من تاريخ مصر..ملامح شخصية مصر-استراحة قصيرة(18)

الناقل : mahmoud | المصدر : amrkhaled.net

تتبعثر الأوراق أمامي
تحاصرني من كل جهة
تتسابق الحروف نحو ذهني
البناء البصري
عناصر بصرية أساسية
نقطة
خط
مستوٍ
حجم
عناصر بصرية متغيرة
العدد
الحجم
الموضع
اللون
الشكل
كلمات احتلت تفكيري
فهي تحليل لدراستي البصرية
لحدائق القرن الحديث
بينما تقوم يدي بتنظيم تلك الفوضى
يسطع من خلف أوراقي
كتاب جديد
اشتريته منذ أسبوعين
ولم أتمكن من قراءته
إنها
شخصية مصر
دراسة في عبقرية المكان
للرائع جمال حمدان
رحمه الله
حاولت الهروب من تزاحم أفكاري
إلى مقدمة الكتاب
علي أجد فيها سكوناً
لصراع أفكاري
ولكن
جذبتني بشدة روعة الأسلوب
أسلوب أدبي شديد الرقي
يحمل بين طياته
مادة علمية شديدة العمق
نادرا ما تتحد تلك الصفات
نادراً تكاملهم معًا بأسلوب شخص واحد
ولكن عجباً
في شخصية مصر
الأمر مختلف
تتساءل ما هو وجه الاختلاف؟؟؟؟
اتبعني أنقل لك فقرة منه
ولتعتبرها عزيزي القارئ
لحظة سكون
وهدوء
بعد ما استعرضنا من قوة وتتابع تاريخنا
لنقف
لحظة لنلتقط أنفاسنا
ولكننا لن نترك المكان
مازلنا في مصر
مع مصر
في قلوبنا مصر
وفي ملامحنا
ملامح شخصية مصر
ذلك هو عنوان ما سأنقله لكم
من كتاب
شخصية مصر


ملامح شخصية مصر
ليس سهلاً أن نركز الشخصية الإقليمية في معادلة موجزة،
 سيما إذا كانت غنية خصبة كشخصية مصر
ولكن البعض كثيراً ما ردد أن مصر أرض المتناقضات
land of paradox
ربما تحت تأثير التباين الشديد
بين الفروق الاجتماعية الصارخة من ناحية
أو من ناحية أخرى بين خلود الآثار القديمة
وتفاهة المسكن القروي،
أو بين الوادي والصحراء حيث يتجاوران جنباً إلى جنب،
ولن كما تتجاور الحياة والموت.
ولكن إذا لم تكن هذه كلها نظرة سطحية،
فهي على الأقل ضيقة،
لا تعرض إلا لجانب واحد من مركب عريض.
ولا تختلف محاولة التشخيص
بأرض الطغيان
land of tyranny
عن ذلك كثيراً
والذي نراه هو أننا إزاء حالة نادرة من الأقاليم والبلاد من حيث السمات والقسمات التي تجتمع فيها
وكثير من هذه السمات تشترك فيها مصر مع هذه البلاد أو تلك،
ولكن مجموعة الملامح ككل تجعل منها مخلوقاً فريداً فتلك حقيقة
فهي بطريقة ما تكاد تنتمي إلى مكان دون أن تكون هناك تماماً.
فهي بالجغرافيا تنتمي إلى إفريقيا
ولكنها تمت أيضا إلى آسيا بالتاريخ
وهي متوسطية دون مدارية بعروضها
ولكنها موسمية بمياهها وأصولها
وهي إن كانت أصلاً موسمية في مصدرها فقد أصبحت موسمية دائمة أخيراً
على ما في التعبير من تناقض.
هي في الصحراء وليست منها
إنها واحةضد صحراوية
antidesert-
بل ليست واحة إنما شبه واحة هي.
فرعونية هي بالجد
ولكنها عربية بالأب
ثم إنها بجسمها النهري قوة بر
ولكنها بسواحلها قوة بحر
وتضع بذلك قدماً في الأرض وقدماً في الماء
وهي بجسمها النحيل تبدو مخلوقاً أقل من قوي
ولكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأساً أكثر من ضخم
وهي بموقعها على خط التقسيم التاريخي بين الشرق والغرب تقع في الأول
ولكنها تواجه الثاني وتكاد تراه عبر المتوسط
كما تمد يداً نحو الشمال وأخرى نحو الجنوب
وهي توشك بعد هذا كله أن تكون مركزًا مشتركاً لثلاث دوائر مختلفة
بحيث صارت مجمعًا لعوالم شتى
فهي قلب العالم العربي
وواسطة العالم الإسلامي
وحجر الزاوية في العالم الإفريقي 

إذا كان لهذا كله مغزى
فهو ليس أنها تجمع بين الأضداد والمتناقضات
وإنما أنها تجمع بين أطراف متعددة غنية
وجوانب كثيرة خصبة وثرية
بين أبعاد وآفاق واسعة
بصورة تؤكد فيها
(ملكة الحد الأوسط)
وتجعلها
(سيدة الحلول الوسطى)
تجعلها أمة وسطاً بكل معنى الكلمة
بكل معنى الوسط الذهبي
ولكن ليس أمة نصفا!
وسط في الموقع والدور الحضاري والتاريخي
في الموارد والطاقة
في السياسة والحرب
في النظرة والتفكير 

ولعل هذه الموهبة الطبيعية سر بقائها وحيويتها على مر العصور ورغمها
أن مصر جغرافياً وتاريخياً تطبيق عملي لمعادلة هيجل
"تجمع بين التقرير والنقيض
في تركيب متزن أصيل"
ونحن لا نملك إلا أن نقول
أننا كلما أمعنا تحليل شخصية مصر
وتعمقناها استحال علينا أن نتحاشى هذا الانتهاء
وهي أنها فلتة جغرافية لا تتكرر في أي ركن من أركان العالم
فالمكان
الجغرافياكالتاريخ-
لا يعيد نفسه أو تعيد نفسها
تلك هي حقيقة عبقريتها الإقليمية  

انتهت كلمات الكاتب
رحمه الله تعالى
وتبقي مصر
لغزاً صعباً
مهما تكلمنا
مهما حللنا شخصيتها
تصبح كائناً عجيباً
تصبح بلادي
دوماً بلادي
تضمنا إليها
مهما ابتعدنا
يومًا ما
لن نطيق البعد عنها
لن نطيق بلادي
بعدًا عنك