الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ القول في تأويل قوله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } يعني بذلك جل ثناؤه : الذين يربون , والإرباء : الزيادة على الشيء , يقال منه : أربى فلان على فلان إذا زاد عليه يربي إرباء , والزيادة هي الربا , وربا الشيء : إذا زاد على ما كان عليه فعظم , فهو يربو ربوا . وإنما قيل للرابية لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها من قولهم ربا يربو , ومن ذلك قيل : فلان في ربا قومه يراد أنه في رفعة وشرف منهم , فأصل الربا الإنافة والزيادة , ثم يقال : أربى فلان : أي أناف صيره زائدا . وإنما قيل للمربي مرب لتضعيفه المال الذي كان له على غريمه حالا , أو لزيادته عليه فيه , لسبب الأجل الذي يؤخره إليه , فيزيده إلى أجله الذي كان له قبل حل دينه عليه , ولذلك قال جل ثناؤه : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } . 3 131 وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك : 4883 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال في الربا الذي نهى الله عنه : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين , فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني , فيؤخر عنه . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4884 - حدثني بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : أن ربا الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى , فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه . فقال جل ثناؤه للذين يربون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا , لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ; يعني بذلك : يتخبله الشيطان في الدنيا , وهو الذي يتخبطه فيصرعه من المس , يعني من الجنون . وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4885 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } يوم القيامة في أكل الربا في الدنيا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4886 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا ربيعة بن كلثوم , قال : ثني أبي , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : ذلك حين يبعث من قبره . 4887 - حدثني المثنى , قال : ثنا مسلم بن إبراهيم , قال : ثنا ربيعة بن كلثوم , قال : ثني أبي , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب . وقرأ : { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : ذلك حين يبعث من قبره . 4888 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد بن جبير : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس . .. } الآية . قال : يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونا يخنق . 4889 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون } الآية , وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة , بعثوا وبهم خبل من الشيطان . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : هو التخبل الذي يتخبله الشيطان من الجنون . 4890 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان . وهي في بعض القراءة : " لا يقومون يوم القيامة " . 4891 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : من مات وهو يأكل الربا بعث يوم القيامة متخبطا كالذي يتخبطه الشيطان من المس . 4892 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } يعني من الجنون . 4893 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : هذا مثلهم يوم القيامة لا يقومون يوم القيامة مع الناس , إلا كما يقوم الذي يخنق مع الناس يوم القيامة كأنه خنق كأنه مجنون . ومعنى قوله : { يتخبطه الشيطان من المس } يتخبله من مسه إياه , يقال منه : قد مس الرجل وألق فهو ممسوس ومألوق , كل ذلك إذا ألم به اللمم فجن , ومنه قول الله عز وجل : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا } . 7 201 ومنه قول الأعشى : وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق فإن قال لنا قائل : أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الربا في تجارته ولم يأكله , أيستحق هذا الوعيد من الله ؟ قيل : نعم , وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل , إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا , فذكرهم بصفتهم معظما بذلك عليهم أمر الربا , ومقبحا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم , وفي قوله جل ثناؤه : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله . .. } 2 278 : 279 الآية ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك , وأن التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الربا , وأن سواء العمل به وأكله وأخذه وإعطاءه , كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " لعن الله آكل الربا , ومؤكله , وكاتبه , وشاهديه إذا علموا به " . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا القول في تأويل قوله تعالى : { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا } . يعني بذلك جل ثناؤه : ذلك الذي وصفهم به من قيامهم يوم القيامة من قبورهم كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المس من الجنون , فقال تعالى ذكره هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القيامة من قبح حالهم ووحشة قيامهم من قبورهم وسوء ما حل بهم من أجل أنهم كانوا في الدنيا يكذبون ويفترون ويقولون إنما البيع الذي أحله الله لعباده مثل الربا , وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الربا من أهل الجاهلية , كان إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم لغريم الحق زدني في الأجل وأزيدك في مالك , فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك : هذا ربا لا يحل , فإذا قيل لهما ذلك , قالا : سواء علينا زدنا في أول البيع أو عند محل المال فكذبهم الله في قيلهم , فقال : { وأحل الله البيع } . وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا القول في تأويل قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } . يعني جل ثناؤه : وأحل الله الأرباح في التجارة والشراء والبيع , وحرم الربا يعني الزيادة التي يزاد رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل , وتأخيره دينه عليه . يقول عز وجل : وليست الزيادتان اللتان إحداهما من وجه البيع , والأخرى من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل سواء , وذلك أني حرمت إحدى الزيادتين , وهي التي من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل ; وأحللت الأخرى منهما , وهي التي من وجه الزيادة على رأس المال الذي ابتاع به البائع سلعته التي يبيعها فيستفضل فضلها , فقال الله عز وجل ليست الزيادة من وجه البيع نظير الزيادة من وجه الربا , لأني أحللت البيع , وحرمت الربا , والأمر أمري والخلق خلقي , أقضي فيهم ما أشاء , وأستعبدهم بما أريد , ليس لأحد منهم أن يعترض في حكمي , ولا أن يخالف في أمري , وإنما عليهم طاعتي والتسليم لحكمي . فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى ثم قال جل ثناؤه : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى } يعني بالموعظة : التذكير والتخويف الذي ذكرهم وخوفهم به في آي القرآن , وأوعدهم على أكلهم الربا من العقاب , يقول جل ثناؤه : فمن جاءه ذلك فانتهى عن أكل الربا , وارتدع عن العمل به , وانزجر عنه فَلَهُ مَا سَلَفَ يعني ما أكل , وأخذ فمضى قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يعني وأمر آكله بعد مجيئه الموعظة من ربه والتحريم , وبعد انتهاء آكله عن أكله إلى الله في عصمته وتوفيقه , إن شاء عصمه عن أكله وثبته في انتهائه عنه , وإن شاء خذله عن ذلك . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4894 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله } أما الموعظة فالقرآن , وأما ما سلف فله ما أكل من الربا . وَمَنْ عَادَ يقول : ومن عاد لأكل الربا بعد التحريم , وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من الله بالتحريم من قوله : { إنما البيع مثل الربا } فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يعني ففاعلو ذلك وقائلوه هم أهل النار , يعني نار جهنم فيها خالدون .
القول في تأويل قوله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } يعني بذلك جل ثناؤه : الذين يربون , والإرباء : الزيادة على الشيء , يقال منه : أربى فلان على فلان إذا زاد عليه يربي إرباء , والزيادة هي الربا , وربا الشيء : إذا زاد على ما كان عليه فعظم , فهو يربو ربوا . وإنما قيل للرابية لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها من قولهم ربا يربو , ومن ذلك قيل : فلان في ربا قومه يراد أنه في رفعة وشرف منهم , فأصل الربا الإنافة والزيادة , ثم يقال : أربى فلان : أي أناف صيره زائدا . وإنما قيل للمربي مرب لتضعيفه المال الذي كان له على غريمه حالا , أو لزيادته عليه فيه , لسبب الأجل الذي يؤخره إليه , فيزيده إلى أجله الذي كان له قبل حل دينه عليه , ولذلك قال جل ثناؤه : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } . 3 131 وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك : 4883 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال في الربا الذي نهى الله عنه : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين , فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني , فيؤخر عنه . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4884 - حدثني بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : أن ربا الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى , فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه . فقال جل ثناؤه للذين يربون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا , لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ; يعني بذلك : يتخبله الشيطان في الدنيا , وهو الذي يتخبطه فيصرعه من المس , يعني من الجنون . وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4885 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } يوم القيامة في أكل الربا في الدنيا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4886 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا ربيعة بن كلثوم , قال : ثني أبي , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : ذلك حين يبعث من قبره . 4887 - حدثني المثنى , قال : ثنا مسلم بن إبراهيم , قال : ثنا ربيعة بن كلثوم , قال : ثني أبي , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب . وقرأ : { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : ذلك حين يبعث من قبره . 4888 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد بن جبير : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس . .. } الآية . قال : يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونا يخنق . 4889 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون } الآية , وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة , بعثوا وبهم خبل من الشيطان . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : هو التخبل الذي يتخبله الشيطان من الجنون . 4890 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان . وهي في بعض القراءة : " لا يقومون يوم القيامة " . 4891 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : من مات وهو يأكل الربا بعث يوم القيامة متخبطا كالذي يتخبطه الشيطان من المس . 4892 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } يعني من الجنون . 4893 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : هذا مثلهم يوم القيامة لا يقومون يوم القيامة مع الناس , إلا كما يقوم الذي يخنق مع الناس يوم القيامة كأنه خنق كأنه مجنون . ومعنى قوله : { يتخبطه الشيطان من المس } يتخبله من مسه إياه , يقال منه : قد مس الرجل وألق فهو ممسوس ومألوق , كل ذلك إذا ألم به اللمم فجن , ومنه قول الله عز وجل : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا } . 7 201 ومنه قول الأعشى : وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق فإن قال لنا قائل : أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الربا في تجارته ولم يأكله , أيستحق هذا الوعيد من الله ؟ قيل : نعم , وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل , إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا , فذكرهم بصفتهم معظما بذلك عليهم أمر الربا , ومقبحا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم , وفي قوله جل ثناؤه : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله . .. } 2 278 : 279 الآية ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك , وأن التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الربا , وأن سواء العمل به وأكله وأخذه وإعطاءه , كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " لعن الله آكل الربا , ومؤكله , وكاتبه , وشاهديه إذا علموا به " .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا } . يعني بذلك جل ثناؤه : ذلك الذي وصفهم به من قيامهم يوم القيامة من قبورهم كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المس من الجنون , فقال تعالى ذكره هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القيامة من قبح حالهم ووحشة قيامهم من قبورهم وسوء ما حل بهم من أجل أنهم كانوا في الدنيا يكذبون ويفترون ويقولون إنما البيع الذي أحله الله لعباده مثل الربا , وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الربا من أهل الجاهلية , كان إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم لغريم الحق زدني في الأجل وأزيدك في مالك , فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك : هذا ربا لا يحل , فإذا قيل لهما ذلك , قالا : سواء علينا زدنا في أول البيع أو عند محل المال فكذبهم الله في قيلهم , فقال : { وأحل الله البيع } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } . يعني جل ثناؤه : وأحل الله الأرباح في التجارة والشراء والبيع , وحرم الربا يعني الزيادة التي يزاد رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل , وتأخيره دينه عليه . يقول عز وجل : وليست الزيادتان اللتان إحداهما من وجه البيع , والأخرى من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل سواء , وذلك أني حرمت إحدى الزيادتين , وهي التي من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل ; وأحللت الأخرى منهما , وهي التي من وجه الزيادة على رأس المال الذي ابتاع به البائع سلعته التي يبيعها فيستفضل فضلها , فقال الله عز وجل ليست الزيادة من وجه البيع نظير الزيادة من وجه الربا , لأني أحللت البيع , وحرمت الربا , والأمر أمري والخلق خلقي , أقضي فيهم ما أشاء , وأستعبدهم بما أريد , ليس لأحد منهم أن يعترض في حكمي , ولا أن يخالف في أمري , وإنما عليهم طاعتي والتسليم لحكمي .
ثم قال جل ثناؤه : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى } يعني بالموعظة : التذكير والتخويف الذي ذكرهم وخوفهم به في آي القرآن , وأوعدهم على أكلهم الربا من العقاب , يقول جل ثناؤه : فمن جاءه ذلك فانتهى عن أكل الربا , وارتدع عن العمل به , وانزجر عنه
يعني ما أكل , وأخذ فمضى قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك
يعني وأمر آكله بعد مجيئه الموعظة من ربه والتحريم , وبعد انتهاء آكله عن أكله إلى الله في عصمته وتوفيقه , إن شاء عصمه عن أكله وثبته في انتهائه عنه , وإن شاء خذله عن ذلك . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4894 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله } أما الموعظة فالقرآن , وأما ما سلف فله ما أكل من الربا .
يقول : ومن عاد لأكل الربا بعد التحريم , وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من الله بالتحريم من قوله : { إنما البيع مثل الربا }
يعني ففاعلو ذلك وقائلوه هم أهل النار , يعني نار جهنم فيها خالدون .