هل سمعت عزيزي القارئ عن قصة الذئاب البشرية؟
إنني أروي لك هذه القصة: (هؤلاء ثلاثة من الأصدقاء يجمع بينهما الطيش والعبث والمجون كانوا يستدرجون الفتيات الساذجات بالكلام المعسول ثم ينقلبون إلى ذئاب لا ترحم توسلاتهن).
فهل يعُقل أن نقبل الزواج من مثل هذه النماذج من الشباب مع انعدام الأخلاق عندهم.
وهذه قصة أربعة من الشباب كلما سمعوا ببلد فيها الحرام؛ طاروا إليها، يحرقون فتيل شمعة حياتهم في لذات وشهوات، أحلام كالسراب سرعان ما تنقضي ويقبض صاحبها أجره كاملاً من تعاسة وشقاء وسوء خاتمة، ثم في الآخرة فالأمر أدهى وأمر.
قال الإمام الغزالي في الإحياء: (والاحتياط في حقها أهم، لأنها رقيقة بالنكاح، لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال، ومن زوّج ابنته ظالماً أو فاسقاً أو مبتدعاً أوشارب خمر فقد جنى على دينه، وتعرض لسخط الله لما قطع من الرحم وسوء الاختيار).
وقال رجل للحسن بن عليّ: إن لي بنتاً، فمن ترى أن أزوّجها؟
قال: زوجها لمن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
وقالت عائشة رضي الله عنها: النكاح رق، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته؟
وقال r فيما رواه ابن حبان: (من زوّج كريمته من فاسق، فقد قطع رحمها).
وقال ابن تيمية رحمه الله: (ومن كان مصراً على الفسوق لا ينبغي أن يُزوّج.. لماذا؟
يرد السبكي رحمه الله على هذا السؤال فيقول:
(الفاسق لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يجني على المرأة).
وقال بن قدامة: (الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية، غير مأمون على النفس والمال، مسلوب الولايات، ناقص عند الله تعالى وعند خلقه، قليل الحظ في الدنيا والآخرة، فلا يجوز أن يكون كفأً للعفيفة ولا مساوياً لها، لكن يكون كفأً لمثله) (المغني).
ولهذا قال الله تعالى: ((الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)) (النور:3)
وما يقُال للرجل يُقال أيضاً للمرأة: فاذا اجتمع المعدن الطيب مع الدين الصحيح في الرجل والمرأة صنع ذلك الأعاجيب وأخرج ثماراً طيبة من الخلق والعفة والطهارة والاتزان والصدق والوفاء والتفاني في خدمة الآخرين والاعتراف بالجميل، وهذه الصفات كلها صفات لازمة وضرورية في الزوجين ولكل زواج ناجح، أما الشذوذ والانحراف والتذبذب أو الجحود ونكران الجميل أو الكذب أو التعالي... واحدة من هذه الصفات في أحد الزوجين كافية لهدم السعادة الزوجية ومورثة للشقاء والهموم.
ما معنى حُسن الخلق؟
حسن الخلق هو التحلي بكريم الصفات وطيب الأقوال والأفعال.
وفي الحياة الزوجية يعني: لين الجانب بين الزوجين بعيداً عن الغلظة والقسوة والتعالي والمكابرة بما يحقق الألفة والمودة والرحمة، فيتجاوز كل منهما عن هفوات الآخر ويلتمس له العذر في التقصير والمغفرة في الاساءة، وبذلك يرتفع الزوجان عن ردئ الأفعال وبذاءة اللسان وكفران النعم وفحش القول وسوء العمل.
وحسن الخلق من سمات الأنبياء وفيه قال رسول الله r: ((البر حسن الخلق))، والبر كلمة جامعة لشتى صنوف الفضائل في الأقوال والأفعال.
وقد مدح ربنا سيد الخلق r بقوله: ((وإنك لعلى خلق عظيم)) (القلم: 4).
