الفشل والنجاح
يتدرب الأخوان محمود وأسامة في مجال الغطس، وكانا قد التحقا بمسابقة في هذه الرياضة في الشهر الماضي وأظهرت النتائج أن كلاهما قد حقق نتائج جديرة بالاحترام لكنهما لم يحققا الفوز، واختلف وقع النتائج على الاثنين فبينما اعتبرها محمود نتائج فاشلة لأنه لم يفز بالمباراة، اعتبرها أسامة جيدة جدًا لأنه استطاع أن يؤدي فيها حركات صعبة طالما أخفق فيها في تنافسات سابقة.
إن هذه القصة البسيطة توضح لنا الإشكالية الواقعة بين الناس حول ماهية الفشل والنجاح، وكم تتعجب حين ترى اثنان قد اختلفا في توصيف أحداث مشتركة تارة بالفشل وأخرى بالنجاح.
ولعل علم البرمجة اللغوية العصبية يقدم حلول لهذه الظاهرة العجيبة لأنه معنيٌ بالأساس بصياغة نماذج النجاح وتطوير الفشل إلى النجاح ولذلك ما لم نكن قادرين على تقييم أفعالنا وتحديد النجاح من الفشل فستبقى الأهداف غير واضحة والسعي نحوها غير مجدي.
وسنحاول في هذه المقالة أن ننفض الغبار عن معاني الفشل والنجاح عن طريق مجموعة من الأسئلة:
1- ما هو الفشل والنجاح:
· لا أجد حرجًا حين أقول لك أن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة إذ أن تقييمنا للفشل والنجاح يعتمد إلى حد كبير على نظرتنا للموقف المراد، ففي المثال السابق اختلف محمود في تقييم نتائجهما المتحدة لاختلاف نظرتهما إلى الموضوع، أو لنقل بمعنى أوضح أن الهدف يغير من النظرة وبالتالي التقييم؛ فإن أهدافك هي التي تعطي لك الزاوية التي من خلالها ترى الأشياء ولذا ليس غريبًا عندما ترى طالبان قد ذهبا لمعرفة نتيجتهما وقد انقلب أحدهم رأسًا على عقب فرحًا عندما علم أنه قد نجح بتقدير مقبول بينما الدنيا قد أظلمت في وجه الآخر عندما تحصل على امتياز ضعيف لأن حلم تعيينه في الكلية قد أصبح أثرًا بعد عين!!!
· فالنجاح يعني أنك قد حصلت ما تريد والفشل يعني عكسه، وهذا يفرض علينا أن نتوخى مزيدا من الحرص عند وضع الأهداف بحيث تلاءم قدراتنا والوقت المقدر للتنفيذ وإلا لتحولت حياتنا إلى مجموعة من الفشل قد صنعناها بأنفسنا لأنفسنا
· إن من الحقائق المعروفة، والتي كثيرًا ما تخفى علينا، أنه ليس هناك نجاح مطلق ولا فشل مطلق بل إن الأمور كلها نسبية، فليس يعني نجاح الطالب في امتحانات آخر العام أنه ناجح مطلقًا؛ لأنه لو فتش في ذلك النجاح لوجد قيه قدرًا لا بأس به من الاخفاقات، كما أن الفشل لا يعني أنه ليس ثمة نجاح فيه، إن هذه القاعدة الرمادية البعيدة عن الأسود والأبيض هي الأقرب للواقع وهي التي تكسب نظرتنا للأمور العقلانية، المطلوبة للحكم على الأمور والسماح لأنفسنا بعد كل فشل أو نجاح أن نطرح أسئلة من نوع: كيف سارت الأمور على هذا النحو؟ ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل أو ذاك النجاح؟ ما الذي يجب أن أفعله في الخطوة المقبلة؟ ما هي القدرات المراد اكتسابها لتحقيق مزيد من النجاح في المستقبل؟
2- ماذا يعني الفشل والنجاح:
· لطالما أخطأ الإنسان في الإجابة على هذا السؤال، وتصحيح هذه الإجابة الآن من الأهمية بمكان بحيث يتوقف مدى استفادتك من علم البرمجة اللغوية العصبية على وضوح هذه الإجابة في ذهنك.
· يعاني البشر كما أسلفنا من مشكلات التعميم والحذف، ومن العبارات الأكثر تأثرًا بهذه المشكلات عبارة النجاح والفشل، ولا غرو في ذلك إذ أن غاية الجهد البشري هو تحقيق النجاح وتجنب الفشل.
· يخطئ الكثيرون في توصيف الفشل والنجاح على أنهما سمات فطرية، وأن الناجح ناجح لأنه فلان، والفاشل لأنه علان، أي أن النجاح مرتبط بالأشخاص لا بالأفعال، فالدكتور أحمد زويل حصل على جائزة نوبل لأنه شخصية فذة، والإمام الشافعي وصل إلى ما وصل إليه من العلم لأنه شخصية عبقرية، وفلان نجح في تطير شركته لتصبح شركة عالمية لأن سمات الذكاء واضحة على محياه، وأحمد ونادية زوجان سعيدان لأنهما خلقا كذلك...، إلى آخر تلك الصور والأمثلة التي تكرس لمبادئ التكاسل والدعة والرضا السلبي بالحال وعدم السعي الحثيث للتطوير.
