الإيجابية حياة الأفراد والمجتمعات(5)

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : احمد العلي | المصدر : lifemaker.maktoobblog.com

قيمة الإيجابية وأهميتها:

تمنع من عذاب الله عزوجل

المسلم الفطن هو الذي يعرف كيف يقي نفسه من السوء، بل ويقي غيره منه، وأعظم السوء أن يحل بقوم غضب الله وعقابه وانتقامه لذنوب اقترفوها ولم يرجعوا عنها.

ولا يحل العذاب بقوم إلا إذا فشا فيهم المنكر غير عابئين بنصح ناصح أو إرشاد مرشد، والطامة الكبرى أن يقع الجميع في المنكر ولا يوجد من يردهم عنه.

ولاشك أن الذي يتحرك لتغيير المنكر هو الذي ينجيه الله عزوجل من سوء العذاب، ويتضح هذا من تلك القصة التي أمر الله عزوجل رسوله محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يذكّر يهود بها، فقال: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾[الأعراف: 163-165].

قال صاحب الظلال: "انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم: أمة عاصية محتالة. وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة. وأمة تدع المنكر وأهله، وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي.. وهي طرائق متعددة من التصور والحركة، تجعل الفرق الثلاث أممًا ثلاثًا!

فلما لم يُجْدِ النصح، ولم تنفع العظة، وسدر السادرون في غيهم، حقت كلمة الله، وتحققت نذره. فإذا الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء. وإذا الأمة العاصية يحل بها العذاب الشديد الذي سيأتي بيانه. فأما الفرقة الثالثة -أو الأمة الثالثة- فقد سكت النص عنها.. ربما تهوينًا لشأنها -وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب- إذ إنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي. فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب"([1]).

وكذلك أكد القرآن على هذا الأمر في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾[هود: 116-117].

قال الحافظ ابن كثير: "يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.

وقوله: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل، لم يكونوا كثيرًا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه، وفجأة نقمته؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر"([2]).

وقد أكد الأستاذ سيد قطب على أن هذه سنة كونية في الأمم؛ "فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير. فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها، إما بهلاك الاستئصال. وإما بهلاك الانحلال.. والاختلال!

فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب.. وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره.. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع.."([3]).

وهناك إلى جانب آيات الله U أحاديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التي تدل على هذا الباب؛ حيث يقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ U لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ -وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ- فَلاَ يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ"([4]).

فهذا الحديث الشريف يبين لنا فيه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الله I لا يعذب العامة بعمل الخاصة إلا إذا انتشر المنكر بين الناس وأقروه ولم يحاولوا مقاومته، فهنا ينزل العذاب على العامة جزاءً وفاقًا؛ لأنهم لم تتغير وجوههم، ولم تحزن قلوبهم على حرمات الله المنتهكة.

وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حديث يبين هذا حينما سألته أمنا زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"([5]).

فالإيجابية تحمي العامة من عذاب الله؛ حيث إنها تعد بمثابة الشمعة المضيئة التي تهدي الحيارى، وترشد التائهين إلى طريق رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الخامسة والعشرون، 1417ﻫ-1996م، (3/1385).

(2) إسماعيل بن عمرو بن ضوء بن درع القرشي البصروي ثم الدمشقي أبو الفداء عماد الدين بن كثير: تفسير القرآن العظيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الإيمان، المنصورة، الطبعة الأولى، 1417ﻫ-1996م، (4/155).

(3) في ظلال القرآن، (4/1933).

(4) أخرجه أحمد، ح(17057)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/267): "رواه أحمد من طريقين إحداها هذه، والأخرى عن عدي بن عدي حدثني مولى لنا وهو الصواب، وكذلك رواه الطبراني، وفيه رجل لم يسم، وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات".

(5) أخرجه البخاري في "أحاديث الأنبياء"، باب: "قصة يأجوج ومأجوج"، ح(3097)، ومواضع أخر، ومسلم في "الفتن وأشراط الساعة"، باب: "اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج"، ح(5128).