والخلق الحسن هو حكمة بعثة الرسول r في قوله: ((إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)).
فإذا تعامل الزوجان بحسن الخلق تحققت لهما السعادة وصلحت لهما الدنيا والآخرة.
ضرب المرأة سوء خلق:
يريد الإسلام زوجاً حسن الخلق لطيف المعشر كما تقول اعرابية تصف زوجها:
(ضحوكاً، إذا ولج، سكيتاً إذا خرج، آكلاً ما وجد، غير سائل عما فقد).
فإن حسن العشرة فوق المال وفوق كل شيء، وهذا ما نوّه به عم النبي r وهو يخطب خديجة له بقوله: (إن كان في المال قل، فإن المال عرض زائل...).
فمن يضرب المرأة ويهينها فإن ذلك من سوء خلقه، كقصة هذا الزوج الذي كان يضرب زوجته وهو من الأغنياء ويملك قصراً كبيراً فيه درج طويل، فيمسك زوجته من شعرها ويجرها على الدرج، وهذا طبعاً ينافي هدي رسولنا الكريم الذي يقول: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).
وفي الحديث المتفق عليه عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: (أتيتُ رسول الله r فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني، فقال رسول الله r: ((أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه)) أي أنه كثير الأسفار.
وفي رواية مسلم (( أما أبو جهم فضراب للنساء، انكحي أسامة)).
ولنا في رسول الله r أسوة حسنة فمن أخلاقه r: ((كان رسول الله أحلم الناس، وأسخى الناس، وأعطف الناس، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم في مهنة أهله، وكان يأكل ما حضر، وما عاب طعاماً قط، وما لعن امرأة ولا خادماً قط، وما ضرب أحداً بيده قط إلا أن يجاهد في سبيل الله)).
قال أنس t: (خدمته عشر سنين فما قال لي، أف قط، ولا قال لشيء فعلته، لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا؟
لا تنكحوا من النساء ستاً:
وقد وردت عبارات كثيرة للأدباء في النساء اللاتي ينبغي الابتعاد عن تزوجهن لجهلهن بفن معاملة الزوج، ووصفهم بسوء الخلق، والمرأة إذا كانت سليطة اللسان، بذيئة القول، سيئة الخلق، كافرة للنعم كان ضررها أكثر من نفعها، وكانت سبباً للتعاسة الزوجية.
وإليك الآن هذه النماذج من النساء:
الأنانة: وهي التي تكثر الأنين والشكوى وتعصب رأسها كل ساعة ونكاح المتمارضة ليس فيه خير.
المنانة: وهي التي تمن على ووجها فتقول مثلاً: أعطيتك كذا، وفعلت لك كذا.
الحنانة: هي التي تحن إلى زوج سابق أو إلى ولدها من زوج سابق، وهذا يؤثر على صفاء العيش.
الحدّاقة: هي التي تحدق بحدقة عينها في كل شيء فتشتهيه دون تمييز أو قناعة، فتكلف الزوج ما لا يطيق.
البرّاقة: هي ا لمشتغلة طول النهار بتصقيل وجهها وتزيينه ليكون براقاً لامعاً.
الشدّاقة: هي المتشدقة كثيرة الكلام فيما لا فائدة فيه، وقال r: (( إن الله يبغض الثرثارين المتشدقين)) رواه الترمذي.
وروى أن السائح لقى ألياس عليه السلام فأمره بالتزوج ونهاه عن التبتل ثم قال له: (لا تنكح أربعاً من النساء المختلعة، المبارية، والعاهرة، والناشزة) وفيما يلي وصفهم:
1- المختلعة: هي التي تطلب الخلع كثيراً من زوجها بدون سبب.
2- المبارية: هي المباهية بغيرها، المفاخرة بأسباب الدنيا.
3- العاهرة: هي الفاسقة الفاجرة التي تتخذ خدن وهو العشيق، وقد أمر الله باجتناب هذا الصنف من النساء، فقال تعالى: ((محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)) (النساء: 25)
4- الناشز: وهي التي تعلو على زوجها بالفعال والمقال مأخوذ من النشز وهو المرتفع من الأرض.
كيف أصل إلى صاحب الخلق وصاحبة الخلق؟
1- ابدأ عزيزي القارئ وابدأي عزيزتي القارئة أولاً بنفسك, أي أصلح نفسك وزودها بالإيمان والتقوى لأنه أساس لكل عمل صالح.
وهناك قاعدة أساسية يمكن الرجوع إليها توصل إليها العلماء مفادها:
أن الدافع لفعل الطاعة هو الإيمان، والدافع لفعل المعصية - بعد انتفاء الجهل والاكراه والخطأ والنسيان- هو الهوى والشيطان.
ويمكن أن نترجم هذا الكلام في معادلة قصيرة هي:
دافع ذاتي + غاية = سلوك
الإيمان + الدار الآخرة والجنة = أي عمل صالح وخلق حسن
فعندما يوجد إيمان في القلب فإنه يوجه صاحبه إلى كل خير، ألا ترى أن رسول الله في كثير من توجيهاته يسبقها بقوله: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.....)).
كما جاء فيما رواه أبو هريرة عن النبي r أنه قال: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
2- هناك قاعدة شرعية نصت عليها الآية الكريمة من سورة النور أرجو أن تقيس نفسك عليها سواء كان القارئ رجلاً أو امرأة وهذه القاعدة هي:
قوله تعالى: ((الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون له مغفرة ورزق كريم)) (النور: 26).
يقول سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن في تفسير الآية:
(هذا عدل الله في اختياره الذي ركبّ في الفطرة وحققه في واقع الناس، وهو أن تلتئم النفس الخبيثة بالنفس الخبيثة، وأن تمتزج النفس الطيبة بالنفس الطيبة، وعلى هذا تقوم العلاقات بين الأزواج.
ونؤكد للقارئ أن الأخلاق الطيبة هي نتاج طيب للمعدن الطيب والدين الصحيح والأخلاق الخبيثة هي نتاج خبيث للمعدن الخبيث والدين الكاذب.
3- ولكي يتصف الرجل والمرأة بحسن الخلق فإليكم علامات حسن الخلق، كما جاءت في القرآن، قال الله تعالى: ((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون % الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون % أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم))، (الأنفال: 2-4)
وانظر إلى سورة المؤمنون الآيات من ( 1: 10) قال تعالى: ((قد أفلح المؤمنون % الذين هم في صلاتهم خاشعون % والذين هم عن اللغو معرضون % والذين هم للزكاة فاعلون % والذين هم لفروجهم حافظون % إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين % فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون % والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون % والذين هم على صلواتهم يحافظون % أولئك هم الوارثون)) (المؤمنون: 1-10)
وانظر إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب: ((إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات القانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)) (الأحزاب: 35).
قال سيد قطب في تفسير هذه الآية: وهذه الصفات الكثيرة التي جُمعت في هذه الآية تتعاون في تكوين النفس المسلمة.... وهكذا يعمم النص في الحديث عن صفة المسلم والمسلمة ومقومات شخصيتهما... وتذكر المرأة في الآية بجانب الرجل كطرف من عمل الإسلام في رفع قيمة المرأة، وترقية النظرة إليها في المجتمع، واعطائها مكانها إلى جانب الرجل فيما هما فيه سواء من العلاقة بالله، ومن تكاليف هذه العقيدة في التطهر والعبادة والسلوك القويم في الحياة.
وأخيراً تذكر عزيزي القارئ هذه المعادلة:
(الإيمان) + (الدار الآخرة والجنة) = (أي عمل صالح وحسن خلق)
أسال الله أن يهدي الجميع إلى أحسن الأخلاق ويوفق الطيبين للحصول على الطيبات