أزمة منتصف العمر وسن اليأس : الحقيقة والخيال

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : أيمن غريب قطب | المصدر : www.almostshar.com


أزمة منتصف العمر وسن اليأس : الحقيقة والخيال .

 

د. أيمن غريب قطب  .

   

هناك ما قد يطلق عليه البعض أزمة منتصف العمر لدى الرجال . كما هناك ما يسمى في المقابل بسن اليأس أو الإياس لدى الإناث . فهل هما أمر واقعي ؟ وما حقيقة ما يصاحبهما من العديد من الإدعاءات والتصورات ؟ هذا ما سوف نعرض له بشيء من التفصيل في هذه المقالة . وكيفية معالجة الآثار الناجمة عن مثل هذه التغيرات لدى الجنسين .


في حقيقة الأمر هناك مرحلة لدى الإناث تبدأ فيها الوظائف الحيوية والجنسية والقدرة على الإنجاب في التأثر سلبا . ويرتبط ذلك بانقطاع الدورة الشهرية لدى المرأة أو توقف نزول البويضات . وبالتالي عدم القدرة على الحمل . فإذا بلغت المرأة منتصف الأربعينات أو مع بداية الخمسينات على وجه التقريب يتوقف الحيض.مما يعني تغير في الإفرازات الهرمونية حيث لم يعد للمبيض القدرة على إفراز البويضات .


وقد يصاحب ذلك ضمور في الفرج والجسم وظهور علامات الشيخوخة ولو بشكل تدريجي . هذا بالإضافة إلى بعض المظاهر الفسيولوجية الأخرى مثل كثرة العرق وارتفاع حرارة الجسم التي تستشعرها المرأة . وكذلك شعور بالدوخة والأرق والصداع وكثرة التبول وزيادة الإفرازات المهبلية. وأحيانا تأتي المرأة حكة في الفرج مما يزيد من عصبيتها خاصة أثناء المجامعة . كما تتأثر نضارتها وحيويتها بنقص الإفرازات الهرمونية .


وحتى العلامات الثانوية للأنوثة يصيبها بعض التغير . حيث يتساقط الشعر وينكمش حجم الثديان ويقل تماسكهما . وتزداد التجاعيد على الوجه والرقبة والحوض ويترهل الجسم . إن مثل هذه التغيرات تصيب المرأة بمشاعر من الاضطراب . ومن ثم تبدو لديها محاولات لزيادة الاهتمام بالنفس والجسم المصاحبة لمشاعر القلق والخشية من هذه التغيرات . كما قد تقاوم ذلك بمزيد من التجارب الجديدة والمحاولات المثيرة .


وقد ينعكس رد الفعل لهذه التغيرات لدى المرأة بفورة من النشاط تختلف باختلاف شخصية المرأة وثقافتها . فقد تتوجه إلى النشاط الجنسي الذي يتهددها بالنقصان وتحاول تعويض ذلك بمزيد من النشاط والاهتمام بهذا الأمر . وقد تحاول الإنجاب وقد تحمل بالفعل لمرة أو مرتين رغم مشاغلها وكثرة أعباء البيت ومسؤوليات الأولاد . وقد تتجه إلى مزيد من الاهتمامات الثقافية أو العلمية أو الفنية أو غير ذلك من الاهتمامات السابقة والتي قد تكون أهملتها إلى حد ما أو أصابها الفتور ناحيتها في الفترات السابقة . وتحاول المرأة إثبات ذاتها في هذه المرحلة بحيث تبعث رسالة مفادها أنها ليست فقط أداة للإنجاب والتناسل وإنما هي أكبر من ذلك بكثير .

إن التدهور العام الذي يصيب الصحة العامة للمرأة ونشاطها الفسيولوجي . وخاصة ما قد اكتسبته أثناء فترة البلوغ والمراهقة وجعل منها محط الأنظار ومثار الإعجاب والاهتمام . كل ذلك يصيب المرأة بكثير من القلق والاضطراب . فتبدأ في بعض التصرفات والممارسات الغريبة أو غير المعتادة . وتجهد نفسها وتشبع رغباتها حتى اللامعقولة منها وقد يستمر ذلك للعديد من السنوات . وقد يصاحب هذه المحاولات منها إعراض من المحيطين أو عدم القبول. وقد تتصادم معهم لإصرارها على رغباتها وجرأتها رغم تذكيرهم المستمر لها بسنها . لكنها قد تتمادى وتستمر فتتجمل وتخفي حقيقتها بشكل مبالغ فيه . ويساعدها في ذلك وسائل التجميل المستحدثة مثل شد الوجه والأزياء والأصباغ المثيرة والكريمات والحمامات والتدليك .