· إن الإجابة الصحيحة والمقنعة في نفس الوقت على هذا السؤال هو أن للفشل والنجاح أنماطًا وبنية؛ وبالتالي فإن الذي يؤدي للفشل أو للنجاح هو تركيب هذه الجزئيات، أي أننا نتعامل مع أفعال وليس أشخاص فالذي ينجح في إقامة علاقة مستقيمة ليس لأنه محظوظ ولا لأنه طيب ولكن لأنه يركب الجزئيات على نحو خلاق تعطي له نتائج إيجابية والآخر الفاشل في حياته الزوجية لم يستطع تركيب هذه الجزئيات على نحو صحيح.
· يتبين لنا من هذه الإجابة أن الفشل والنجاح ليسا متعلقان بالشخص، وإنما بالنمط الذي يسلكه؛ فإذا تمكنا من معرفة النمط المطلوب للمهمة المرادة فإن الوصول نحوها يصبح سهلًا.
· ويتضح لنا أن الأساس الذي يقوم عليه تطور الناس هو قدرتهم على استنباط النمط المطلوب، ومعرفة كيف تتركب جزئياته لكي ينطلقوا في التنفيذ، مستلهمين التأييد من الله، ومندفعين نحو الهدف بالسرعة القصوى.
· وهنا يأتي دور البرمجة اللغوية العصبية في مساعدة الناس على اكتشاف أنماطهم السلبية التي تحتاج للتغيير والإيجابية التي تحتاج للتطوير، بحيث لابد وأن يدرك الزوج مثلًا أنه لابد أن يتعلم المطلوب للتعامل مع أولاده ومع زوجته، ولا يكتفي بأصل شخصيته، كما أن المتقدم لشغل وظيفة قد تم رفضه منها لابد وأن يعلم أن نمطه المتردد هو الذي ضيع عليه الفرصة وليس أصل شخصيته... وهلم جرا.
· كان سامي يملك شركة تقوم على بيع البضائع عن طريق المراسلة، وكان يدير عمله من شقته الواقعة في روض الفرج بالقاهرة، وكان يستغل الحجرة الثانية في الشقة لتخزين البضاعة، ونظرًا لرخص سعر هذا النوع من المتاجرات ولسهولة تحصيله؛ ربح سامي أموالًا طائلة وازدادت عليه الطلبات بحيث لم يجد مكانًا ليخزن فيه البضائع فاستأجر حجرة في بيت بعيد عن بيته، وقد أدى هذا إلى التأخر في التسليم وبالتالي بدأ يفقد ثقة عملائه به، وانخفضت أرباحه بصورة كبيرة!!
هل كان هذا تعبيرًا عن فشل سامي أم أنه في الإجراءات والبنية والهيكل؟
لا شك أن المشكلة ليست في سامي، ولكن المشكلة في أنه استخدم بنية قديمة لأمور مستجدة ففشل، ولذا الواقع والعقل يفرض علينا أن نخلع من علينا عباءة الكسل واللامبالاة وقلة الثقة في أنفسنا لنبدأ في التغيير من أنماطنا التي تسبب لنا الفشل.
3- ما هي الأنماط المطلقة للفشل:
· الإحجام:
وهو من أكبر العقبات التي تواجه الفرد وتعيقه نحو النجاح بحيث يحاول الفرد الالتفاف حول مشاكله والالتهاء في أمور جانبية تفقده الحافز نحو النجاح، ولهذا الإحجام أشكالًا متعددة ونجمل بعضها فيما يلي:
1- الخوف من المجهول.
2- التشكيك في قدرات الذات على التغيير والقلق بشأن تأثير التغيير على الآخرين.
3- الإفراط في التشكي مع الآخرين الذين يضعون الأحداث في إطار المشكلات ولا يرون سوى العقبات.
إن الإنسان وهو ينظر إلى الناجحين لا يحتاج لكي يضع يديه على خديه وهو يندب حظه العاثر وإمكانياته القليلة ولكنه بحاجة إلى أن يملك قوة كلمة ولم لا؟
· عدم التوازن بين الطموح والاحتفاء بنجاحاتك:
لو كانت هناك مقولة تكتب بماء الذهب في النجاح والفشل لكانت: "النجاح يولد النجاح والفشل يولد مثله" والإنسان الساعي نحو النجاح والمحقق له في أحيان كثيرة لا يضيره فشل أو اثنين أما الفاشل فعنده النفسية والذهنية المتقبلة للفشل، فماذا يضيره إن أضاف إليه فشلًا آخر؟
ولعل ذلك ما يدفعنا لكي نتوازن بين الاحتفاء بنجاحاتنا التي تكسبنا لذة نستعذب في حقها كل الصعاب والمحن في سبيل تحصيل المقصود الأسمى وبين طموحنا نحو المزيد من النجاح، فإذا غاب هذا التوازن ظل الإنسان يستمرأ توبيخ نفسه على ما لم تحقق فلا شك أن توبيخه سيصبح البحر الذي يغرق فيه نفسه والآخرون يتحسرون عليه.
نصيحتي الأخيرة لك: (ليس هناك نجاح بلا سبب، ولا فشل بلا سبب، وإنما هو أنماط وصور).
المصادر:
مدرب البرمجة اللغوية العصبية، إيان ماكديرموت ويندي جاجو.