الجولة الأخيرة
الناقل :
heba
| المصدر :
www.islammemo.cc
والف
طال بنا الحديث عن مشكلة الشهوة وتداعياتها وأسبابها وكيفية علاجها, وأفضنا في الحديث عن كيفية الوقاية منها, فهذا هو الجزء الأهم الذي يبحث عنه كل شاب طالب للعفة ف
ضيلة, ولكن آن الأوان لأن نحط رحالنا, ونختم حديثنا بخطوات عملية وقائية تعينك في طريقك نحو التخلص من أسر الشهوة المحرمة.
والحقيقة أخي الحبيب، أني أخرت هذه الخطوات العملية؛ لأن كل ما سبق من تغيير للإدراك، ثم قطع العلائق بغض البصر والتحكم في الخواطر وغلق الأبواب المفتوحة، ثم بناء العلاقة القوية مع الله, بتقوية الخوف والحفاظ على أوراد ثابتة من العبادات والتعلق بالآخرة.
ثم بناء العفة في القلب، ثم تحديد أهداف لحياتك, إنما كان اللبنة الأساسية لعلاج طغيان الشهوة، والوقوع في أي معصية تتعلق بها من عادة سرية، أو مواقع إباحية، أو صور، أو مجلات، أو غيرها من معاصي الشهوة، ولكن تبقى بعض النقاط التي يجب أن تضاف على هيئة خطوات عملية مبسطة:
1 ـ إبعاد أي صور أو مجسمات من الغرفة، أو السيارة، أو أماكن التواجد.
2 ـ البعد عن أماكن التجمعات المختلطة.
3 ـ عدم السماح للمحيطين من أصدقاء أو أقارب بالحديث عن علاقاته الخاصة، وكذا الأمر للفتيات، سواء كانت هذه العلاقة شرعية أو غير شرعية، ولتطلب منهم وبشدة الكف عن ذلك؛ وإلا فلتتجنب مرافقتهم والحديث معهم.
4 ـ عدم النوم وحيدًا في معزل عن الآخرين، أو في غياب عن أعينهم؛ ففي ذلك سبيل ومدخل للشيطان وباعث على الخيال والتهيُّج.
5 ـ النوم على وضوء، وبملابس طاهرة، وعلى فراش طاهر، والحذر من النوم على جنابة.
6 ـ قراءة المعوذتين ثلاث مرات، وآية الكرسي، ودعاء النوم، ثم النوم على الشق الأيمن.
7 ـ عدم النوم على البطن (الانبطاح)، فقد يكون ذلك محرِّكًا ومهيِّجًا؛ وقد نهى الرسول
r
عن ذلك، وأنها ضجعة يبغضها الله سبحانه وتعالى.
8 ـ عدم الاستلقاء على الفراش إذا لم يتم الشعور بنعاس، أو لم تكن هناك رغبة في النوم.
9 ـ النهوض سريعًا عند الاستيقاظ وعدم التكاسل على الفراش؛ حتى لا تتحرك الشهوة بعد النوم والراحة.
10 ـ عدم النوم عاريًا أو شبه عارٍ, أو بملابس يسهل تعرِّيها.
11 ـ تجنب احتضان بعض الأشياء التي اعتاد عليها البعض اليوم؛ كالوسادة، أو الدمى كبيرة الحجم، وغير ذلك.
12 ـ من المعلوم أن امتلاء المعدة بالطعام من أهم الأمور المحركة للشهوة؛ لذلك يجب الحرص على تلافي الشَّبع وامتلاء المعدة.
13 ـ الحرص على صيام الاثنين والخميس، أو صيام يوم بعد يوم، والمداومة على ذلك، وعدم التوقف سريعًا بحجة عدم الاستفادة، ففي ذلك أجر وتغلُّب على شهوة الطعام.
14 ـ عدم نسيان دعاء الدخول إلى الحمام.
15 ـ الحرص على الاستحمام بأسرع وقت ممكن، والتنشيف سريعًا بعد الانتهاء، وارتداء الملابس، والخروج فورا من الحمام.
16 ـ حدد لنفسك مبلغًا من المال تضعه في صندوق في البيت عن كل يوم يمر عليك لم تقم فيه بهذا الذنب، وليكن هدفك الأول أن يمر عليك عشرون يومًا لا تفعل هذا الذنب.
17 ـ كافئ
نفسك بعدها بالأموال المدخرة، أو برحلة طويلة، أو غير ذلك مما تحب، واجعل هدفك القادم أربعين يومًا ـ مثلًا ـ آخرين لا تقم فيها بهذا الذنب.
