موقع المستشار – تحقيق : عبد الرحمن هاشم .
9 ملايين شاب وفتاة في مصر عانس وعزب تعدوا سن الثلاثين دون زواج. آخر إحصائية واردة من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء, تشير إلى أزمة الشباب ذكورًا وإناثًا في مجتمع مزدحم بالبشر والمغريات والمثيرات الجنسية كالمجتمع المصري, ومثلهم أو أكثر في باقي الدول العربية, مما يعني ارتفاع معدلات «العنوسة» في المجتمع العربي المسلم!
ولا شك أن تأخر سن الزواج أصبح ظاهرة ملحوظة في السنوات الأخيرة ولها أبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية ولها مخاطرها على المجتمع.. وهذا يدعو إلى دراسة هذه الظاهرة من مختلف جوانبها للتعرف على أسبابها والحلول المطلوبة لمواجهة الظاهرة وتيسير الحلال «الزواج» أمام الشباب بدلاً من تعسيره, والقاعدة الفقهية تقول: من عَسَّر حلالاً يَسَّر حرامًا.
آراء الشباب .
استطلعنا آراء بعض الشباب الذين يعانون مشكلة «العنوسة».. سرد محمود فؤاد قصة عدم استكمال مشروع زواجه رغم أن سنه تجاوز الخامسة والثلاثين فقال: انهار حلم حياتي في الزواج بسبب الخلاف مع أهل «العروسة» حول مسكن الزوجية, فإمكانياتي أتاحت لي شقة بالإيجار البسيط نسبيًا في إحدي المناطق الشعبية, فكانت المفاجأة لي رفض والد العروسة ووالدتها وإخوتها أن تعيش ابنتهم في تلك المنطقة, وبالتالي رفضوا ارتباط ابنتهم بي بعد خطوبة استمرت سنتين.. ويقول عماد شرف الدين -مدرس 30 سنة-: لا أظن أنني اتزوج إلا بعد مرور 5 سنوات.. والمشكلة تكمن في تطلعات البيوت التي قد تفوق إمكانيات الشباب المبتدئ فأهل أي فتاة الآن لا يريدون إلا العريس الجاهز صاحب الوظيفة والدخل المحترم, هذا إلى جانب الهدايا وحفل الزفاف الذي يليق بكريمتهم, فمن أين يأتي الشاب الفقير الراغب في العفاف بكل هذه المتطلبات? وتقول أسماء فتحي 31 سنة: ليس هناك تطلعات للفتاة أو لأسرتها فكل فتاة تريد من العريس المتقدم لها أن يكون على دين وخلق وأن يكون ابن ناس أما الأمور المادية فتقسم بين أهل العريس وأهل العروسة والكل يتبع هذا الأسلوب الآن لأنه بدون مساعدة الأهل فلن يتزوج أحد.. أما القلة من البيوت والأسر فهي التي تشترط شروطًا مبالغًا فيها وحجتها في ذلك أنهم قد صرفوا على ابنتهم حتى تخرجت وعملت - طبيبة مثلاً - الكثير والكثير والعريس سوف يأخذها على الجاهز فلماذا لا يتحمل ما يُطلب منه?
الطموح والطمع .
وتؤكد الدكتورة نشوي حبيب -مدرسة علم النفس بكلية الآداب جامعة طنطا- أن ارتفاع مستوي الطموح لدي الأفراد والأسر والطمع في استكمال كل مستلزمات البيت قبل الزواج... كل ذلك يزيد من شأنه تأخير سن الزواج ومما يضاعف العبء على الشباب, بينما نجد في العقود السابقة الرضا والقناعة بالقليل وتيسير الأمور, فكانت الحياة الزوجية تبدأ بالقليل من الأثاث وتنمو مع مرور الوقت.. أما الحياة المادية الآن فهي التي جعلت كل شيء سلعة فترتب عليها تأخير سن الزواج, ولهذا أثره الخطير في تركيبة السكان على المدى البعيد» حيث تتضاءل فئة الأطفال والشباب وتتضخم فئة الشيوخ, وهذا يؤثر على معدلات التنمية والإنتاج ويشيخ مجتمعنا مثل المجتمعات الأوروبية.. فضلاً عن أن تأخر سن الزواج مدخل لظروف غير أخلاقية وانحرافات عالية وزيادة نسبة جرائم الشرف والعرض مما ينذر بعواقب وخيمة.
