نحو تعامل أفضل مع مشكلة الشهوة
( من الناس من يكف هواه بسلسلة، ومنهم من يكفه بخيط ) ابن الجوزي
لعلك نفد صبرك وبلغت من الشوق إلى معرفة العلاج عتيًا، ولذلك سنروي ظمأ شوقك بعد لحظات قليلة.
ولكن قبل ذلك لا بد أن تتعرف على القواعد والشروط اللازمة للبداية؛ فاقرأها بتأني وتدبر، واجعلها قناعات داخلية بأن تكررها عدة مرات؛ حتى تستقر في نفسك ووجدانك لأنها في غاية الأهمية.
1- لا بد أن تعلم أخي الحبيب أنه مهما زلت قدمك وضعفت نفسك أمام الشهوات فإن الأمل في الله عز وجل لا ينقطع أبدا وأريد هنا أن أبشرك ببشارة ندية قالها أحد العلماء الأجلاء وهو الإمام الرازي رحمه الله حين قال: (قال الحكماء : الإنسان قد يحب شيئاً ولكنه يحب أن لا يحبه مثل المسلم فإنه قد يميل طبعه إلى بعض المحرمات لكنه يحب أن لا يحب ، وأما من أحب شيئاً وأحب إن يحبه فذاك هو كمال المحبة ، فإن كان ذلك في جانب الخير فهو كمال السعادة ، كما في قوله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام { إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير } [ ص : 32 ] ومعناه أحب الخير وأحب أن أكون محباً للخير ، وإن كان ذلك في جانب الشر ، فهو كما قال في هذه الآية فإن قوله { زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات } يدل على أمور ثلاثة مرتبة أولها : أنه يشتهي أنواع المشتهيات وثانيها : أنه يحب شهوته لها وثالثها : أنه يعتقد أن تلك المحبة حسنة وفضيلة ، ولما اجتمعت في هذه القضية الدرجات الثلاثة بلغت الغاية القصوى في الشدة والقوة ، ولا يكاد ينحل إلا بتوفيق عظيم من الله تعالى)
وأنا على يقين أخي الحبيب يا من تتابع مقالاتنا أنك لست من النوع الأخير الذي يعتقد أن محبة الشهوات حسنة وفضيلة بل أكاد أجزم أنك ما دفعك إلى محاولة البحث عن علاج إلا لأنك لا ترضى لنفسك هذه الحال من البعد عن الله عز وجل ولذا فتأكد أن الله معك ولن يضيعك لأنك تريد أن تتغير من أجله سبحانه وتعالى.
2- يقول رسول الله r: (( ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً))، فمهما بلغ منك المرض مبلغه، ومهما توغلت الشهوة في قلبك؛ يجب أن تعلم أنه لا يوجد مستحيل، وأن الله عز وجل قد كتب الشفاء من قَبْلُ للكثيرين، فاستعن بالله ولا تيأس.
3- فالله عز وجل هو الذي يشفي من جميع الأسقام، ويجب أن تكون على ثقة تامة لا تقبل الشك بأن الشافي هو الله.
وما هذا البرنامج إلا استجابة لأمر الله عز وجل في الأخذ بأسباب الشفاء؛ ولذلك احذر أن تتعلق بالأسباب وتنسى المسبب؛ لأن الله عز وجل لو رأى منك تعلقًا بها؛ وَكِلَك إليها وغاب التوفيق الإلهي عنك، وعندها سيكون الشفاء حلمًا بعيد المنال؛ كما قال الشاعر:
أحلام نوم أو كظل زائل
إن اللبيب بمثلها لا يخدع
4- اعلم أخي الحبيب، أن العامل الأساسي بعد الاستعانة بالله، هو إرادة قوية وعزيمة لا تلين، وهما أمران لن يحققهما أحد سواك.
5- لا تظن أخي الحبيب، أن مجرد القراءة تكفي للعلاج، فلا بد أن يتبع القراءة تطبيق عملي لكل نقطة في العلاج.
6- ابدأ هذا البرنامج بنفسية مختلفة وبروح جديدة؛ فأنت هذه المرة عرفتَ من تواجه وهذا الأمر بالذات يوفر عليك الكثير من الجهد؛ ولذلك فإن هذا البرنامج مختلف عن سابقيه؛ لأن الأرضية التي ينطلق منها تختلف عن أي برنامج آخر، ولتكن معنوياتك مرتفعة إلى أقصى الحدود؛ فهذا يدفعك نحو الأفضل دائمًا.
7- هذا البرنامج يحتوي إضافة على الجزء العملي أجزاءً نظرية لا تقل أهمية عن الأجزاء العملية؛ فأعرها اهتمامك ولا تتعجل الجزء العملي.
8- إذا حدث وزلَّت قدمك في منتصف الطريق؛ فلا تفعل ما يريده الشيطان منك وهو أن تنسحب وتترك الأمر بِرُمَّتِه، ولكن عليك أن تعاود البدء من جديد ومن حيث انتهيت.
9- اقرأ هذا الكلام بتمعن شديد فهو من عالم جليل له من الخبرة في معرفة أسرار القلوب وخباياها قدر عظيم.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ( إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها صادقًا مخلصًا من قلبه لله؛ فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة؛ ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلًا؛ استحالت لذة.
قال ابن سيرين: سمعت شريحًا يحلف بالله ما ترك عبد لله شيئًا، فوجد فقده, وقولهم: ( من ترك لله شيئًا عوضه الله خيرًا منه ) حق، والعِوَض أنواع مختلفة، وأجلّ ما يُعوَّض به: الأنس بالله ومحبته، وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى).