فن السرور

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : محمد سليم الخطيب | المصدر : www.edleb.net

من أعظم النعم سرور القلب ، واستقراره وهدوءه ، فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس ، وقالوا. إن السرور فن يدرس ، فمن عرف كيف يجلبه ويحصل عليه ، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار العيش ، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه. والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال ، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث ، ولا ينزعج للتوافه. وبحسب قوة القلب وصفائه ، تشرق النفس.

إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس ، رواحل للهموم والغموم والأحزان ، فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات ، وخفت عليه الأزمات.

إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ***  فأهون ما تمر به الوحول

ومن أعداء السرور ضيق الأفق ، وضحالة النظرة ، والاهتمام بالنفس فحسب ، ونسيان العالم وما فيه ، والله قد وصف أعداءه بأنهم ( أهمتهم أنفسهم ، فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم ، فلا يفكرون في غيرهم ، ولا يعيشون لسواهم ، ولا يهتمون للآخرين. إن على وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحيانا ، ونبتعد عن ذواتنا أزمانا لننسى جراحنا وغمومنا وأحزاننا ، فنكسب أمرين : إسعاد أنفسنا ، وإسعاد الآخرين.

من الأصول في فن السرور : أن تلجم تفكيرك وتعصمه ، فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش ، فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح ، وأعاد عليك ملف الأحزان وقرأ عليك كتاب المآسي منذ ولدتك أمك. إن التفكير إذا شرد أعاد لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف ، فزلزل أركانك وهز كيانك وأحرق مشاعرك ، فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد ، { وتوكل على الحى الذي لا يموت } .

ومن الأصول أيضا في دراسة السرور : أن تعطي الحياة قيمتها ، وأن تنزلها منزلتها ، فهي لهو ، ولا تستحق منك إلا الإعراض والصدود ، لأنها أم الهجر ومرضعة الفجائع ، وجالبة الكوارث ، فمن هذه صفتها كيف يهتم بها ، ويحزن على ما فات منها. صفوها كدر ، وبرقها خلب ، ومواعيدها سراب بقيعة ، مولودها مفقود ، وسيدها محسود ، ومنعمها مهدد ، وعاشقها مقتول بسيف غدرها.

أبني أبينا نحن أهل منازل ***  أبدا غراب البين فيها ينعق

نبكي على الدنيا وما من معشر ***  جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

أين الجبابرة الأكاسرة الألى  ***  كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا

من كل من ضاق الفضاء بعيشه ***  حتى ثوى فحواه لحد ضيق

خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا *** أن الكلام لهم حلال مطلق

وفي الحديث : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) وفي فن الآداب : وإنما السرور باصطناعه واجتلاب بسمته ، واقتناص أسبابه ، وتكلف بوادره ، حتى يكون طبعا.

إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم.

حكم المنية في البرية جاري ***  ما هذه الدنيا بدار قرار

بينا ترى الإنسان فيها مخبرا *** ألفيتة خبرا من الأخبار

طبعت على كدر، وأنت تريدها  ***  صفوا من الأقذار والأكدار

ومكلف الأيام ضد طباعها ***  متطلب في الماء جذوة نار

وإذا رجوت المستحيل فإنما ***  تبني الرجاء على شفير هاو

والعيش نوم والمنية يقظة *** والمرء بينهما خيال ساري

فاقضوا مآربكم عجالا إنما ***  أعماركم سفر من الأسفار

وتركضوا خيل الشباب وبادروا ***  أن تسترد فإنهن عوار

ليس الزمان وإن حرصت مسالما ***  طبع الزمان عداوة الأحرار

والحقيقة التي لاريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن ، لأن الحياة خلقت هكذا { لقد خلقنا الإنسان في كبد } 

::لا تحزن لفضيلة الشيخ عائض القرني::