أسباب الظاهرة .
وعن أسباب هذه الظاهرة يقول الأستاذ على لبن -الخبير التربوي-: السبب الرئيسي والمباشر في هذه المشكلة هو العامل الاقتصادي والذي أثر بدوره في انتشار المشكلة لتتحول إلى ظاهرة, فقدرة الشباب المادية أصبحت ضعيفة لأن نظامنا التعليمي جعله عاطلاً حتى سن 24 سنة, بينما الطالب في الغرب يدرس ويعمل بعد الظهر فيتخرج وقد اكتسب من خبرات الحياة واستطاع ماديًا أن يستقل بنفسه بخلاف الشاب عندنا فهو طفل حتى الثلاثين يعتمد اعتمادًا كليًا على أبيه لسد احتياجاته ومتطلباته.. فهي مشكلة نظام وحكومة نهجت نهجًا ينشر البطالة بين الشباب فكانت النتيجة: فتيات حرائر لا يجدن من يطرق أبوابهن ليتزوجهن, وكانت النتيجة كذلك التفاف الشبان من الجنسين حول علاقات سهلة محرمة لا يبذلون فيها جهدًا تحت مسمي الزواج العرفي وهي علاقة محكوم عليها بالفشل لأنها تخالف منهج الله في إقامة البيوت الشريفة.. ولا أحاكم هنا إلا الدولة لأنها هي التي دفعت هؤلاء الشباب إلى الانحرافات المختلفة.
حلول مطروحة .
الدكتور محمد عسير - أستاذ علم النفس في جامعة الأزهر - يرى أن مشكلة تأخر الزواج يكمن حلها في أن يتجه الآباء والأمهات إلى تقوى الله في بناتهم وأبنائهم وأن يبتعدوا عن المغالاة في طلب المهور, فأيسرهن صداقًا أكثرهن بركة, وليس أحسنهن أثاثًا وبيوتًا وحليًا.. والنبي -صلي الله عليه وسلم- يطلب منا تيسير الزواج وقبول الشخص لدينه حتى لا تكون فتنة تعرض الشباب للانحراف فقال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». وكذلك عدم التعقيد من جانب الآباء والأمهات وعدم وضع الشروط والعقبات في طريق المتقدم للزواج, وعدم رد طالب الزواج إن كان قادرًا على ذلك وكان أرملاً أو سبق له الزواج.
وأيضًا من الحلول المطروحة (التعدد) -لمن كان لديه الاستطاعة- الذي كاد كثير من المسلمين للأسف الشديد يعدونه حرامًا وعيبًا وانحرافًا, فنشأت المشكلات التي يعانيها الذين حرّموا نظام التعدد, وعلي رأسها هذا الكم الهائل من اللاتي لا يجدن نكاحًا.
ومطلوب من جميع وسائل الإعلام الجماهيرية من صحافة وإذاعة وتليفزيون تناول هذه المشكلة بشكل مفصل وتوضيح الأسباب والحلول وتوضيح الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الأهل في مواجهة المشكلة, إذا بعدوا عن التعسير واتجهوا إلى التيسير في عملية الزواج.. كما أن الخطاب الديني في المساجد يجب أن يوضح رأي الشرع الحنيف وكيف أن القاعدة الفقهية تقول: «من عسّر حلالاً يسّر حرامًا» ويتم إسقاطها على الزواج. ويبقي على الدولة أن تبتكر مشروعات للشباب وتوفر لهم فرص عمل شريف حتى يتسني لهم إعداد منزل الزوجية.