الرؤية المشتركة بين الزوجين تعني: الاتفاق على أساسيات الحياة الزوجية، والنقاط العريضة التي قد تكون موضع خلاف مع استمرار الحياة الزوجية.
فالرؤية المشتركة بين الزوجين هي مستوى جديد من العمق في التواصل بينهما وفي علاقتهما، وهي من الأساليب القوية المؤثرة ليتعلم بها الزوجان وقف الاهتمام بصغائر الأمور، وهي الاشتراك معًا في خبرة ما أو في رؤية ما.
وهذه الرؤية المشتركة تساعدك على توجيه المزيد من التركيز والاهتمام أكثر بما هو صواب في علاقتك وفي حياتك، ويعمل ذلك أيضًا على ظهور أفكار جديدة، وتنبيهات على السطح عن كيفية الحصول على مزيد من الراحة والحب لكل من الزوجين.
ومن الصفات المحببة في وجهة النظر الواحدة أنها تتميز بالإشباع الذاتي، وخاصة عند الاشتراك فيها مع شخص تحبه؛ فهي تجعلك تتساءل عن الأشياء الطيبة المدخرة لنا إذا اخترنا مشاركة الرؤية مع نصفنا الآخر.
وأمرهم شورى بينهم:
يقول تعالى: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) [الشورى:38]، والتشاور هو من الحقوق المشتركة بين الزوجين، والتشاور بين الزوجين وتداول الرأي يكون فيما يتعلق بشئون البيت وتدبير أمر الأسرة ومصير الأولاد وغير ذلك.
وليس من الحكمة أن يستبد الرجل برأيه ولا يلتفت إلى مشورة زوجته، لا لشيء إلا لأنها امرأة ومشورتها قدح لقوامته عليها في نظره، فكم من امرأة أدلت برأي صار له أكبر الأثر في استقامة الأمور وصلاح الأحوال؟!
وخير مثال على ذلك أم سلمة رضي الله عنها ـ أم المؤمنين ـ عندما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضبًا مما فعل أصحابه يوم الحديبية؛ حيث أمرهم بالحلق والتحلل فكأنهم تحرجوا وتباطؤوا، فأشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها أن يحلق هو حتى يحلقوا ثم يخرج عليهم، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورتها، فما كان إلا أنهم بادروا إلى امتثال أمره صلى الله عليه وسلم، وذلك بمشورة أمنا "أم سلمة" وبها نجى المسلمون من هلاك محقق وهو مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الزواج شركة:
إن الزواج حياة مشتركة دائمة، فإن كلًا من الزوجين مهما تقدم به العمر يجد إلى جانبه رفيق العمر والدرب الذي يشاطره هموم الحياة ومسؤولياتها.
ونحن لا ننكر أن الحب الصادق بين الزوج والزوجة هو رباط عاطفي، ولكن ذلك الارتباط العاطفي يكون بين شخصين اتفقا على معاني وقيم يلتقيان عليها في كل مجالات الحياة، فأحب كل منهما الآخر، وهذا ما يميز الحب الزوجي عن غيره.
فالشخص يحب أباه أو أقرباءه أو أصدقاءه دون أن يتفق معهم في الرأي والميول والأهداف بالضرورة، ولكنه في الحب الزوجي لا يكون حبًا حقيقيًا قويًا ما لم يكن هناك توافق واضح ورؤية مشتركة بين الزوج والزوجة في كل مجالات الحياة، وما لم يكن صدى احتياجات وآراء كل منهما مسموعًا من الآخر مقبولًا لديه وينال اهتمامه.
هذه الرسالة الحبية الزوجية ليست أمرًا وقتيًا أو أعمالًا سطحية أو كلمات منمقة؛ بل هي قيمة حياتية تنمو مع الأيام من خلال المعاشرة الحسنة وازدياد الخبرة والمعرفة؛ ولذلك فهي تتنافى مع الجمود والأنانية إلى أبعد الحدود.
فالزوجان المحبان يبذلان ما في وسعهما ليبقى كل منهما أمينًا تجاه الآخر بكل حيوية وصدق، وفيًا له، ويتقبل كل منهما الآخر على علاته، ويغفر له زلاته، ساعيين معًا في تعزيز حياتهما بالقدرات الشخصية وتضافرها واتساقها معًا لتكوين نسيج الحياة الزوجية المشتركة.
مسؤولية من؟
إن المشاركة في إنجاح العلاقة الزوجية مسئولية يقوم بها الزوجان معًا، فمن خلال حسن معاملتهما لبعضهما، وفهم أحدهما للآخر، ووضوح الرؤية المشتركة بينهما تتحسن العلاقة بينهما وتنمو إلى الأفضل.
وكيف الاتفاق مع الافتراق؟
لا يخفى علينا أن هناك اختلافات بيولوجية بين الرجل والمرأة، وهناك أيضًا فروق جسيمة وسيكولوجية بما فيها من جوانب مزاجية وانفعالية وعقلية وميول واستعدادات وقدرات، ومع هذه الاختلافات الكبيرة فنحن نقول أن من ميزات العلاقة الصحية بين الزوجين أن يكونا قريبين وفي ذات الوقت مختلفين.
