بيت مستقر".
وبحسب البلاونة فإن أسباب غيرة الزوج ترجع إلى عدم وجود الكفاءة في الزواج, كأن تكون الزوجة مليئة بالطموح والإنجاز بعكس زوجها.
ولا ينفي أن يكون السبب في غيرة الزوج هو الزوجة نفسها. يقول "إذا أصاب الزوجة الغرور أو الكبر على الزوج وإشعاره بأنه جاهل أو ضعيف فهذا يولِّد الكره والبغض".
وينبغي, وفق البلاونة, أن تشعر الزوجة زوجها بأنها رغم نجاحها مازالت تحبه ومتعلقة به ولا تفكر في غيره.
وعليها أن تشاركه فرحة النجاح, كما يقول, بأن تبين له بأن نجاحها ما كان ليكون من دونه، وأن تستشيره في أمورها, ليحس بقدره ومكانته وقيمة كلمته.
ولأن العمل الناجح يحتاج مشاركة وتفهم جميع أفراد الأسرة, فمن الضروري, بحسب البلاونة, أن يتكاتف الجميع لدعم كل من يود أن يقوم بعمل يهدف إلى خدمة الأسرة والمجتمع.
ويضرب البلاونة أمثلة على العديد من الأزواج ساهموا بدعم زوجاتهم في مسيرة المجتمع؛ فكانوا وراء نجاحهن كرائدات في مجالاتهن.
ومن هنا, يرى الخبراء, ضرورة تقدير كل من الزوجين ظروف شريكه الآخر ويجب أن تبنى العلاقة الزوجية على التكافؤ والانسجام, وأن تكون المرأة حكيمة في التعامل مع الزوج، وإشعاره برجولته.
المصدر : صحيفة الغد الأردنية .