كان سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي من رماة العرب المعدودين، ومن أصحاب بيعة الرضوان وحين أسلم... أسلم نفسه للإسلام صادقا منيبا... يقول: (غزوت مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات ومع زيد بن حارثة تسع غزوات)...
حين خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عام ست من الهجرة، قاصدين زيارة البيت الحرام ومنعتهم قريش، وسرت شائعة أن عثمان بن عفان مبعوث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى قريش قد قتـله المشركون بايع الصحابة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- على الموت، يقول سلـمة: (بايعـت رسول الله على الموت تحت الشجرة، ثم تنحيت، فلما خـف الناس، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (يا سلمة، مالك لا تبايع؟)... قلت: (قد بايعت يا رسول الله)... قال: (وأيضا)... فبايعته)... فبايع يومها ثلاث مرات أوّل الناس، ووسطهم، وآخرهم...
أغار عُيينة بن حصن في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالغابة، وفيها رجل من بني غفار وامرأة له، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح، وكان أول من نذر بهم سلمة بن الأكوع غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله، ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله، معه فرس له يقوده، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم، فأشرف في ناحية سلع ثم صرخ: (واصباحاه!)...
ثم خرج يشتد في أثار القوم وكان مثل السبع، حتى لحقهم، فجعل يردهم بالنبل ويقول إذ رمى: (خذها وأنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرضع)... فيقول قائلهم: (أويكعنا هو أول النهار)... وبقي سلمى كذلك حتى أدركه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوة وافرة من الصحابة، وفي هذا اليوم قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (خير رجّالتنا -أي مُشاتنا- سلمة بن الأكوع)...
لم يعرف سلمة الأسى والجزع إلا عند مصرع أخيه عامر بن الأكوع في حرب خيبر، في تلك المعركة انثنى سيف عامر في يده وأصابت دؤابته منه مقتلا، فقال بعض المسلمين: (مسكين عامر حرم الشهادة)... فحزن سلمة وذهب الى الرسول -صلى الله عليه وسلم سائلا: (أصحيح يا رسول الله أن عامرا حبط عمله؟)... فأجاب الرسول: (إنه قتل مجاهدا، وإن له لأجرين، وإنه الآن ليسبح في أنهار الجنة)...
الإصابة
رأى يزيـد بن أبي عُبَيـد أثرَ ضربة في ساق سلمة فقال له: (يا أبا مسلم ما هذه الضربـة؟)... قال سلمة: (هذه ضربة أصابتني يوم خيبر فقال الناس: (أصيب سلمة)... فأتيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- فنفث فيها ثلاث نفثاتٍ، فما اشتكيتُها حتى الساعة...
جوده
كان سلمة على جوده المفيض أكثر ما يكون جوداً إذا سئل بوجه الله، ولقد عرف الناس منه ذلك، فإذا أرادوا أن يظفروا منه بشيء قالوا: (نسألك بوجه الله)... وكان يقول: (من لم يعط بوجه الله فبم يعط؟)...
وفاته
حين قتل عثمان بن عفان أدرك سلمى بن الأكوع أن الفتنة قد بدأت، فرفض المشاركة بها، وغادر المدينة إلى الربذة، حيث عاش بقية حياته، وفي يوم من العام أربع وسبعين من الهجرة سافر إلى المدينة زائرا، وقضى فيها يومان، وفي اليوم الثالث مات، فضمه ثراها الحبيب مع الشهداء والرفاق الصالحين...