وذلك لأنه لا بد من وجود بعض الفروق الفردية والاختلافات بين الزوجين مهما كان الرابط الزوجي قويًا، فإن هذا الزواج يجمع بين فردين لكل منهما شخصيته وأفكاره وميوله وذوقه وعواطفه واحتياجاته وما يحب وما يكره.
والعجيب أن نعرف أن الزوجين السعيدين هما القريبان والمفترقان في آن واحد، وكلما كان الواحد منهما أكثر حرية وقدرة على تقبل الفروق والتكيف معها كان بالتالي أقدر على التعامل والتعايش مع اختلاف وجهات النظر، وهذا من شأنه أن يزيد من متانة العلاقة بينهما.
تناقض المصالح:
إن الحياة الزوجية السوية تقوم على المصلحة المشتركة، فما يكون في مصلحة الزوج إنما هو في مصلحة الزوجة، وما يكون في مصلحة أي منهما يكون في مصلحة الأسرة.
غير أن هذا لا يمنع من اختلاف وجهتي النظر حول ما هو في المصلحة وما هو في غير المصلحة، بل إن هذا الاختلاف قد يكون موجودًا في الحقيقة؛ فقد يرى الزوج أن من مصلحة الأسرة أن تترك الزوجة عملها، ولكن الزوجة ترى أن مصلحتها ومصلحة الأسرة تكن في أن تظل في الوظيفة لما في ذلك من زيادة في دخل الأسرة وتطوير لشخصيتها وتحقيق ذاتها، وقد ترى الزوجة أن مصلحتها تكمن في إتمام دراستها الجامعية بينما يعارض الزوج ذلك ويرى أن مآلها إلى البيت.
وقد ترى الزوجة أن من مصلحتها الاستقلال بمرتبها وإيراداتها وأن تدخرها لنفسها، وأن يقوم الزوج بالإنفاق على الأسرة، بينما يرى الزوج أنها لا بد أن تساهم في النفقات.. وهكذا فإن تناقض المصالح بصرف النظر عن كون هذا التناقض حقيقيًا أو ناتجًا عن اختلاف وجهات النظر، فإنه يعوق التوافق بين الزوجين، وملاك هذا الأمر هو الرؤية المشتركة؛ أي اتفاق الزوجين على الأمور التي قد تكون موضع خلاف بينهما مع استمرر الحياة الزوجية.
الرؤية المشتركة والذوبان الزوجي:
ويبقى لنا السؤال: هل الرؤية المشتركة بين الزوجين تعني الذوبان الزوجي؟
إن الرؤية المشتركة كما ذكرنا تعني: الاتفاق على أساسيات الحياة الزوجية والنقاط العريضة التي قد تكون موضع خلاف مع استمرار الحياة الزوجية، ثم بعد ذلك فليفعل كل من الزوجين ما يريد في إطار هذا الاتفاق.
أما الذوبان الزوجي فمعناه إلغاء الطرف الآخر وتهميشه، وبالطبع سيكون الطرف الملغي هو الزوجة، فلو أذابت الزوجة نفسها في زوجها وألغت شخصيتها، وأصبحت تبعًا له من غير صوت ولا همس فهذا تدمير للشخصية وتحطيم للثقة بالنفس وإلغاء الآخر، وهذا ما لا يقره الإسلام، بل إن الإسلام حث على احترام المرأة وتنمية مواهبها ودفعها لتساهم في بناء الحضارة.
إن المتتبع لسيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يجد احترامه لشخصية أمهات المؤمنين وتقديره لهن من خديجة رضي الله عنها وحتى آخر زوجاته.
وقرأنا في السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صرح وقال بأن الإسلام عندما جاء أعطى المرأة حقوقًا لم يكن يعرفها العرب ويقدرها، وأهمها أنه أعطاها الاستقلال الشخصي وتحملها مسئولية قرارها حتى في زواجها.
إن من أبرز عناصر القوة في العلاقة الزوجية هو عنصر المشاركة في الجهد وفي التفكير وفي العطاء وفي المسئولية، مع هامش استقلالية لكل طرف في قسط من المسئولية.
إن تجاوز رأي الآخر هو تجاوز لشخصيته ووجوده، وبالتالي تعطيله إن لم نقل منعه من التعاطف الحبي مع الطرف الآخر، وتخيلوا كم الصراعات التي تحدث في بيوت كثيرة بسبب أنانية هذا الطرف أو ذاك واعتداده برأيه وتجاوزه للآخر في المشورة والمشاركة.
وهناك أولويات:
لقد بحثت كثير في أسباب المشاكل الزوجية أو الخلافات الزوجية والتي بدورها قد تؤدي إلى الطلاق، وإن لم يصل الأمر للطلاق، فإنها تكون سببًا في نكد الحياة الزوجية وفشلها، وعند ذلك وضعت يدي في مجالات الرؤية المشتركة ومن خلالها يتم الاتفاق بين الزوجين على عدة نقاط أساسية، وترتيبها بأهميتها وبأولويتها يكون كالتالي:
1ـ العلاقات الاجتماعية.
2ـ النواحي المالية، ويدخل فيها طريقة الحياة والإنفاق.
3ـ تربية الأولاد.
4ـ العلاقة الجنسية.
5ـ العلاقة العاطفية.
6ـ وحدة الأهداف.
انتظرونا في الأعداد القادمة لنتفق معًا على رؤية مشتركة في كل واحدة من هذه النقاط، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته