خطى الرشيد

الناقل : heba | المصدر : www.islammemo.cc

أعلم أنه يسوؤك أن ترى أقرب الناس إليك يحاولون إثناءك عن المضي في الالتزام، ولكني أستعيد لك عنوان المقال السابق ( ضمة حنان آلمتني ) نعم إن كل هذه الإجراءات التي تراها تعسفية من قبل أهلك إنما هي ضمة حنان برغم ما شعرت به من ألم مقترن بها . إنها بالنسبة إليهم ضمة حنان فما دفعهم إلى  هذا المسلك إلا حرصهم عليك ومحبتهم لك وفق تصوراتهم وقناعاتهم هم. وإن شئت فعرج على الفصل السابق لتتعرف على أسباب هذا الحرص والوجل ولتسلط الاهتمام على أهم خطوة لا بد وأن تخطوها في التعامل مع تلك العقبة وهي أن تحسن استقبال هذه السلوكيات وتعزف عن النظرة السطحية الجزئية.

انظر إليها بعين الصقر تبصر ما دق وخفي, أيعقل أن يتعمد أصحاب القلوب العامرة بمحبتك إيذاءك؟ فليس ما يصدر عنهم صداً عن سبيل الله أو بغضا فيك إنما هو كما ذكرت دافع الخوف والحرص عليك والذي أسهم في صناعته عدة عوامل أغلبها خارج عنهم, فبهذه النفسية تفلح إن شاء الله كل خطواتك اللاحقة إذ تبنيها على أساس قوي . فهلم فابدأ خطواتك أيها الرشيد كيما تحقق معادلة النجاح .

 ( إنها الجنة يا أبتاه )

أطلقها سعد بن خيثمة رضي الله عنهما لما اختصم وأبوه أيهما يخرج للجهاد وأيهما يبقي يحمي النساء والديار، فأطلق العبارة تذكيراً بغايته وإعلانا عنها فلم تلبس رغبته ثوب المعارضة والعناد والنزاع، وهذا ما أرجوه في مسلكك، ذكرهم دائما بأن التزامك بجميع مظاهره إنما هو للنجاة من العذاب الأليم والفوز بجنات النعيم، وأنك ما تحب أن تخالف لهم أمرا ولكنه رضا الله, تضعف قلوبهم أمام تلك الكلمة وتفتر حماستهم في إعاقتك عن التزامك، ومازلت أذكر طرفا من كلام والد أحد الدعاة تحدث إلي بها منذ سنين يشيد فيه بأخلاق ولده أنقله بتصرف وفق ما انطبع في الذاكرة

" الوالد : إلى أين ؟

الابن : حيث حلقة العلم في المسجد .

الوالد : لن تذهب .

الابن : أرجوك يا أبي دعني أذهب

الوالد : قلت لن تذهب .

الابن : لم يا أبت .

الوالد : ينفعل ويصفع ولده على وجهه .

الابن : تسيل دموعه ويقول في أدب بصوت منخفض : ماذا أفعل يا أبي الله يناديني وأنت تناديني أيكما أجيب ؟

الوالد تسيل دموعه ويحتضن ولده ويجعله يمضي في طريق التزامه بلا ضغوط أو قيود هذا ما ينبغي أن يكون, ذكرهم دائما بغايتك وأن الأمر بعيد عن كونه رغبة في الصدام أو المخالفة.

" بذاك تسامى "

إن من أفضل ما تواجه به هذه العقبة هو أن يكون واقعك بين أهلك في ظلال الهداية أفضل مما سبق . بادر إلى العمل على راحتهم، وإجابة مطالبهم كن هاشا باشا معهم سباقا إلى خدمتهم لا تتعلل بصنيعهم معك كن معهم كالنخلة يقذفها الناس بالحصى تقذفهم بالرطب . كن لهم خير ناصح فعندما يتساءلون عن سر ذلك التغير الإيجابي ساعتها لن يجدوا سوى التزامك سببا وإذا بهم يعيدون النظر في مسلكهم معك.

إن الله تعالى يقول " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " فإذا كان الدفع بالتي هي أحسن تنقلب به عداوة الخصم إلى محبة فما بالك بمن امتلأت قلوبهم محبة لك أفلا يكون الدفع بالتي هي أحسن سببا في إزالة سوء الفهم ومحوه.

فانظر إلى الشيخ الداعية الذي كان والده يريد صرفه عن الالتزام ثم مرض الوالد وكان لا يستطيع الذهاب لقضاء حاجته فكان ولده البار الذي تغير سلوكه بموجب الالتزام الحقيقي يبسط كفيه تحت والده ليقضي عليها حاجته . مما حدا بالوالد إلى أن يسأل ولده وقد أسره ذلك البر. أكل إخوانك كذلك ؟ فقال الابن : جميعهم أفضل مني فما عاد الوالد بعد ذلك إلى اعتراض ولده. فلتتسامى أيها الشاب إلى العلا عن سفساف الأمور واجعلهم يرددون : بذاك الالتزام تسامى الفتي.

" عزم يئد المآرب "

اعلم يقينا أنه متى ثبت الإنسان على مبادئه وظهر عزمه وإصراره عليها؛ صنع اليأس في نفوس من أرادوا له الحيدة عن تلك المبادئ . وهذا أمر معلوم ومشاهد, أما الخور والتردد فإنه يشجعهم على التمادي في ممارسة تلك الضغوط عليك.

