تداعيات العنـف الأسـري

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : آمال الودعاني | المصدر : www.almostshar.com


تداعيات العنـف الأسـري .

 

د. آمال الودعاني .

 مع تزايد حالات العنف الأسري في مجتمعنا، بات من الملحّ التعامل مع هذا الموضوع بطريقة إيجابية ومدروسة بحيث تحفظ للطرف المتضرر حقوقه وتمنع تداعيات هذه المأساة على حياته النفسية والأسرية من التدهور.


حدثتني إحدى الأخوات ممن يعملن في مجال حقوق الإنسان عن الكم الهائل من القضايا التي ترد إلى المكتب والخاصة بالعنف الأسري الجسدي واللفظي، مما ينذر بحدوث كارثة إن لم يتم تداركها.

وما حصل في الشهور الأخيرة في بلادنا من حوادث بشعة، تقشعر لها الأبدان، ما هو إلا نتاج للعاهات العقلية والاضطرابات النفسية !


فقد لاقى أطفال أبرياء، لا ذنب لهم، حتفهم بسبب أب أو أم غير مؤهلين لحضانتهم وتربيتهم .. ومع الأسف الشديد فإن معظم حالات العنف الأسري لا يتم اكتشافها مبكراً قبل حدوث مصيبة، إما بسبب أن الأمر لم يكن واضحاً للعيان، أو أن هناك تحفظاً للإبلاغ عن مثل هذه الحالات بسبب قانون «العيب» والمحظور في مجتمعنا !

 

 لقد تفشت مثل هذه التجاوزات مؤخراً بطريقة مخيفة، فها هي الصحف المحلية لدينا وقد دأبت على عرض نماذج من هذه الجرائم التي لم تكن موجودة سابقاً بين أفراد مجتمعنا المسالم، بل إن مثل هذه الفظائع باتت تحدث بين أقارب من الدرجة الأولى، كالقضايا الغريبة التي قرأنا وسمعنا عنها، فهناك من قتل طفله، وهناك من قتل أمه، وهناك من صرع أخاه الشقيق.. طبعاً لن أخوض في الأسباب المؤدية لذلك وهي معروفة للجميع، إما أمراضا نفسية، أو ضغوطا تراكمية، أو فقرا مدقعا.. وغيرها من الأسباب كالإدمان على المخدرات والتفكك الأسري.


من المؤلم حقاً أن ترى أطفالاً في عمر غض يفقدون حياتهم بطرق مزرية تحز في النفس وتدخل الأسى في القلوب .. وتهل معها العيون دمعاً مدراراً، حين نرى مقدار ما قاسوه من عذاب ومعاناة لا يقوى الرجل على تحملها فكيف بطفل صغير؟!
 


ويأتي السؤال: من الملام في هذا ؟؟


إذا كانت هناك أسرة مفككة وأفرادها مرضى نفسيون أليس من الأجدر أن يكون للمدرسة دور في حل مثل هذه المشكلات ؟


لماذا لا تبحث هيئة التدريس ممثلة بالأخصائي الاجتماعي في حالات جميع الطلاب، أو على الأقل المشتبه في تعرضهم لعنف أسري كي نتدارك مآسي قد تحدث لاحقاً إذا ما تم اكتشافها قبل فوات الأوان، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فالغالبية من الصغار المتضررين يكونون من المتأخرين دراسياً ويغلب على طبعهم الكآبة والقلق، وغيرها من السلوكيات التي قد لا تخفى على أحد، لذا فمن رأيي أن تبذل المدارس جهوداً للحد من تفاقم مثل هذه الحالات، وأن لا يستهينوا بما يرونه من سلوك غريب يطرأ على أي تلميذ كالتأخر في التحصيل الدراسي والذي قد يعزونه إلى نقص في الذكاء (أو الشطارة)، مما قد يجعلهم يتعاملون مع الطالب بطريقة تزيد الوضع سوءاً وتضخم المشكلة بتعنيف المعلم للطلاب المستهدفين جهلاً، بينما كان من المفترض البحث في أسباب هذا التراجع في المستوى، واحتواؤهم بدلاً من توبيخهم.

لذلك أقترح أن يتم إعداد المدرسين والمدرسات في مجتمعنا لدورات تأهيلية كونهم الأكثر احتكاكاً بالطلاب، وكذلك أرى أنه من المهم جداً تفقد المدارس ولقاء الطلاب بشكل دوري من قبل الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان معاً من أجل تقليص حالات العنف المتزايدة في المجتمع.

وللمعلومية؛ فإن العنف لا يكون جسدياً فحسب كما هو متعارف عليه بالنسبة للعامة، بل يشمل الأذى النفسي، والقسوة باللفظ، وغيرهما. وأعتقد أن مجتمعنا الآن أمسى أكثر وعياً من ذي قبل لما يحدث حوله من قضايا تعنى بأشكال العنف، والدليل هو إنشاء عدد من الجمعيات الخاصة بحماية الطفل، وجهود فعالة تثير الإعجاب والتقدير. لقد كان الإبلاغ عن مثل هذه الحالات فيما مضى يعتمد على المبلّغ نفسه إن كان قادراً على مواجهة المشكلة ولديه الجرأة على ذلك .. أما الآن فالوضع قد تغير، ولله الحمـد، فحتى الحالات المشتبه فيها أصبحت قيد الدراسة للإبلاغ عنها إجبارياً وعبر لجان متخصصة بتعاون المستشفى والجهات الأمنية.

ويأتي كذلك دور المواطن في تتبع مثل هذه الحالات بأن يكون ذا حس يقظ للتعامل مع الجهات ذات الاختصاص حين الاشتباه في أي موضوع قد يكون له علاقة بالعنف. وأعتقد أن للمسئولين في أي قطاع حكومي دورا مهما في توعية وتثقيف المواطنين عن العنف الأسري وتداعياته على مجتمعنا، فكلنا مسئول؛ المعلم في المدرسة، والطبيب في المستشفى، والإمام في المسجد.. نحن بحاجة إلى تضافر جهود جميع المواطنين والمسئولين.. فما حدث في الفترة الأخيرة كان فواجع لم تقوَ أفئدتنا على تحملها.
 

 

 

 

 

 


المصدر: صحيفة اليوم ، العدد 12752 .