وقد يصاحب ذلك انفلات جنسي لدى المرأة فتبدأ في ممارسة أنواع من العلاقات لا تتناسب مع القيم والأخلاقيات . وقد تشعر بأن زوجها ليس جديرا بها . فتبدأ في أشكال من الممارسات والخلافات الزوجية وقد تطلب الطلاق ومن كثرة إلحاحها قد تحصل عليه . ومن ثم مزيد من الانفلات .وقد تسيء اختيار الأصدقاء وتنشأ علاقات غير مقبولة دينيا أو أخلاقيا أو اجتماعيا . وكلها تصرفات تتميز بالرعونة وعدم التركيز والفهم وتنقصها الحكمة والروية .

ويستدل على الإياس لدى المرأة بأعراض انتهاء الحيض والدفقات الحارة التي تشمل الجسم . وعدم الاستقرار الانفعالي والصداع القفوي ووجع الرقبة وحالة من التعب والإنهاك المستمرين . وكذلك العسر في الجماع بسبب ضيق المهبل وهشاشة بطانته وقلة ما يفرز من ماء بالإضافة إلى تشنجات الرحم المؤلمة مما يشير إلى افتقار المرأة للإفرازات الهرمونية الجنسية .


هذا بالإضافة إلى شكوى بعض النساء من ألم المثانة والمهبل بعد الجماع والذهاب إلى المرحاض بعده بسبب الهشاشة التي تطرأ على بطانة المهبل والضغط عليها في الجماع الطويل أو المتكرر بالإضافة إلى الحساسية المفرطة للبظر .

وهناك فروق كبيرة بين النساء في ردود الأفعال لذلك وفي مدى تأثرهن بها . وكذلك الأعراض الناجمة عنها والسبب في ذلك هو أنه رغم توقف الحيض إلا أن إفرازاتهن الهرمونية تستمر بنفس معدلاتها أو أقل قليلا .


وهناك من النساء من يمارسن الجنس بانتظام مرة أو مرتين أسبوعيا ويواظبن على ذلك مما يكسبهن المزيد من المرونة ويساعد على مرونة المهبل واستمرار النشاط الجنسي دون مشاكل تذكر .


كما قد تظهر لدى بعض النساء مع هذه الأعراض مشاعر من الانحرافات الكامنة والسلوكيات الناشئة عنها . حيث قد لا تجد بعض النساء الإشباع العاطفي والجنسي سواء لفقدان الزوج أو فتور العلاقة أو انصرافه عنها فتشرد جنسيا أو عاطفيا . وتقيم علاقات غير مقبولة أو غير شرعية وقد تخالط أو تشاع . وقد تمارس بعضهن البغاء إما لحاجة مادية أو انحراف فكري أو خلقي . ومنهن من قد يتصابين أو تحاولن إغواء الشبان الصغار لتقمن معهم علاقات جنسية أو عاطفية .

أما بالنسبة للرجال فهناك وهم شائع يطلق عليه أزمة منتصف العمر لدى الرجال . وهو ما قد يصاحب التغيرات التي تصيب الرجل في سن متأخرة بعد الستين أو عندما يفقد قدرته على إتيان النساء .وتعد هذه المسألة نسبية جدا . ولا تصيب إلا القليل من الرجال .والرجل الذي يلحقه ذلك لا ينتصب وتنخفض نسبة هر مون التيستسرون لديه .


غير أن الكثير من الرجال يظلون محتفظين بحيويتهم إلى ما بعد السبعين والثمانين من العمر . ويظل إفراز هذا الهرمون عند مستواه الطبيعي لديهم . وهناك عدد كبير من الرجال في التسعين من العمر كان مستوى هذا الهرمون عندهم نفس مستواه عند الرجل العادي في الأربعين أو الخمسين .

 


وهناك وجهتي نظر فيما يخص الرجال :


إحداهما تقول أن فقدان هذه القدرة الجنسية يحصل تدريجيا .والأخرى ترى أنها تحدث فجأة ويصيب الرجل ما يطلقون عليه أزمة منتصف العمر .


وقد يصاحب ذلك بعض المشكلات للرجل مع زوجته وأولاده . أو يعاني من مشكلات في عمله .ومن ثم تنسب إلى هذه المرحلة مثل هذه الأمور دون وجه حق. وقد يجد الرجل في هذه المرحلة من قد تناسبه في سنه وميوله ويعيد حياته من جديد .