وألتمس لك من صفحات ماضينا المشرق موقف سعد بن أبي وقاص مع أمه يقص عليك ذلك النبأ بنفسه إذ يقول " وما إن سمعت أمي بخبر إسلامي حتى ثارت ثائرتها، وكنت فتى بارا بها محبا لها، فأقبلت علي تقول: يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك وأبيك، والله لتدعن دينك الجديد أولا أكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا على ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت، وتعيرك الناس بها أبد الدهر فقلت : لا تفعلي يا أماه، فأنا لا أدع ديني لأي شيء.

لكنها مضت في وعيدها فاجتنبت الطعام والشراب ومكثت أياماً على ذلك لا تأكل ولا تشرب فهزل جسمها ووهن عظمها، وخارت قواها فجعلت آتيها ساعة بعد ساعة أسألها أن تبتلع شيئا من الطعام أو قليلا من الشراب فتأبى ذلك قلت لها يا أماه إني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ورسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني لهذا الشيء. فلما رأت الجد مني أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها "

وأنا هنا لا أقصد أن أشبه أهلك وأقاربك الموحدين بالمشركين معاذ الله . ولكني استشهد لما ذكرت أنفا بإصرار سعد رضي الله عنه وعزمه الشديد الذي قنط أمه ووأد ما تطمح إليه.

" ولد العشيرة "

هناك أصل لا بد وأن تبني عليه تعاملاتك مع أهلك قد ذكرته في فصل ( أواصر دامعة ) وهو كظل سرمدي لك: أنه لا طاعة في معصية الله، ولا شك أن ذلك سيكون موضع إنكار في اللقاءات العائلية . فلم يعتادوا منك على ترك المصافحة والاختلاط والاجتماع على المواد المرئية غير الهادفة وما أشبه ذلك, مما يوقع أسرتك في الحرج خوف من ضعف الروابط بينكم وبين العائلة كما سبق ذكره في ( ضمه حنان آلمتني ) حيث أن القلق من هذه الناحية من أسباب عدم قبول أسرتك لما أنت عليه. وهذه تصورات متأصلة عند الكثيرين فيجدر بك أن تسعى جاهداً لكسب محبة الجميع وأن تصل الأرحام عن ذي قبل بالسؤال عليهم وتفقد أحوالهم وبذل الهدية لهم والسعي في خدمتهم، وعدم التخلي عما يخصهم من مناسبات لا تخرج عن إطار الانضباط الشرعي. الحاصل أن تخبرهم سلوكياتك أن الالتزام لا يعني قطيعة الرحم وأن للصلة صوراً كثيرةً شرعية غير التي ألفوها. فهذا ما يطمئن أسرتك على علاقتهم بالعائلة ويكون له أثره الايجابي في مواجهة العقبة التي نتحدث عنها.

" حُسْن البِنَاء دربي "

ولئن كان الإعلام قد ساهم في اختلاط الحابل بالنابل في أذهان الناس، وأدرج الشاب الوسطي المعتدل في قائمة اتجاهات الغلو والتكفير والعنف فلماذا لا تزيل الغشاوة من على أعينهم وتعينهم على الفصل المبين . أعلنها لهم : لست أنا الذي يكفر أهل الإسلام، لست أنا الذي أحمل السلاح في وجه المسلمين لست أنا صاحب النظرة القاتمة تجاه المجتمع . إن طريقي إنما هو طريق إصلاح وبناء أصلح الدنيا بالدين.

" أفقه من جريج "

أتدري من هو جريج ؟ ذلك العابد في صومعته أتته أمه وهو يصلي فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي : فاقبل على صلاته فأتته في الغد فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فاقبل على صلاته, فلما فعل مثل ذلك في اليوم التالي دعت عليه : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتعرضت له إحدى البغايا فأبى : فاتت راعيا يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فحملت منه. ولما ولدت نسبت ولدها إلى جرير زوراً فهدموا صومعته وضربوه فقال أين الصبي ؟ فجاءوا به فقال دعوني أصلي فلما انصرف قال للصبي من أبوك؟ فأنطق الله الصبي وقال : فلان الراعي

فالجانب الذي أسلط الضوء عليه في القصة هو جانب مراعاة الأولويات فقد كان جريج في نافلة وإجابة أمه واجب فقدم النفل عن الواجب فأصابته دعوة أمه. فعلي ذلك ينبغي لك أيها الحبيب مراعاة الأولويات . فبعض الشباب يصطدم بأهله من ذلك الباب : كأن يستمع إلى شريط أو يقرأ كتاباً فيأمره والداه بأمر ما فيمضي فيما يفعله ويتجاهل أمرهما بحجة إيثار مرضاة الله، وكأن طاعة أبويه ليست من أجل الطاعات بل لا بد من مراعاة الأولويات وهذا الفقه أيها الحبيب لا شك أنه يخفف من ضغطهم عليك, أو على الأقل لا يستثيرهم لذلك فكن أفقه من جريج.

" صبراًً "

عليك بالصبر والثبات والإحسان إليهم، وأعلم أن ذلك ابتلاء واختبار لك فهو خير لك شرط الصبر عليه ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وأن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)

ولك في الأولين أسوة فإنهم صبروا على التعذيب والقمع وسلب الأموال والتشريد والنفي من قبل أعدائهم من المشركين. أفلا تصبر أنت على بعض المضايقات الهينة من قبل أهلك المحبين لك الموحدين الذين يحبون الله ورسوله

وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم "

أخي الحبيب : هذه بعض الخطوات التي أراك بحاجة إليها في مواجهة المشكلة المعنية . قد يرى غيري أن يضيف عليها ولكن هذا ما تيسر للقلم من مداد.