18 ـ ستكافئ نفسك بعد ذلك في ذكرى مرور عام على آخر مرة مارست فيها هذا الذنب.
19ـ إذا طغت شهوتك في منتصف المدة فتبرع بالمال الذي ادخرتَه، وابدأ من جديد، واقرأ النقطة التالية في العلاج (لا تيأس).
لا تيأس
هذه النقطة أخي الحبيب من أهم النقاط في برنامجنا العلاجي، لأن اليأس هو المعوق الأساسي لكل من يريد أن يتخلص من طغيان الشهوة؛ فاقرأها بتمعن شديد وتأملها جيدًا.
إذا قمت بما سبق من خطوات ثم زلَّت قدمك مرة أخرى؛ فعليك بالآتي:
1ـ لا تيأس، واعلم أنَّ الله لم يخلقنا ملائكة وأنه يغفر جميع الذنوب إذا تاب العبد وأناب إليه، وأنه لا يوجد عدد لمرات التوبة، فلو تبت آلاف المرات لقبل الله عز وجل منك.
مصداقًا لما حدث مع النبي
r
حين أتاه رجل فقال: يا رسول الله، أحدنا يذنب؟ قال: (( يكتب عليه ))، قال: ثم يستغفر منه ويتوب؟ قال: ((يُغفر له ويُتاب عليه ))، قال: فيعود فيذنب؟ قال: (( يُكتب عليه ))، قال: ثم يستغفر منه ويتوب؟ قال: (( يُغفر له ويُتاب عليه، ولا يمل الله حتىتملوا ))
[رواه الحاكم وصححه]
.
واعلم أيضًا أخي الحبيب أن الله عز وجل غفر لمن هم أعظم منك جرمًا وأعانهم على التوبة؛ فأنت أحق بعفو الله ومغفرته.
وقصة قاتل المائة خير برهان على ذلك؛ فعن أبي سعيد أن النبي
r
قال: (( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا؛ فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة.
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
فانطلق حتى إذا نصف الطريق، أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط.
فأتاهم مَلَك في صورة آدمي فجعلوه بينهم؛ فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد؛ فقبضته ملائكة الرحمة ))
[رواه مسلم]
.
فإذا كان قاتل المائة غفر الله له، وذنب قتل النفس بغير حق من أعظم الذنوب عند الله، ويكفيك أن تعلم أن سفك دم امرئ بغير حق أعظم عند الله تعالى من زوال الدنيا بمن فيها؛ فقد قال رسول الله
r
:
(( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ))
[صححه الألباني]
.
فهل قتلت أنت مائة نفس، حتى تيأس من رحمة الله؟ بل هل قتلت خمسين نفسًا أو عشرين أو عشرة؟ هل قتلت حتى نفسًا واحدة حتى تيأس؟
أخي الحبيب، غفر الله لقاتل المائة؛ لأنه لم ييأس وذهب إلى من يدله على طريق التوبة، ثم هاجر من بلده إلى بلد آخر طلبًا لها.
فلا تيأس من رحمة الله، وأنت أحق بالمغفرة بإذن الله من قاتل المائة.
2ـ اعلم أن جلد الذات عقيم، وكذلك اللوم المستمر فإنه يدمر القدرة على البدء من جديد، ويحطم الثقة بالنفس، ويبقي الروح في مهاوي اليأس والقنوط؛ فلا تجلس كثيرًا لتلم نفسك، ولكن وبِّخها قليلًا، ثم قم على الفور وابدأ العمل.
وليس معنى هذا ألا تندم، فالندم من شروط التوبة، ولكنه ليس الندم الذي يدفعك إلى الإحباط ويعيقك عن العمل، ولكن الندم المحمود هو الندم الذي يدفعك إلى العمل والبذل، ومحاولة تحصيل ما فاتك من حسنات.
3ـ بادر بحسنة فورية بأن تستغفر مائة مرة، أو تقول ما يحبه الله، مثل: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، حتى وإن كنت على جنابة؛ فذكر الله يجوز على كل حال، على الراجح من أقوال العلماء.
4ـ قم فتوضأ أو اغتسل سريعًا، ثم صلِّ ركعتي توبة لله تعالى.
5ـ تصدق بصدقة فورية، والأفضل أن تكون سرية؛ لأن صدقة السر تطفئ غضب الرب.
6ـ ذكِّر نفسك بأن الشيطان قد ربح هذه الجولة، وأخذك على حين غفلة، وأنك بإذن الله لن تسمح له بذلك مرة أخرى، فليس معنى أنه انتصر في جولة أن المعركة قد انتهت، بل الحرب لازالت سجالًا بينكما، ومن يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا.
