الإشباع العاطفي والحاجة إلى الحب

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : أيمن غريب قطب | المصدر : www.almostshar.com

الإشباع العاطفي والحاجة إلى الحب .

 

د. أيمن غريب قطب  .

 

 

 

لقد لاحظت من خلال متابعتي لموقع المستشار أن معظم المشكلات موضع القراءة والاهتمام والتي تستقطب انتباه القراء وتثير اهتمامهم تلك التي تدور حول الإشباع العاطفي والجنسي والمشكلات المترتبة عليهما .


كما لاحظت خلال عملي في مجال التدريس الجامعي والإرشاد النفسي والاجتماعي أن هناك إقبالا بل تهافتا لدى الشباب والناس بوجه عام وشغف بمثل هذه الموضوعات . وقد كنت أثناء محاضراتي عندما أجد اهتمام الطلاب بدأ في الفتور حالما أثير مثل هذه المواضيع وأطرحها للنقاش أو أشير إليها تستأثر المحاضرة بالاهتمام ويستيقظ النائم وينتبه الجميع وتصبح المحاضرة في حالة توهج واشتعال !! .


وقد أثيرت في الفترات الأخيرة مشكلات متعلقة بهذا الموضوع لدى الرأي العام هنا وهناك على امتداد منطقتنا العربية ،مثل مشكلات الاختلاط لدى الشباب والعلاقات العاطفية والزواج والطلاق العاطفي والعقد النفسية والانفعالية والانحرافات الجنسية .


لقد كان الحب وموضوعاته في معظم مجتمعاتنا العربية منطقة محرمة لا يستطيع كاتب أو محلل أن يقترب منها دون تحفظ أو ملام . ويمكن القول أن سحب وغمائم الرياء الاجتماعي قد بدأت تنقشع حتى أن المرأة نفسها صارت تتناول وتكتب في مثل هذه الموضوعات سواء في الكتب أو الجرائد والمجلات ووسائل الإعلام وتعرضها بكثير من العمق والصراحة .


إن الحب قضية إنسانية من حق الرجل والمرأة والشباب والأطفال أن يناقشوها بصراحة وحرية لأنه حاجة إنسانية لابد من إشباعها .


وبداية هل يصح القول أن الحب الجنسي هو الأصل ؟ أو هو الذي ترتد وتدور حوله أشكال الحب الأخرى ؟ وهل الحب مجرد عاطفة أم هو فعل عرفان ؟ أم هو نزوع نحو القمة ؟ أم هو شيء آخر غير ذلك كله ؟ وهل هو يقوم على التباين والاختلاف أم على التشابه والائتلاف ؟ وهل يمكن القول أن الحب مجرد امتداد لحالة الأنانية أم أن هناك علاقة بينه وبين حب الذات ؟ وهل صحيح أن حب الأم هو أصل صور الحب ؟ وهل يدوم الحب أم لابد من أن يأتي له يوم فيه يموت ؟ بمعنى آخر هل تجربة الحب تبغي لنفسها الخلود لكنها لا تعيش سوى عمر الورود ؟ وهل الحب أعمى أم مبصرا ؟ وهل لابد أن يكون الإنسان محبا ومحبوبا ؟ وهل يرتبط الحب بالسلم والسلام الداخلي والخارجي ؟ أم هو صراع غرامي ؟


كل تلك الأسئلة يأخذ بعضها برقاب البعض لتكون ما يمكن أن نطلق عليه إشكالية الحب والعاطفة .
وقلما نجد كلمة الحب دونما أن تلحق بها صفة أو تابعا أو مضافا إليه أو موضوعا ،فترانا نتحدث مثلا عن ربيع الحب وخطيئة الحب وصراع الحب وجنون الحب وجمال الحب وزوال الحب ...


كل ذلك إنما يدل على أن الحب تجربة إنسانية تحتاج دائما إلى موضوع تنصب عليه وحوله ابتداء من حب الطعام حتى حب الله . كما تتعدد مواضع التناول أو اللغات في تناول موضوع الحب فهناك اللغة الشعرية واللغة الأخلاقية والدينية واللغة الاجتماعية ...

وعلى سبيل المثال اللغة الأخلاقية والدينية وهي التي يستخدمها الوعاظ ورجالات الدين بشكل معين فنجدهم فيها يربطون بين الحب والخطيئة بشكل عام ، والناطقون بهذه اللغة لا يكادون يرون الحب إلا من خلال جانبه المحرم فهم يعدونه انحطاطا حيوانيا أو غريزة جنسية وضيعة أو ميلا بهيميا دنيئا ومن ثمة لا يكفون عن الإشارة إلى دناءته وحقارة ووضاعة الشهوات واللذات وخسة المتعة الجنسية .


وكثيرا ما يقصرون النظر إلى الحب على الوصف أو الفصل الجسمي المحض فنراهم يستهجنون الإسراف فيه والانكباب عليه والانصراف إليه .وكأن الإنسان عندما يحب لابد أن يكون شهوانيا . ومن ثمة نجد أصحاب هذا التوجه يتجهون دائما إلى لغة الحلال والحرام . فالحب لديهم ينصب على الموضوع لا على الأشخاص وهم ينظرون إلى الحب من خلال النظرة للروح على أنها تجسدت في بدن وليس العكس . كما يتجاهلون الحاجة إلى الاكتمال والانفعالات ودورها في حياة الفرد والحرية الشخصية والاجتماعية وغيرها من عناصر الموقف المشكلة للحب وتركيبته .

وكثيرا ما نجد أمثال هؤلاء يربطون بين الحب والطهارة الجسمية والروحية والنظر إليها من خلال التركيز على الوظائف الجنسية مع أن التجربة البشرية تشهد بأنه قد يكون الحب دون جنس كما قد يكون هناك جنس بلا حب بالطبع.
وهناك من ينظرون إلى الحب كسلوك اجتماعي فالإنسان مخلوق محب والجماعة في حاجة إلى الحب لضمان استمرارها . فلابد من أداء وظيفة الحب من خلال الزواج وزيادة النسل لضمان بقاء الفرد والجماعة .

إن الحب هو جماع ما في الوجود من تناقضات فرغم أن المحبين قد يميلون في الغالب إلى العزلة إلا أنه هو الذي يسمح لهم بفهم أنفسهم والعالم المحيط بهم.
إن الحب في الحقيقة أدق وأعمق من التملك لأنه يتطلب موافقة المحبوب . ولا شك أن الظفر بذلك يستلزم مطلق الحرية . فالحب لا يقهر المحبوب ولا يؤخذ غلابا !! وقد يكون أحد صوره القبول والإيجاب ونهايته أو بدايته الزواج !! .

كل ذلك يشير إلى أهمية هذا الموضوع والحاجة إلى المزيد من التناول وأكثر من ذلك المزيد من العمق في تناول جوانبه وغزارة وثراء موضوعاته ... لكننا في النهاية نقول لابد للإنسان من أن يشبع هذه الحاجة النفسية والاجتماعية بأشكالها المختلفة المقبولة لنضمن للجميع السواء والاتجاه نحو الصحة النفسية ومن ثم فإن هناك أدوارا والتزامات ومسؤوليات تقع على عاتق الأسرة والتربويين لإشباع هذه الحاجة وإتاحة الفرص لذلك لدى الشباب والأزواج ... بل لدى البشر بجميع أشكالهم وأصنافهم لتضمن السواء والتوازن والسعادة للفرد والجماعة .