 

 مما قد يفسر إطلاق البعض للمقولة الشهيرة بأن ّالحياة تبدأ بعد الستين ّ. غير أنه كثيرا ما يصاحب ذلك مشاعر من الغيرة أو الحسد من المحيطين أو سوء التفسير خاصة من طليقته أو الزوجة الأولى . فتطلق الشائعات والتفسيرات الخاطئة عن هذا الرجل . وكذلك بالنسبة لأولاده حيث يرغبون في الحصول على أمواله ويطمعون فيها. وقد يصل بهم الأمر إلى طلب الحجر عليه بإدعاء الخوف من سوء تصرفاته أو سفاهتها أو تضييعه لأمواله أو سوء تصرفه أو بإقامة علاقات غير مقبولة من وجهة نظرهم حتى ولو كان ذلك في إطار الشرع والقانون .

وقد يصاحب ذلك لدى الرجل مشاعر من القلق والتعب والعزوف عن الجماع . وقد يفشل في الانتصاب مما يفقده الثقة في النفس .وقد ينتصب وهو نائم فيصيبه القلق ويصر على إعادة المحاولة فيفشل فيصاب بالخوف والهلع والقلق من الفشل المستمر . ويعاني من ذلك كثيرا مما قد يعرضه لمشاعر من الاكتئاب فينعكس على تصرفاته مع الآخرين . ويصاحب ذلك لدى الرجال العديد من التغيرات الفسيولوجية مثل سرعة دقات القلب والتنفس وفقدان التوازن العصبي .

ولعل أكثر ما يسبب القلق والتوتر لدى كل من الجنسين هو عدم معرفتهم بما يحدث لهم من تغيرات وتوائمهم معها في هذه المرحلة . والاستجابة المناسبة لمثل هذه التغيرات الجنسية والفسيولوجية . ومن المهم ألا يبالغ الفرد من الجنسين في مشاعر القلق والاكتئاب وردود الأفعال العصبية والإحساس المتنامي بفقدان الثقة. وألا تصيبه الأوهام خاصة فيما يتعلق بالعجز الجنسي والقلق الناجم عن ذلك .


والحال بالنسبة للمرأة هو أنها قد تصاب بكثير من الأفكار والتشوشات الفكرية الخاطئة حيث ترى أنه ينظر إليها على أنه لا يرجى منها نفع أو فائدة أو حمل أو غير ذلك . وواقع الأمر غير ذلك حيث أن للمرأة دور كبير خاصة في هذه المرحلة في حياة الأسرة والرجل والمجتمع بصفة عامة . كما يمكنها أن تمارس حياتها بأشكال مختلفة وأساليب ممتعة ومفيدة . ومنها ممارسة الجماع بصورة جيدة ويمكن أن تكون مشتهاة بلا أدنى شك .


وعلى كلا الجنسين أن يبدآ حياتهما بإقبال وتفاؤل وثقة في المستقبل وتفهم لما يمرون به من تغيرات وتقبلها والتكيف معها ومع الآخرين بالشكل والأسلوب والطريقة التي تتماشى مع ذلك .


والمهم أيضا ألا يحاول الفرد من الجنسين أن يقع مرة أخرى في انتكاسة إلى مراحل سابقة من العمر . فيعود إلى المراهقة أو الطفولة وهي عملية الارتداد مرة أخرى إلى مراحل القوة . وذلك لتعويض مشاعر الضعف وعدم الثقة التي يستشعرها الفرد منهما .


وقد تبرر ذلك مشاعر الوحدة التي قد يعاني منها أحد الطرفين أو كلاهما . حيث قد يجد أحد الزوجين نفسه وحيدا إما نتيجة لموت الزوج أو انصراف أحد الشريكين عن الآخر ولونفسيا أو معنويا . مما يعزز لدى الفرد مشاعر العجز الجنسي والقلق وتدهور الظروف الصحية . كما قد تزداد هذه المشاعر النفسية السالبة بمرور الوقت واحتداد القلق والخوف من المستقبل .


ويعاني كلا الجنسين من أحاسيس الحرمان والجوع العاطفي مما قد يجعلهما يقبلان على الترحال والتجوال لتعويض كل ذلك . وقد يهرب الفرد من ذلك إلى التدين والصلاة وأداء الأعمال الخيرية . وقد تصيب الفرد حالة من النرجسية والتركيز الشديد على الذات فينطلق للعيش في أجواء من الإشباعات والرفاهية والبحث عن الملذات في محاولة مستمرة للهروب من هذه الأجواء والأحاسيس السلبية .