أخيرا...
ها قد وصلنا إلى نهاية الطريق أخي الحبيب، وانتهت رحلتنا في عالم الشهوة وبدأت رحلتك أنت ولكن ليست كسابقتها من الرحلات يشوبها الغموض، ولكن أصبحت المشكلة واضحة المعاني ومفهومة الأسباب, وأظنك الآن قد فهمت أبعاد المشكلة بصورة جيدة، تتيح لك التعامل معها بإذن الله بثقة واطمئنان.
وقبل أن أتركك أخي الحبيب؛ أحب أن أوجه رسالتان:
الرسالة الأولى:
إلى من أسرف على نفسه بالمعاصي وسقاها من كأس الشهوات حتى الثمالة، وأتعبها باللهث وراء كل داع إلى الهلاك، وكأنه يهرب من شيء غامض هو نفسه لا يعرفه.
أقول لك: أخي الحبيب، ماذا جنيت بعد كل هذا؟ أحصلت على السعادة التي كنت تبغيها؟ أهدأت نفسك، واستكان قلبك، وقرت عينك بعد أن أشبعت شهوتك في الحرام؟
أكاد أجزم أيها الحبيب، أنه لم يحدث لك أي شيء مما سبق؛ من هدوء النفس واستكانة القلب وغيرها، حتى وإن حاولت أن تقنعني أنك لا تشعر بالضيق ولا بالتعاسة.
أتعلم لماذا أخي الحبيب؟
لأن الله عز وجل وضع قاعدة ذهبية تربط بين طاعته وبين الحصول على السعادة المنشودة, وذكرها في كتابه حين قال:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (124) سورة طـه.
فإن شعرت بسعادة أو لذة؛ فاعلم أنها لحظية تشبه لذة الحك التي يجنيها المريض بالجرب، ثم بعد ذلك لا يبقى له إلا التعب والنصب، كما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله.
فرق كبير بينك وبين من عف نفسه عن الحرام، وانتظر موعود الله بالإعانة لأنه لا يريد إلا العفاف، كما قال النبي
r
: (( حق على الله عون من نكح التماس العفاف عما حرم الله ))
[حسنه الألباني]
.
فالعفيف يصبر على مر الدواء حتى تدوم لذة الشفاء، وأنت لم تصبر على مر الدواء فتجرعت ما هو أمر من الدواء.
فقف مع نفسك وقفة أخي الحبيب، واجعل هذه الكلمات بداية عهد جديد بينك وبين الله لا تنوي أن تنكثه أبدًا، واعلم أنك مهما شَرَّقت أو غَرَّبت؛ فلن تجد أرأف ولا أرحم ولا أكرم من الله, تلوذ بجنابه وتعيش في كنفه.
وها نحن قد بذلنا جهدنا لكي ننير لك طريق التخلص من الشهوات والتحكم فيها؛ فكن على قدر المسئولية، وابدأ من الآن، وثق بأن الله لن يضيعك ولن يتركك وحدك أبدًا؛ كما أخذ بذلك العهد على نفسه فقال في الحديث القدسي:
(( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبًرا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئًا؛ لقيته بمثلها مغفرة ))
[رواه مسلم]
.
الرسالة الثانية:
إلى من يريدون التخلص من قيود الذل وأسر الشهوات، وكان الطريق تائهًا عنهم، أو كانوا لا يجدون الرفقة التي تعينهم على ذلك، فها قد وضحنا لك الطريق حتى تسلكه على بركة الله؛ فلا تخيب ظننا فيك فالله عز وجل ينتظرك في نهاية الطريق حتى يجازيك على صبرك مغفرة وجنة عرضها السماوات والأرض، فكن واثقًا بعون الله عز وجل لك، وإياك إياك أن تيأس من رحمته.
واعلم أن ما ستبذله من جهد وتعب في سبيل التخلص من طغيان شهوتك؛ هو ثمن رخيص بالمقارنة بما ستشعر به من راحة، واطمئنان، وسكينة، وعزة نفس، ولذة عيش في الدنيا، واستقرار في العلاقة مع الله عز وجل.
كما أنه بالتأكيد ثمن أرخص بالمقارنة بما أعده الله تعالى لك في الجنة، تلك الدار التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وعلى قدر التعب والنصب يكون الجزاء.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعـظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
أخي الحبيب، يعلم الله أني لم أبخل عليك بالنصح؛ فلا تبخل علي بدعوة بظهر الغيب.
واللهَ أسأل أن يحفظ قلوبنا وأبصارنا وأسماعنا عن الحرام، وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى.