وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ القول في تأويل قوله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } يعني تعالى ذكره بذلك : { وقاتلوا } أيها المؤمنون { في سبيل الله } يعني في دينه الذي هداكم له , لا في طاعة الشيطان أعداء دينكم , الصادين عن سبيل ربكم , ولا تجبنوا عن لقائهم , ولا تقعدوا عن حربهم , فإن بيدي حياتكم وموتكم , ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت , وخوف المنية على نفسه بقتالهم , فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم , والفرار منهم , فتذلوا , ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه , كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت , الذين قصصت عليكم قصتهم , فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري وحل بهم قضائي , ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه إذ دافعت عنهم مناياهم , وصرفتها عن حوبائهم , فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني , فإن من حيي منكم فأنا أحييه , ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله . ثم قال تعالى ذكره لهم : واعلموا أيها المؤمنون أن ربكم سميع لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي : لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا , عليم بما تخفيه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي . يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين : فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي , وغير ذلك من أمري ونهيي , إذ كفر هؤلاء نعمي , واعلموا أن الله سميع لقولهم وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية محيط بذلك كله , حتى أجازي كلا بعمله , إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا . ولا وجه لقول من زعم أن قوله : { وقاتلوا في سبيل الله } أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال بعد ما أحياهم ; لأن قوله : { وقاتلوا في سبيل الله } لا يخلو إن كان الأمر على ما تأولوه من أحد أمور ثلاثة : إما أن يكون عطفا على قوله : { فقال لهم الله موتوا } وذلك من المحال أن يميتهم ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله . أو يكون عطفا على قوله : { ثم أحياهم } وذلك أيضا مما لا معنى له , لأن قوله : { وقاتلوا في سبيل الله } أمر من الله بالقتال , وقوله : { ثم أحياهم } خبر عن فعل قد مضى . وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض لو كانا جميعا خبرين لاختلاف معنييهما , فكيف عطف الأمر على خبر ماض ؟ أو يكون معناه : ثم أحياهم , وقال لهم : قاتلوا في سبيل الله , ثم أسقط القول , كما قال تعالى ذكره : { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا } 32 12 بمعنى : يقولون : ربنا أبصرنا وسمعنا . وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر , فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه , فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها .
القول في تأويل قوله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } يعني تعالى ذكره بذلك : { وقاتلوا } أيها المؤمنون { في سبيل الله } يعني في دينه الذي هداكم له , لا في طاعة الشيطان أعداء دينكم , الصادين عن سبيل ربكم , ولا تجبنوا عن لقائهم , ولا تقعدوا عن حربهم , فإن بيدي حياتكم وموتكم , ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت , وخوف المنية على نفسه بقتالهم , فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم , والفرار منهم , فتذلوا , ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه , كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت , الذين قصصت عليكم قصتهم , فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري وحل بهم قضائي , ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه إذ دافعت عنهم مناياهم , وصرفتها عن حوبائهم , فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني , فإن من حيي منكم فأنا أحييه , ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله . ثم قال تعالى ذكره لهم : واعلموا أيها المؤمنون أن ربكم سميع لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي : لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا , عليم بما تخفيه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي . يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين : فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي , وغير ذلك من أمري ونهيي , إذ كفر هؤلاء نعمي , واعلموا أن الله سميع لقولهم وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية محيط بذلك كله , حتى أجازي كلا بعمله , إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا . ولا وجه لقول من زعم أن قوله : { وقاتلوا في سبيل الله } أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال بعد ما أحياهم ; لأن قوله : { وقاتلوا في سبيل الله } لا يخلو إن كان الأمر على ما تأولوه من أحد أمور ثلاثة : إما أن يكون عطفا على قوله : { فقال لهم الله موتوا } وذلك من المحال أن يميتهم ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله . أو يكون عطفا على قوله : { ثم أحياهم } وذلك أيضا مما لا معنى له , لأن قوله : { وقاتلوا في سبيل الله } أمر من الله بالقتال , وقوله : { ثم أحياهم } خبر عن فعل قد مضى . وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض لو كانا جميعا خبرين لاختلاف معنييهما , فكيف عطف الأمر على خبر ماض ؟ أو يكون معناه : ثم أحياهم , وقال لهم : قاتلوا في سبيل الله , ثم أسقط القول , كما قال تعالى ذكره : { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا } 32 12 بمعنى : يقولون : ربنا أبصرنا وسمعنا . وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر , فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه , فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها .